> «الأيام» متابعات:
لمن لا يعرف المهندس أسامة محمد عوض باوزير فهو أصغر أولاد المرحوم الشيخ الفاضل محمد عوض بن طاهر باوزير، أحد وجهاء مدينة عدن في فترة الخمسينات والستينات من القرن الماضي، ومؤسس الجمعية الحضرمية بعدن وأحد مؤسسي جمعية السل وجمعيات اجتماعية عديدة، وكان فضيلته يشغل منصب سكرتير هيئة علماء الجنوب في ذلك الوقت وكانت له إسهامات مؤثرة جداً على مدينة عدن اجتماعياً وسياسياً ودينياً، كما نسج العديد من العلاقات المحلية والإقليمية والدولية ووظفها لصالح دينه ووطنه ومجتمعه، وبالإضافة إلى ذلك كان الشيخ محمد عوض باوزير من رجال الأعمال الذين يشار لهم بالبنان في مدينة عدن موظفاً جهده لخدمة أفراد مجتمعه ولمساعدة مختلف شرائح المجتمع في مدينة عدن.
والمهندس أسامة باوزير وإخوانه نهجوا نهج والدهم في جميع ما سبق وبدؤوا في عام 91 بمشروع المنطقة الحرة بعدن وفيما يلي نص الحوار الذي اجرته «الأيام» يوم امس مع م. أسامة باوزير.
< أخ م.أسامة هل لنا أن نعرف تفاصيل الاتفاقية الأولى لإنشاء المنطقة الحرة مع كل ما أحاط بها من أحداث؟
- الحمد له وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده. وبعد في البداية أشكر لكم حرصكم الدائم على البحث عن الحقيقة أينما كانت وتسليط الضوء على كل ما يهم الوطن والمواطن اليمني، وبالإشارة إلى سؤالك حول المنطقة الحرة فسأتحدث عن فترة ما بعد الوحدة المباركة وبداية الفكرة، ففي ذلك الوقت التاريخي ارتأت القيادة السياسية تحويل مدينة عدن الباسلة إلى عاصمة اقتصادية ومنطقة حرة وتم إعلان ذلك في وسائل الإعلام المختلفة، وفي تلك الأثناء تم تعيين الأخ العزيز عبدالقادر باجمال كرئيس مجلس إدارة الهيئة العامة للمناطق الحرة وبدأنا الحديث معه حول كيفية إنشاء المشروع وما هي احتياجاته وشرح لنا الأستاذ عبدالقادر بشفافية تامة في ذلك الوقت موضوع شح الموارد المالية للهيئة التي كان يرأسها وعدم إمكانيتها للمساهمة في دراسة المشروع. تم تطمين الأخ عبدالقادر بأن شركتنا ستتكفل بكل مصاريف الدراسة على حسابها وبدون أي التزام على الدولة وعلى أساس أن تكون لشركتنا الأولوية في الاستثمار في القطاعات المختلفة في المنطقة الحرة، وبالفعل تم عمل عقد دراسة متخصصة وفنية مع الحكومة اليمنية واختير لهذا العمل وإدارته طاقم متخصص جدا في المناطق الحرة العالمية ونتج عن هذه الدراسة تخصيص خمس عشرة منطقة في داخل محافظة عدن تصلح لأن تكون قطاعات محركة للنهوض بالمنطقة الحرة، وفيما بعد كانت خلاصة هذه الدراسة هي العمود الفقري لقرار مجلس الوزراء رقم 65 لعام 1993 والذي ينص على تخصيص هذه المناطق كمناطق حرة.
< في ظل التخبط الواضح من قبل الحكومة السابقة برئاسة باجمال في موضوع الميناء.. أرجو شرح قضيتكم الخاصة للعمل على تسريع انتشال وضع الميناء الحالي ؟
- عندما يشرع المخططون لتخطيط مستقبل أي مشروع استراتيجي مثل مشروع المنطقة الحرة والميناء تحديدا يجب دراسته دراسة وافية وكاملة ودقيقة من كل الجوانب بما في ذلك الجانب الجغرافي والتاريخي الذي يمر مرور الكرام على البعض.
فمما لا شك فيه أن موقع ميناء عدن موقع استراتيجي بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى ويحتل نقطة مهمة جدا في خارطة الموانئ العالمية ويعتبر كموقع من أحسن المواقع الإقليميةعلى الإطلاق، بل ويسمى هذا الميناء ملتقى الشرق والغرب وهذه الصفة المهمة يجب أن لانغفل عنها أبدا، أما من الناحية التاريخية فنأخذ مثلاً دور دولة أوروبية مثل بريطانيا في فترة وجودها الذي أمتد لمائة وتسعة وعشرين عاما حيث تحول من ميناء عادي مهمل إلى ثالث أفضل ميناء على مستوى العالم، ويتميز البريطانيون بمعرفتهم المتراكمة لهذا الميناء بحكم وجودهم تاريخياً فيه بالإضافة إلى معرفة البريطانيين بطبيعة المواطن اليمني خاصة في مدينة عدن، التي كانت تحتضن مواطنين من جميع المحافظات، وكونهم قد تعاملوا ولسنوات طويلة مع هذا الجزء من بلادنا ولمساتهم فيها واضحة من حيث النظام وتطبيقه ومعرفتهم عميقة بالمجتمع والعادات والتقاليد ويعرفون ما يجب عمله وما يجب أن لا يعمل في هذه المدينة، وهو أمر في غاية الأهمية، وأعتقد أن قدرتهم المستقبلية لإدارة ميناء عدن ممكنة جداً بعد دراسة كل العروض دراسة متأنية ومعمقة.
< توقيع وزارة النقل مع موانئ دبي ثم ما تلاه من طرح الموضوع في الصحافة وتدخل الرئيس لإيقاف المشروع.. أرجو إلقاء الضوء على هذا الموضوع وكيف تقيم العقد مع موانئ دبي؟
- أولا وللأمانة التاريخية أقول إن فخامة الرئيس علي عبدالله صالح تدخل في الوقت المناسب وهذا التدخل ينم عن ذكاء للمحافظة على مقدرات الشعب اليمني وسيادته، ولولا هذا التدخل لكان الوضع كارثيا بالنسبة لميناء عدن وللوطن ككل.
لقد سنحت لي الفرصةلقراءة اتفاقية الحكومة السابقة مع موانئ دبي كما سنحت لي لقراءة اتفاقيات أخرى لإدارة موانئ إقليمية وعالمية وكمثال على هذه الاتفاقيات أذكر اتفاقية الميناء الجنوبي في مدينة جدة والذي تديره موانئ دبي فوجدت أن اتفاقية الحكومة اليمنية السابقة مع موانئ دبي هي اتفاقية فاسدة ومجحفة للمواطن اليمني، ولولا عناية الله ونظرة الرئيس الثاقبة في إيقافها لكانت كارثة كبرى.
سأذكر لك وللقارئ الكريم جزءا من السلبيات:
1- تنص الاتفاقية في المادة 37 منها على تأجير كامل ميناء المعلاء بمبلغ مائتين وخمسة وعشرين ألف دولار أمريكي سنوياً وللقارئ الكريم أن يتصور أن ما كان ثالث ميناء في العالم من حيث حركة الملاحة العالمية يؤجر بأقل من قيمة إيجار جناح في فندق في دبي لمدة سنة، وهذه المادة بحد ذاتها تستوجب استقالة مسئولين في الوزارة المعنية.
2- ميناء كالتكس يؤجر هو الآخر بمبلغ زهيد جدا مقارنة بالدخل المتوقع من ميناء حاويات بمثل حجمه ويقدر مبلغ الإيجار بمليون ونصف المليون دولار أمريكي سنوياً.
3 - في نهاية فترة الخمسة والثلاثين عاما يكون الحد الأعلى لعدد الحاويات والتي تمت مناولتها بواسطة موانئ دبي في ميناء كالتكس ثلاثة ملايين وأربعمائة وأربعين ألف حاوية فقط، بينما وفي نفس الفترة الزمنية يكون ميناء دبي في الإمارات العربية المتحدة قد قفز إلى حوالي اثني عشر ضعف الرقم المذكور أعلاه وميناء جيبوتي قد قفز الى أربعة أضعاف هذا الرقم، بينما ميناء عدن يكون في أسفل سلم موانئ المنطقة. كما نصت الاتفاقية على فضيحة أخرى وهي تثبيت سعر الكليو وات بسعر ثابت طيلة مدة الخمسة والثلاثين عاما وهذا ما لا يحصل في أي عقد في العالم نظرا لطبيعة تغير أسعار الكهرباء من فترة لأخرى.
4- أسعار المناولة في الموانئ الإقليمية القريبة من ميناء عدن هي حوالي سبعين دولارا للحاوية غير أن العقد وفي المادة 38 الفقرة الثالثة نص أنه سيدفع المشغل للدولة كحد أقصى ستة دولارات للحاوية الواحدة تنزل إلى ثلاثة دولارات وخمسة وسبعين سنتاً إذا وصل عدد الحاويات إلى اثنين مليون حاوية وللقارئ الكريم أن يعرف ويحس الفرق بين السبعين دولارا والستة دولارات.
5- ومن البنود المادة 6 التي تنص على شراء كامل الأصول في المينائين من رافعات جسرية بمختلف أنواعها ومعدات رفع ومعدات تنزيل وثلاثين قارب قطر وخمسةوأربعين قاطرة حاويات ومنصة جوية و...... إلخ بمبلغ خمسة وثلاثين مليون دولار امريكي أي بقيمة رافعتين، مع أن حسبة بسيطة لهذه الأصول تضع تقديراتها بأكثر من مائة مليون دولار بحالتها الراهنة.
والفضائح في البنود كثيرة لا يتسع المجال في هذه المقابلة لذكرها في المقابل وفي اتفاقية الميناء الجنوبي لميناء جدة في المملكة العربية السعودية يستحق المشغل (أيضاً موانئ دبي) وهو نفس المشغل الذي يريد تشغيل ميناء عدن، أن تأخذ حكومة المملكة خمسة وستين في المائة من إجمالي الدخل وتبقي خمسة وثلاثين في المائة للمشغل لتغطية مصاريف التشغيل والأرباح وللتحديث المستمر للميناء، كما تلزم الحكومة السعودية في هذا العقد المشغل باستثمار أكثر من مائة وثلاثين مليون دولار وعلى نفقة المشغل في البنية التحتية وشراء آليات للميناء كما يلتزم بتشغيل المواطنين في المشروع وليس للمشغل الحق في تغيير أسعار المناولة ...إلى كثير من تلك البنود الجيدة من جانب الحكومة السعودية.
وخلاصة القول وبشفافية تامة أن هناك مسئولين في الدولة يحاولون بشتى الطرق وباستماتة قصوى تفصيل عقد وشروط لإدارة ميناء عدن وإلباسه لموانئ دبي ولهم أسبابهم الشخصية والمادية والجميع يعرف ذلك ولا نعلم لماذا حتى هذه اللحظة لم تقم الحكومة السابقة بعمل إعادة مناقصة لهذا المشروع المهم والحيوى، بل بدلا من ذلك ترسل المندوب تلو الآخر إلى دبي لمحاولة تسوية الأمور ولترميم المقترحات الآيلة للسقوط حتى لا تضيع مصالحهم.
< دعنا الآن ننتقل إلى موضوع حقوقكم في المشروع والتي لم تسوَّ حتى الآن هل لك أن تحدثنا عنها؟
- رغم أنني لا أحب الحديث عن موضوعي الشخصي وأخواني لكن وبموجب طلبكم وبعد رؤيتكم للوثائق الحساسة التي أطلعتكم عليها اليوم والتي تثبت حقوقي وإخواني وهي وثائق في غاية الأهمية والحكومة السابقة على علم بذلك قبل شرائها للمشروع، فما تم حتى الآن هو أن الأ خ جمال باوزير ويحمل الجنسية الأمريكية أرسل عن طريق مكتب المحاماة الأمريكي خطابين أحدهما للحكومة اليمنية السابقة والآخر لموانئ دبي، تنص الرسالة الموجهة إلى موانئ دبي بعد شرح حقوقنا الشرعية فيها على أنه وفي حال دخولهم كمستثمرين في ميناء الحاويات بعدن سيكونون عرضة للملاحقة القضائية وشرحنا لهم أن الحكومة اليمنية السابقة تتصرف فيما لا تملكه ملكا تاما وهذا يتعارض مع كافة الشرائع والقوانين المحلية والدولية وأجابوا على محامي الأخ جمال باوزير بأنهم لم يكونوا على علم بذلك وأنهم لا يحبذون الدخول في مشاريع لآخرين فيها حقوق مغتصبة، وطلبوا المزيد من الوقت لدراسة الموضوع من جميع نواحيه والخطاب الآخر الموجه للحكومة اليمنية بإيقاف أي تصرف في ميناء الحاويات حتى يتم تسوية حقوقي وإخواني فيه، فلذلك ومن خلال صحيفتكم الغراء أوجه خطابي للشركات العازمة على الاستثمار في ميناء الحاويات (كالتكس) سواء كانت الشركة موانئ دبي أو غيرها لتحذيرها أنها ستكون عرضة للملاحقة القانونية والتي يجري الترتيب لها الآن لإقامتها في داخل الوطن وخارجه، وسنظل نطالب بحقوقنا بكافة الطرق والأطر القانونية وفي داخل حدود النظام والقانون، لذلك أملنا كبير جداً في دولة الدكتور علي مجور، رئيس الوزراء الجديد لإنصافنا في هذا الموضوع ثم الانتقال بأحوال هذا الميناء إلى مصاف الموانئ العالمية بإذن الله، وننتهز تزامن هذه المقابلة مع تكليف الأخ الدكتور علي مجور برئاسة الوزراء لنهنئه على الثقة الغالية ونتمنى له التوفيق والنجاح بإذن الله تعالى.
< إذاً ما الذي يتوجب عمله برأيك لإنقاذ وضع المنطقة الحرة والقفز بها إلى مستوى مثيلاتها في المنطقة أو العالم؟
- سأجيب على هذا السؤال ولكن بافتراض أنه تم التوصل لتسوية بشأن حقوقي وإخواني التي ذكرتها في السؤال السابق ورجعت حقوقنا إلينا، ولهذا دعني أمثل لك.. مشروع المنطقة الحرة وإصلاحه كعملية في المخ هي لازمة وضرورية جداً لمسيرة الحياة ولكن أي خطأ صغير يمكن أن يقضي عليها، وأقول أيضاً إن الطاقم الذي فاوض موانئ دبي وبصراحة ليس لديه الخبرة ولا الرغبة الوطنية لهذا العمل، لذا ومن منطلق حرصي الشديد على النصح والإرشاد فيما أعلمه من خفايا هذا المشروع الاستراتيجي أرى إصلاح مسار المشروع بالتالي :
1- إعداد مناقصة بشروط عالمية وعن طريق شركة محايدة.
2- إلغاء كل ما نتج عن المناقصة السابقة وإغلاق ملفها المليء بالفساد.
3- دراسة كل شركة من حيث مواقع الموانئ التي تديرها ومدى توافق أو تعارض هذه الموانئ مع ميناء عدن والتركيز علي الشركات التي تدير موانئ تتكامل اقتصادياً مع ميناء عدن.
4- أخذ كافة الضمانات اللازمة من المشغل لتنشيط الميناء وزيادة دخله وذلك بزيادة عدد الحاويات العابرة.
5- التركيز على الشركات القوية جدا ويفضل الأوربية ذات الثقل الكبير والتي لها علاقات دولية واسعة ولها تأثير كبير على خطوط الملاحة الدولية.
6- إلزام الشركة بالاستثمار في بناء الكادر اليمني المؤهل وكذا المجتمع اليمني بصورة قوية وعلى مدى طويل.
7- كل ما ذكر لن يتم إلا باستبعاد المسئولين الذين انخرطوا وراء مصالحم الشخصية ورموا عرض الحائط بمصالح أمة كاملة وكانوا سبباً في تأخير إحياء الميناء من جديد.
< هل يوجد أوجه أخرى للشراكة في المناطق الحرة في العالم بحيث تضمن فيها الـدولة حقـوقها ويمـكن تطبـيقها في اليمن؟
- لقد قمنا في الفترة السابقة بالتعاون مع أطراف مختصة بدراسة أسس مختلفة لتشغيل ميناء عدن تحديداً على أساس الشراكة بين القطاع الخاص اليمني والدولة بحيث تضمن استمرار ملكية هذا المرفق السيادي والمهم جداً في أيدي أبناء الوطن ووضع ملكية الشركة المختلطة على أساس ما قامت به دول عديدة في مجال تعاون الدولة والقطاع الخاص، وهناك أمثلة عديدة لذلك في أوروبا وتشمل تلك الشراكات وضع جزء من الملكية في متناول أبناء الوطن عبر مساهمات تنظم ضمن الهيكل القانوني لهذه الشركات المختلطة، وقد تم طرح هذه الأفكار بصورة مبدئية لبعض المسؤولين في الدولة وتحديداً مع الحكومة السابقة ولكن لم تجد آذاناً صاغية لتضارب ذلك مع المصالح الشخصية العديدة لهم.
وهذا النهج الاقتصادي تسير عليه دول مجلس التعاون الخليجي حالياً في كثير من القطاعات الاقتصادية السيادية مثل الموانئ والكهرباء والمياه وغيرها وبما أن اليمن تسير وبصورة حثيثة نحو التكامل الاقتصادي ضمن منظومة مجلس التعاون الخليجي فالأجدر بمسؤولي الدولة أن يدرسوا وبعناية هذه الأسس التي تتمشى مع توجيهات فخامة الأخ رئيس الجمهورية بضرورة توافق أسس النظام الاقتصادي في اليمن مع النظم الاقتصادية لدول مجلس التعاون بما يهيئ اليمن في طريق انضمامها لمنظومة مجلس التعاون بخطى ثابتة تخدم مصالحها الاقتصادية الاستراتيجية وتبعد شبح المصالح الشخصية المعطلة لحركة التطور الاقتصادي في اليمن.
والمهندس أسامة باوزير وإخوانه نهجوا نهج والدهم في جميع ما سبق وبدؤوا في عام 91 بمشروع المنطقة الحرة بعدن وفيما يلي نص الحوار الذي اجرته «الأيام» يوم امس مع م. أسامة باوزير.
< أخ م.أسامة هل لنا أن نعرف تفاصيل الاتفاقية الأولى لإنشاء المنطقة الحرة مع كل ما أحاط بها من أحداث؟
- الحمد له وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده. وبعد في البداية أشكر لكم حرصكم الدائم على البحث عن الحقيقة أينما كانت وتسليط الضوء على كل ما يهم الوطن والمواطن اليمني، وبالإشارة إلى سؤالك حول المنطقة الحرة فسأتحدث عن فترة ما بعد الوحدة المباركة وبداية الفكرة، ففي ذلك الوقت التاريخي ارتأت القيادة السياسية تحويل مدينة عدن الباسلة إلى عاصمة اقتصادية ومنطقة حرة وتم إعلان ذلك في وسائل الإعلام المختلفة، وفي تلك الأثناء تم تعيين الأخ العزيز عبدالقادر باجمال كرئيس مجلس إدارة الهيئة العامة للمناطق الحرة وبدأنا الحديث معه حول كيفية إنشاء المشروع وما هي احتياجاته وشرح لنا الأستاذ عبدالقادر بشفافية تامة في ذلك الوقت موضوع شح الموارد المالية للهيئة التي كان يرأسها وعدم إمكانيتها للمساهمة في دراسة المشروع. تم تطمين الأخ عبدالقادر بأن شركتنا ستتكفل بكل مصاريف الدراسة على حسابها وبدون أي التزام على الدولة وعلى أساس أن تكون لشركتنا الأولوية في الاستثمار في القطاعات المختلفة في المنطقة الحرة، وبالفعل تم عمل عقد دراسة متخصصة وفنية مع الحكومة اليمنية واختير لهذا العمل وإدارته طاقم متخصص جدا في المناطق الحرة العالمية ونتج عن هذه الدراسة تخصيص خمس عشرة منطقة في داخل محافظة عدن تصلح لأن تكون قطاعات محركة للنهوض بالمنطقة الحرة، وفيما بعد كانت خلاصة هذه الدراسة هي العمود الفقري لقرار مجلس الوزراء رقم 65 لعام 1993 والذي ينص على تخصيص هذه المناطق كمناطق حرة.
< في ظل التخبط الواضح من قبل الحكومة السابقة برئاسة باجمال في موضوع الميناء.. أرجو شرح قضيتكم الخاصة للعمل على تسريع انتشال وضع الميناء الحالي ؟
- عندما يشرع المخططون لتخطيط مستقبل أي مشروع استراتيجي مثل مشروع المنطقة الحرة والميناء تحديدا يجب دراسته دراسة وافية وكاملة ودقيقة من كل الجوانب بما في ذلك الجانب الجغرافي والتاريخي الذي يمر مرور الكرام على البعض.
فمما لا شك فيه أن موقع ميناء عدن موقع استراتيجي بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى ويحتل نقطة مهمة جدا في خارطة الموانئ العالمية ويعتبر كموقع من أحسن المواقع الإقليميةعلى الإطلاق، بل ويسمى هذا الميناء ملتقى الشرق والغرب وهذه الصفة المهمة يجب أن لانغفل عنها أبدا، أما من الناحية التاريخية فنأخذ مثلاً دور دولة أوروبية مثل بريطانيا في فترة وجودها الذي أمتد لمائة وتسعة وعشرين عاما حيث تحول من ميناء عادي مهمل إلى ثالث أفضل ميناء على مستوى العالم، ويتميز البريطانيون بمعرفتهم المتراكمة لهذا الميناء بحكم وجودهم تاريخياً فيه بالإضافة إلى معرفة البريطانيين بطبيعة المواطن اليمني خاصة في مدينة عدن، التي كانت تحتضن مواطنين من جميع المحافظات، وكونهم قد تعاملوا ولسنوات طويلة مع هذا الجزء من بلادنا ولمساتهم فيها واضحة من حيث النظام وتطبيقه ومعرفتهم عميقة بالمجتمع والعادات والتقاليد ويعرفون ما يجب عمله وما يجب أن لا يعمل في هذه المدينة، وهو أمر في غاية الأهمية، وأعتقد أن قدرتهم المستقبلية لإدارة ميناء عدن ممكنة جداً بعد دراسة كل العروض دراسة متأنية ومعمقة.
< توقيع وزارة النقل مع موانئ دبي ثم ما تلاه من طرح الموضوع في الصحافة وتدخل الرئيس لإيقاف المشروع.. أرجو إلقاء الضوء على هذا الموضوع وكيف تقيم العقد مع موانئ دبي؟
- أولا وللأمانة التاريخية أقول إن فخامة الرئيس علي عبدالله صالح تدخل في الوقت المناسب وهذا التدخل ينم عن ذكاء للمحافظة على مقدرات الشعب اليمني وسيادته، ولولا هذا التدخل لكان الوضع كارثيا بالنسبة لميناء عدن وللوطن ككل.
لقد سنحت لي الفرصةلقراءة اتفاقية الحكومة السابقة مع موانئ دبي كما سنحت لي لقراءة اتفاقيات أخرى لإدارة موانئ إقليمية وعالمية وكمثال على هذه الاتفاقيات أذكر اتفاقية الميناء الجنوبي في مدينة جدة والذي تديره موانئ دبي فوجدت أن اتفاقية الحكومة اليمنية السابقة مع موانئ دبي هي اتفاقية فاسدة ومجحفة للمواطن اليمني، ولولا عناية الله ونظرة الرئيس الثاقبة في إيقافها لكانت كارثة كبرى.
سأذكر لك وللقارئ الكريم جزءا من السلبيات:
1- تنص الاتفاقية في المادة 37 منها على تأجير كامل ميناء المعلاء بمبلغ مائتين وخمسة وعشرين ألف دولار أمريكي سنوياً وللقارئ الكريم أن يتصور أن ما كان ثالث ميناء في العالم من حيث حركة الملاحة العالمية يؤجر بأقل من قيمة إيجار جناح في فندق في دبي لمدة سنة، وهذه المادة بحد ذاتها تستوجب استقالة مسئولين في الوزارة المعنية.
2- ميناء كالتكس يؤجر هو الآخر بمبلغ زهيد جدا مقارنة بالدخل المتوقع من ميناء حاويات بمثل حجمه ويقدر مبلغ الإيجار بمليون ونصف المليون دولار أمريكي سنوياً.
3 - في نهاية فترة الخمسة والثلاثين عاما يكون الحد الأعلى لعدد الحاويات والتي تمت مناولتها بواسطة موانئ دبي في ميناء كالتكس ثلاثة ملايين وأربعمائة وأربعين ألف حاوية فقط، بينما وفي نفس الفترة الزمنية يكون ميناء دبي في الإمارات العربية المتحدة قد قفز إلى حوالي اثني عشر ضعف الرقم المذكور أعلاه وميناء جيبوتي قد قفز الى أربعة أضعاف هذا الرقم، بينما ميناء عدن يكون في أسفل سلم موانئ المنطقة. كما نصت الاتفاقية على فضيحة أخرى وهي تثبيت سعر الكليو وات بسعر ثابت طيلة مدة الخمسة والثلاثين عاما وهذا ما لا يحصل في أي عقد في العالم نظرا لطبيعة تغير أسعار الكهرباء من فترة لأخرى.
4- أسعار المناولة في الموانئ الإقليمية القريبة من ميناء عدن هي حوالي سبعين دولارا للحاوية غير أن العقد وفي المادة 38 الفقرة الثالثة نص أنه سيدفع المشغل للدولة كحد أقصى ستة دولارات للحاوية الواحدة تنزل إلى ثلاثة دولارات وخمسة وسبعين سنتاً إذا وصل عدد الحاويات إلى اثنين مليون حاوية وللقارئ الكريم أن يعرف ويحس الفرق بين السبعين دولارا والستة دولارات.
5- ومن البنود المادة 6 التي تنص على شراء كامل الأصول في المينائين من رافعات جسرية بمختلف أنواعها ومعدات رفع ومعدات تنزيل وثلاثين قارب قطر وخمسةوأربعين قاطرة حاويات ومنصة جوية و...... إلخ بمبلغ خمسة وثلاثين مليون دولار امريكي أي بقيمة رافعتين، مع أن حسبة بسيطة لهذه الأصول تضع تقديراتها بأكثر من مائة مليون دولار بحالتها الراهنة.
والفضائح في البنود كثيرة لا يتسع المجال في هذه المقابلة لذكرها في المقابل وفي اتفاقية الميناء الجنوبي لميناء جدة في المملكة العربية السعودية يستحق المشغل (أيضاً موانئ دبي) وهو نفس المشغل الذي يريد تشغيل ميناء عدن، أن تأخذ حكومة المملكة خمسة وستين في المائة من إجمالي الدخل وتبقي خمسة وثلاثين في المائة للمشغل لتغطية مصاريف التشغيل والأرباح وللتحديث المستمر للميناء، كما تلزم الحكومة السعودية في هذا العقد المشغل باستثمار أكثر من مائة وثلاثين مليون دولار وعلى نفقة المشغل في البنية التحتية وشراء آليات للميناء كما يلتزم بتشغيل المواطنين في المشروع وليس للمشغل الحق في تغيير أسعار المناولة ...إلى كثير من تلك البنود الجيدة من جانب الحكومة السعودية.
وخلاصة القول وبشفافية تامة أن هناك مسئولين في الدولة يحاولون بشتى الطرق وباستماتة قصوى تفصيل عقد وشروط لإدارة ميناء عدن وإلباسه لموانئ دبي ولهم أسبابهم الشخصية والمادية والجميع يعرف ذلك ولا نعلم لماذا حتى هذه اللحظة لم تقم الحكومة السابقة بعمل إعادة مناقصة لهذا المشروع المهم والحيوى، بل بدلا من ذلك ترسل المندوب تلو الآخر إلى دبي لمحاولة تسوية الأمور ولترميم المقترحات الآيلة للسقوط حتى لا تضيع مصالحهم.
< دعنا الآن ننتقل إلى موضوع حقوقكم في المشروع والتي لم تسوَّ حتى الآن هل لك أن تحدثنا عنها؟
- رغم أنني لا أحب الحديث عن موضوعي الشخصي وأخواني لكن وبموجب طلبكم وبعد رؤيتكم للوثائق الحساسة التي أطلعتكم عليها اليوم والتي تثبت حقوقي وإخواني وهي وثائق في غاية الأهمية والحكومة السابقة على علم بذلك قبل شرائها للمشروع، فما تم حتى الآن هو أن الأ خ جمال باوزير ويحمل الجنسية الأمريكية أرسل عن طريق مكتب المحاماة الأمريكي خطابين أحدهما للحكومة اليمنية السابقة والآخر لموانئ دبي، تنص الرسالة الموجهة إلى موانئ دبي بعد شرح حقوقنا الشرعية فيها على أنه وفي حال دخولهم كمستثمرين في ميناء الحاويات بعدن سيكونون عرضة للملاحقة القضائية وشرحنا لهم أن الحكومة اليمنية السابقة تتصرف فيما لا تملكه ملكا تاما وهذا يتعارض مع كافة الشرائع والقوانين المحلية والدولية وأجابوا على محامي الأخ جمال باوزير بأنهم لم يكونوا على علم بذلك وأنهم لا يحبذون الدخول في مشاريع لآخرين فيها حقوق مغتصبة، وطلبوا المزيد من الوقت لدراسة الموضوع من جميع نواحيه والخطاب الآخر الموجه للحكومة اليمنية بإيقاف أي تصرف في ميناء الحاويات حتى يتم تسوية حقوقي وإخواني فيه، فلذلك ومن خلال صحيفتكم الغراء أوجه خطابي للشركات العازمة على الاستثمار في ميناء الحاويات (كالتكس) سواء كانت الشركة موانئ دبي أو غيرها لتحذيرها أنها ستكون عرضة للملاحقة القانونية والتي يجري الترتيب لها الآن لإقامتها في داخل الوطن وخارجه، وسنظل نطالب بحقوقنا بكافة الطرق والأطر القانونية وفي داخل حدود النظام والقانون، لذلك أملنا كبير جداً في دولة الدكتور علي مجور، رئيس الوزراء الجديد لإنصافنا في هذا الموضوع ثم الانتقال بأحوال هذا الميناء إلى مصاف الموانئ العالمية بإذن الله، وننتهز تزامن هذه المقابلة مع تكليف الأخ الدكتور علي مجور برئاسة الوزراء لنهنئه على الثقة الغالية ونتمنى له التوفيق والنجاح بإذن الله تعالى.
< إذاً ما الذي يتوجب عمله برأيك لإنقاذ وضع المنطقة الحرة والقفز بها إلى مستوى مثيلاتها في المنطقة أو العالم؟
- سأجيب على هذا السؤال ولكن بافتراض أنه تم التوصل لتسوية بشأن حقوقي وإخواني التي ذكرتها في السؤال السابق ورجعت حقوقنا إلينا، ولهذا دعني أمثل لك.. مشروع المنطقة الحرة وإصلاحه كعملية في المخ هي لازمة وضرورية جداً لمسيرة الحياة ولكن أي خطأ صغير يمكن أن يقضي عليها، وأقول أيضاً إن الطاقم الذي فاوض موانئ دبي وبصراحة ليس لديه الخبرة ولا الرغبة الوطنية لهذا العمل، لذا ومن منطلق حرصي الشديد على النصح والإرشاد فيما أعلمه من خفايا هذا المشروع الاستراتيجي أرى إصلاح مسار المشروع بالتالي :
1- إعداد مناقصة بشروط عالمية وعن طريق شركة محايدة.
2- إلغاء كل ما نتج عن المناقصة السابقة وإغلاق ملفها المليء بالفساد.
3- دراسة كل شركة من حيث مواقع الموانئ التي تديرها ومدى توافق أو تعارض هذه الموانئ مع ميناء عدن والتركيز علي الشركات التي تدير موانئ تتكامل اقتصادياً مع ميناء عدن.
4- أخذ كافة الضمانات اللازمة من المشغل لتنشيط الميناء وزيادة دخله وذلك بزيادة عدد الحاويات العابرة.
5- التركيز على الشركات القوية جدا ويفضل الأوربية ذات الثقل الكبير والتي لها علاقات دولية واسعة ولها تأثير كبير على خطوط الملاحة الدولية.
6- إلزام الشركة بالاستثمار في بناء الكادر اليمني المؤهل وكذا المجتمع اليمني بصورة قوية وعلى مدى طويل.
7- كل ما ذكر لن يتم إلا باستبعاد المسئولين الذين انخرطوا وراء مصالحم الشخصية ورموا عرض الحائط بمصالح أمة كاملة وكانوا سبباً في تأخير إحياء الميناء من جديد.
< هل يوجد أوجه أخرى للشراكة في المناطق الحرة في العالم بحيث تضمن فيها الـدولة حقـوقها ويمـكن تطبـيقها في اليمن؟
- لقد قمنا في الفترة السابقة بالتعاون مع أطراف مختصة بدراسة أسس مختلفة لتشغيل ميناء عدن تحديداً على أساس الشراكة بين القطاع الخاص اليمني والدولة بحيث تضمن استمرار ملكية هذا المرفق السيادي والمهم جداً في أيدي أبناء الوطن ووضع ملكية الشركة المختلطة على أساس ما قامت به دول عديدة في مجال تعاون الدولة والقطاع الخاص، وهناك أمثلة عديدة لذلك في أوروبا وتشمل تلك الشراكات وضع جزء من الملكية في متناول أبناء الوطن عبر مساهمات تنظم ضمن الهيكل القانوني لهذه الشركات المختلطة، وقد تم طرح هذه الأفكار بصورة مبدئية لبعض المسؤولين في الدولة وتحديداً مع الحكومة السابقة ولكن لم تجد آذاناً صاغية لتضارب ذلك مع المصالح الشخصية العديدة لهم.
وهذا النهج الاقتصادي تسير عليه دول مجلس التعاون الخليجي حالياً في كثير من القطاعات الاقتصادية السيادية مثل الموانئ والكهرباء والمياه وغيرها وبما أن اليمن تسير وبصورة حثيثة نحو التكامل الاقتصادي ضمن منظومة مجلس التعاون الخليجي فالأجدر بمسؤولي الدولة أن يدرسوا وبعناية هذه الأسس التي تتمشى مع توجيهات فخامة الأخ رئيس الجمهورية بضرورة توافق أسس النظام الاقتصادي في اليمن مع النظم الاقتصادية لدول مجلس التعاون بما يهيئ اليمن في طريق انضمامها لمنظومة مجلس التعاون بخطى ثابتة تخدم مصالحها الاقتصادية الاستراتيجية وتبعد شبح المصالح الشخصية المعطلة لحركة التطور الاقتصادي في اليمن.