د. أحمد السقاف أستاذ التربية البيئية والاجتماعية بجامعة حضرموت لـ «الأيام»: تغيّر المناخ خطر يهدد مدن حضرموت الطينية

> «الأيام» صلاح العماري:

>
د. أحمد السقاف
د. أحمد السقاف
تشهد محافظة حضرموت هذه الأيام أمطارا غزيرة تبعتها سيول جارفة ألحقت أضرارا بالبيئة والإنسان ولله الحمد من قبل ومن بعد، ومع أن مثل هذه الظروف الطقسية عادة ما تتكرر في بعض السنوات خلال هذه الفترة من السنة (منتصف مارس - أبريل) إلا أن الملاحظ على العواصف المطرية مؤخرا استمرار هطول أمطارها لمدة طويلة من الزمن تصل إلى ساعة وأكثر.

حول هذه الظاهرة والتغيرات البيئية التي تحدثها وأثرها في العمارة الطينية في حضرموت التقت «الأيام» د. أحمد محمد السقاف، أستاذ التربية البيئية والاجتماعية المشارك بجامعة حضرموت للعلوم والتكنولوجيا، الذي أشار إلى ذلك بالقول:

«السمات العامة لأمطار المناطق الجافة التذبذب وأن تأتي على شكل زخات سريعة في فترة وجيزة لا تزيد عن بضع دقائق، وقد شهدت حضرموت ومناطق أخرى من الجمهورية أمطارا ومظاهر مناخية أخرى في أوقات مغايرة للأوقات التي عادة ما تأتي فيها وفقا لسمات مناخ المنطقة، ففي ديسمبر عام 2005م سقطت كمية من الأمطار في مناطق متفرقة من محافظة حضرموت وفي مدينة المكلا بالذات، وهي ظاهرة نادرة إذ إن الأمطار غالبا صيفية والهطول المطري الذي امتد نحو 45 دقيقة في وادي حضرموت العام نفسه يعد ظاهرة جديدة وخطيرة على العمارة الطينية في المنطقة، كما شهد وادي حضرموت مطلع يونيو 2006م رياحا شديدة لم يشهد مثلها منذ عشرات السنين، وأفاد بعض المهتمين بشئون الطقس أن جزيرة سقطرى شهدت الرياح الشديدة والأمطار الغزيرة مطلع يونيو الماضي، وهي غير الفترة المعتادة لمثل هذه الظواهر التي تسود الجزيرة عادة نهاية يونيو - أغسطس من كل عام وبحدة أقل مما حصل مؤخرا، ولا شك أن مثل هذه الظواهر المناخية الحاصلة مؤخرا تعد مؤشرا من مؤشرات التغيرات المناخية في المنطقة، التي تدخل في إطار التغيرات المناخية العامة التي يشهدها عالمنا اليوم، إذ أصبحت ظاهرة التغيرات المناخية حقيقة واقعة تؤكدها الأدلة العلمية والوقائع اليومية على المستوى العالمي والإقليمي.

ومع حقيقة استحالة إيقاف هذه التغيرات فإن العالم اتجه نحو البحث في ما يمكن أن يترتب على هذه الظاهرة من نتائج وآثار يمكن أن تؤدي إلى كوارث ومخاطر على الإنسان والبيئة، لذا سعى المجتمع الدولي نحو التحرك لمواجهة هذه المخاطر الناتجة عن تغير المناخ للحد من آثارها والبحث عن أساليب للتكيف مع نتائجها، إلا أن الجهود التي بذلت حتى الآن عدت غير كافية، إذ أكد علماء المناخ الذين أنهوا اجتماعهم مؤخرا في فرنسا أن مؤشرات التغير المناخي ربما تكون أسوأ مما هو متوقع ويمكن أن تستمر لأكثر من ألف عام.

< ما أسباب هذه الظاهرة؟

- تعود ظاهرة التغير المناخي إلى أكثر من سبب، يأتي في مقدمتها تزايد نسبة غازات الاحتباس الحراري ومن أهمها ثاني أكسيد الكربون والميثان ومركبات الفلروكوبون، بالإضافة إلى تدهور واستنزاف الغطاء النباتي الطبيعي وانتشار التصحر وحرائق الغابات، في حين تبدو مظاهر التغير المناخي في ارتفاع في درجات حرارة الأرض مما يؤدي إلى ظهور اضطرابات في الأنظمة المناخية مثل تكرار الأعاصير والأمطار الشديدة وفيضانات غير مسبوقة وفي أماكن غير متوقعة وأوقات غير منتظمة، بينما يظهر الجفاف الشديد في أقاليم ومناطق أخرى، وحدوث موجات حر شديدة ومفاجئة، كما أن ارتفاع درجات حرارة غلاف الأرض سوف يؤدي إلى ذوبان المسطحات الجليدية وارتفاع مستوى سطح البحر. ووفقا للتقارير العلمية الأخيرة بهذا الشأن بات من المؤكد أن حرارة الأرض ارتفعت بمقدار 0.6 درجة مئوية وأن سمك المسطحات الجليدية في المحيط المتجمد الشمالي انخفض بنسبة 40% وتم التأكد من أن مستوى مياه البحار قد ارتفع وأن هذه الزيادة بلغت ما بين 4-10 سم خلال المائة سنة الأخيرة وأن هناك دلائل كثيرة على تغير أنماط الطقس وظهور عواصف أكثر وتيارات بحرية أشد كما أكد ذلك مؤخرا في مؤتمر باريس (فبراير 2007م) أن معدلات درجة حرارة الأرض ممكن أن تصل ما بين 5.8 - 8.5 درجة مئوية، وأن مستوى سطح البحر ممكن أن يرتفع نحو 88 سم بحلول عام 2100 قياسا بمعدلات مطلع العقد التاسع من القرن العشرين.

