معروف وشكيب الراحلان في مفترقات الوجد والروح

> د. هشام محسن السقاف:

> صديقاي الراحلان أبدا في مفترقات الوجد والروح شكيب عوض، ومعروف حداد: تكون الأيام أقسى على الإنسان بعيدا عن الألفة، ألفة اللقاء المحسوس، وخفق نبضات الأقلام صليلا منفردا على الأوراق البيضاء ونقشا مبهجا لمعنى الحياة وتكوينات المعاناة.

مهلا.. رغم الفاجعة لا يترجل فرسان الكلمة، يمتطون صهوات الحب والإنارة والمودة زمنا طويلا يبقى الود في ثنايا الأبد، في ثنايا عهد طويل وقلوب محبة تشكل وعيها- أو جزء منه- على تباشير الكتابة الملتزمة لمعروف أو على تنويعات ألق شكيب المتفرد على الجريدة أو الشاشة الوطنية كواحد من الموسوعيين الذين ألهموا المشاهد حب التفاصيل الدقيقة للإبداع الفني في وطنهم.

كان شيخ الصحافة معروف حداد يتأمل التداعيات الكبيرة في الوطن، ومن عرينه الصحفي يجاهد حق جهاده لرسم صورة للواقع المتبدل: فهل تبدل الواقع سوءا في حياة الصحفي؟

كان أفق الصحافة يتسع لملء الفراغات الخاوية في حياتنا، يلهث ليعوض قيود الفترات السابقة، مستلهما مبدأ التراضي بالديمقراطية كما أفرزته حالة الوحدة اليمنية، لكن جهابذة الشمولية استطاعوا أن يؤاخوا زيفا وخداعا بين قناعاتهم الشمولية الراسخة والمسارب المتاحة من الديمقراطية بحيث يتشكل وعي زائف يقود الصحافة الرسمية، يمكن أن نسميه الشمولية الجديدة! وبذا لم يخط الإعلام الرسمي كثيرا على الدروب العصرية وظلت كوادره نهشا للأوضاع الرمادية الجديدة، وظل معروف حداد بكل شموخه وألقه واحدا من أولئك الذين اكتووا بنيران العهد الجديد لكنه كان الأبرز وقوفا كالنخيل، والأبرز قبضا على جمرة الأوجاع، والأقدر على كسب احترام القراء حتى لحظته الأخيرة.

لم تفارقه ابتسامته الوداعة ولم تنحن هامته العالية حتى أسلم روحه لبارئها، ومثله كان شكيب شاهدا على عصره، ومن أين هلت طلته على الناس على الورق أو الشاشة فإن وشائج الود بينهما ليست بحاجة لاصطناع وتزويغ، تسعفه شخصيته البسيطة المحببة إلى قلوب المشاهدين، وثقافته الواسعة التي غدت بمثابة محيط الدائرة إحاطة بالتاريخ الفني الغنائي في بلادنا وإحاطة بتاريخ السينما والفن في الوطن العربي، ذكرته يوما ببرنامج تلفزيوني كنا نتابعه صغارا وكان شكيب أحد ضيوفه ويستعرض البرنامج فيلما من الأفلام العربية ثم يشبعه المتحاورون ومنهم شكيب تحليلا ونقدا ولم يدم الأمر طويلا فقد اكتشف القائمون على أمر البرنامج أن خير من يستطيع التقديم والتعليق والمناقشة لمثل هذه المواضيع الفنية هو شكيب عوض فغدا الضيف مضيفا وانطبع البرنامج بشخصية شكيب.

إن تكاملات الفن والسياسة قل أن تجتمع في واحد من مثقفينا مثلما اجتمعت في شكيب ولو عاش شكيب في بلد آخر غير هذا الذي لا يضع المثقفين إلا في المكانة الدونية لتألق نجم شكيب ولما عانت أسرته كل تلك المعاناة أثناء مرضه، لكنه قدرنا أن يعيش الصحافيون والمبدعون على شظف العيش بينما يرتع السماسرة وأدعياء السياسة والانتهازيون الجاهزون لكل عصر وزمن في بذخ وترف من المال الحرام.

رحم الله أستاذنا القدير معروف حداد والموسوعي المتألق دوما شكيب عوض.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى