> القاهرة «الأيام» حجاج سلامة :

الاحتفال بعيد الفصح في مصر
الاحتفال بعيد الفصح في مصر
اهتم قدماء المصريين بقدوم فصل الربيع فكان مناسبة لديهم لاقامة أفراح عظيمة تغني فيها أناشيد جماعية تنشدها السيدات النبيلات المشتركات في المواكب مع أصوات القيثارات وأغاني الغرام والاناشيد المصاحبة لحركات الرقص.

وكانت أعياد الفراعنة ترتبط بالظواهر الفلكية وعلاقتها بالطبيعة ومظاهر الحياة ولذلك احتفلوا بعيد الربيع الذي حددوا ميعاده بالانقلاب الربيعي وهو اليوم الذي يتساوى فيه الليل والنهار وقت حلول الشمس في برج الحمل ، ويقع في الخامس والعشرين من شهر برمهات - وقد أطلق الفراعنة على ذلك العيد اسم "عيد شمو" (أي بعث الحياة) الذي يعرف اليوم باسم "عيد الربيع" أو "عيد شم النسيم" كما كان عيد الاله "مين".

وحرف الاسم على مر الزمن وخاصة في العصر القبطي إلى اسم )شم( وأضيفت إليه كلمة النسيم نسبة إلى نسمة الربيع التي تعلن وصوله.

وكان الفراعنة يحتفلون بعيد شم النسيم إذ يبدأ ليلته الاولى أو ليلة الرؤيا بالاحتفالات الدينية ثم يتحول مع شروق الشمس إلى عيد شعبي تشترك فيه جميع طبقات الشعب كما كان فرعون وكبار رجال الدولة يشاركون في هذا العيد.

وكان المصريون يقدمون للاله "مين" في هذا العيد الذي اعتبروه عيدا للخصوبة،رؤوس الخس لاعتقادهم في أن الخس ذلك النبات ذو العصير الابيض له خواص مقوية جنسيا وأنه يجعل الرجال شبقين والنساء خصبات.

وكان تمثال الاله "مين" يقام غالبا وسط مربع من نبات الخس وكان الربيع الذي يغير معالم ما بين الفصول عيدا عند المصري القديم لارتباطه بالشمس والنهر,وكانوا يتناولون فيه السمك والبصل والبيض وصارت تلك المأكولات مظهرا ثابتا من مظاهر الاحتفالات بأعياد الربيع في مصر منذ نهايات العصر الفرعوني وبدايات العصر القبطي وبات تناول المصريين لتلك الاطعمة من العادات الباقية حتى اليوم.

ويرجع بدء احتفال الفراعنة بذلك العيد رسمياً إلى عام 2700 ق. أي في أواخر الاسرة الفرعونية الثالثة،ولو أن بعض المؤرخين يؤكدون أنه كان معروفاً ضمن أعياد هليوبوليس ومدينة (أون) وكانوا يحتفلون به في عصر ما قبل الاسرات.

وكان لشم النسيم أطعمته التقليدية المفضلة ، وما ارتبط بها من عادات وتقاليد أصبحت جزءاً لا يتجزأ من الاحتفال بالعيد نفسه ذات الطابع المميز.

وتشمل قائمة الاطعمة المميزة لمائدة شم النسيم: البيض والفسيخ والبصل والخس والملانة (وهو نبات الحمص الاخضر),وعرف المصريون أيضا في تلك الفترة من السنة أكل السمك المجفف "الفسيخ" فكانوا يستخدمون سمك قشر البياض في إعداد الفسيخ وكانت مدينة إسنا في جنوب مصر - والتي تضم معبدا اثريا ضخما ومعالم أثرية إسلامية وقبطية - من المدن الشهيرة في صناعة وتقديم الاسماك المجففة كنذور للالهة داخل المعابد،حتى صار السمك المجفف رمزا للمدينة في العصر البطلمي وصار اسمها "لاثيبولس" أي مدينة سمك قشر البياض.

وعرف المصريون عدة أنواع من الاسماك التي رسموها على جدران مقابرهم مثل سمك البوري والشبوط والبلطي والبياض.

وكان جميع أفراد الشعب يأكلون السمك المقلي أمام أبواب المنازل في وقت واحد,وكانت مظاهر الاحتفالات بقدوم الربيع تقام دائما على ضفاف النيل ووسط الحدائق والساحات المفتوحة وهو الامر الشائع لدى جموع المصريين حتى اليوم.

وقد أخذ كثير ممن يحتفلون بأعياد الربيع في دول الغرب والشرق كثيراً من مظاهر عيد شم النسيم ونقلوها في أعيادهم الربيعية.

وتزخر مقابر مدينة الاقصر الاثرية في صعيد مصر بالصور المرسومة على جدرانها لصاحب المقبرة وهو يشق طريقه في قارب وسط المياه المتلالاة بينما تمد ابنته يدها لتقطف زهرة لوتس. وكانت أعواد اللوتس تقدم ملفوفةحول باقات مشكلة من نبات البردي ونباتات أخرى. كما تشكل باقات الورود اليوم كما ترى أعمدة المعابد الفرعونية مزخرفة في طراز "لوتسي" يحاكي باقات براعم الزهور.

وكان المصري يقضي أكثر الاوقات بهجة في فصل الربيع وكانوا في ذلك الفصل يحرصون على ارتداء الملابس الشفافة ويهتمون بتصفيف شعورهم ويزيدون من استخدام العطور والادهنة لاظهار مفاتنهم.

واعتاد قدماء المصريين الاحتفال بالاعياد للخروج من حدود حياتهم الضيقة إلى عالم أكثر بهجة ورحابة. وقد سجلت نقوش ونصوص معابد مدينة هابو الشهيرة غرب الاقصر طقوس وأحداث 282 عيدا عرفتها مصر القديمة عبر الزمان.

وقد تم نقل عيد شم النسيم عن الفراعنة (من بني إسرائيل) ثم انتقل إلى الاقباط بعد ذلك وصار في العصر الحاضر عيداً شعبياً يحتفل به كثير من أهل مصر من أقباط ومسلمين وغيرهم,ونقل بنو إسرائيل عيد شم النسيم عن الفراعنة لما خرجوا من مصر حيث اتفق يوم خروجهم مع موعد احتفال الفراعنة بعيدهم.

واحتفل بنو إسرائيل بالعيد بعد خروجهم ونجاتهم، وأطلقوا عليه اسم عيد الفصح ، والفصح كلمة عبرية معناها الخروج أو العبور ، كما اعتبروا ذلك اليوم - أي يوم بدء الخلق عند الفراعنة - رأساً لسنتهم الدينية العبرية تيمناً بنجاتهم وبدء حياتهم الجديدة.

وهكذا انتقل هذا العيد من الفراعنة إلى اليهود ثم انتقل عيد الفصح من اليهود إلى النصارى وجعلوه موافقاً لما يعتبرونه قيامة المسيح. ولما دخلت النصرانية مصر أصبح عيدهم يلازم عيد المصريين القدماء - الفراعنة - ويقع دائماً في اليوم التالي لعيد الفصح أو عيد القيامة. (د.ب.أ)