< هل هناك زيادة محتملة في درجات الحرارة وسقوط الأمطار في اليمن؟

- استنادا إلى التقرير النهائي الذي أعده فريق إعداد سيناريوهات التغير المناخي في اليمن بالهيئة العامة لحماية البيئة الذي تناول التغيرات المناخية ومؤثراتها في اليمن حتى عام 2050م، فإن الزيادة المتوقعة في المعدل السنوي لدرجات الحرارة يمكن أن تتراوح ما بين 2-2.2 درجة مئوية أما فيما يخص الأمطار فإن الزيادة في معدل سقوط الأمطار سوف تصل نسبتها ما بين 9-11% بل ممكن أن تصل نسبة الزيادة إلى 114% عما هو عليه الحال الآن في النطاق الداخلي والهضاب الشرقية من اليمن التي يقع وادي حضرموت ضمنها، وبعيدا عن قبول أو رفض مثل هذه التوقعات فإن التغير المناخي في المنطقة حقيقة واقعة شأنها شأن أقاليم العالم الأخرى وبدت مؤشراتها واضحة، وعلينا البحث عن أساليب التكيف معها إذ إن العمران البيئي الطيني لمدن وادي حضرموت مصمم على ظروف مناخية تتسم بالجفاف وقلة الأمطار، وينعكس ذلك عموما سواء في تخطيط المدن أو تصميمات المنازل، ومع أن البنائين في حضرموت وضعوا كثيرا من التقنيات العمرانية لمواجهة مؤثرات ظروف المناخ إلا أن عدم الالتزام مؤخرا بكثير من تلك التقنيات والتعدي على مجاري السيول الرئيسية والفرعية واستخدام الأنابيب البلاستيكية لمخارج مياه السطوح بدلا من المراحيض التقليدية يزيد من مخاطر التغيرات المناخية على مدن المنطقة ما لم يتم البحث عن أساليب تكيف ناجعة وعملية من الآن لمواجهة ما يمكن أن تحدثه تلك التغيرات وتهدد مدن بحالها كانت ومازالت تشكل صورة من صور التوافق والتناغم بين الإنسان والبيئة، وهذا لا يعني العودة للعمارة الاسمنتية فهي لا تقل خطرا عن ذلك على خصائص ومميزات مدن وادي حضرموت، بل ينبغي البحث عن أساليب ناجعة للحفاظ على العمارة الطينية.

< كيف ينبغي لبلادنا أن تتعامل مع المتغيرات المناخية؟

- لا شك أن بلادنا أدركت أهمية وخطورة ما يترتب على التغيرات المناخية من مخاطر فانضمت لاتفاقية التغير المناخي منذ عام 1996م وبروتوكول كيوتو عام 2004م كما تم إنشاء المشروع الوطني للتغير المناخي عام 2005م وكذلك البرنامج الوطني للتكيف مع التغيرات المناخية في إطار الهيئة العامة لحماية البيئة.. والسؤال المهم هل أدرجت مؤثرات التغيرات المناخية على العمارة الطينية في اهتمامات البرنامج وفرق عمله مؤخرا؟

ففي مشاركاتنا في إحدى الندوات التعريفية المنعقدة بالمكلا لم يكن مجال العمارة عامة والطينية خاصة ضمن اهتمامات البرنامج، وطرحنا ملاحظاتنا بهذا الخصوص حينها، وحتى الآن لم يأت في علمنا ما يؤكد ذلك.

ومعلوم أن الدول الصناعية وبالذات الاتحاد الأوروبي تقدم مساعدات مالية سنوية للدول النامية للتكيف مع التغيرات المناخية فهل نستطيع استثمار ذلك في مشاريع مدروسة واضحة في أهدافها وصادقة وشفافة في إجراءاتها ومحلية بيئية في تقنياتها وتصاميمها؟

إننا ندعو الجميع لإيلاء هذا الموضوع الاهتمام الذي يستحقه بعقلية يغمرها الحس الوطني ويوجهها الانتماء البيئي لأمنا الأرض وليمن الإيمان وحضرموت الخير.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى