الشكل والواقعية الاجتماعية في مجموعات باوزير القصصية

> «الأيام» مازن سالم صالح:

> ملأت أذهاننا قصصه، منذ أن كنا طلاباً في الابتدائية، وخيالي لا يكاد يتجاوز نصوصها، ومنذ تلك الفترة، تتبعتها أينما وجدتها.

ولعل القيمة الكبرى النابعة منها تتمثل في «الشكل»، وظواهره كامنة في التعمق السردي لحياة الطبقة (الوسطى) في المجتمع التي تحاول عبثاً التشبث بصفتها (كقيمة) يراها النمط المادي الطاغي على محاور الحياة، إنها في طور التلاشي أو لربما تلفظ أنفاسها الأخيرة، مع أن المجتمعات المتوازنة غابراً أو حاضراًَ، تراها ميزان الأمر ومرتكز المجتمع كله.

وللباوزير عبدالله سالم، واقعية اجتماعية، غدا معروفاً بها في الأوساط الإبداعية اليمنية، طوال مسيرته الأدبية الحافلة. ومثلت قصصه في مجموعاته الأربع «الرمال الذهبية» و«ثورة البركان» و«الحذاء» و«سقوط طائر الخشب» محافظة دائمة على الشكل في الخيال السردي مع ندرة في التجريب وذات ذهنية اعتيادية معينة، تستقر عند الواقعية والواقعية الاجتماعية خاصة، في معظم قصصه كأديب أولاً وكأنسان منتمٍ للمجتمع الذي انطلق منه ومثّله، وسعى للتكامل والاندماج فيه طوال حياته الزاخرة بالكفاح والتعلم والمثابرة والصبر والإبداع.

ويحسب له في ذلك كقاص، بساطة السرد وقدرته على المعالجة في المحكي القصصي إلى حد الإغناء.. ما يعني تميزها وتميز محكيها بالجودة القصصية والإبداعية واستناده على المقومات الثقافية والفكرية، هذا إذا ما أغفلنا أن صاحبها من جيل الرواد الكبار في القصة اليمنية الحديثة.

ولم تقف ظروف الحياة ومجابهة أعبائها عائقاً أمام الإبداع القصصي لهذا الرائد الخالد.. بقدر ما نمت فيه عوامل احتكاك ومعاشرة يومية للمجتمع، جعلت النص «الباوزيري» ينصرف إليها كلياً، حتى أن الملامح السردية لقصصه لا يمكن أن تخرج عن هذا الطور، وهي المنزلة التي خُص بها الراحل لاعتبارات عدة، من حيث «الشكل والقيمة والخاصية الاجتماعية» والتي لا تتصور صعوبة الجدة والابتكار فيها، إلا أن الذائقة الإبداعية لباوزير عميقة ويمكن أن تتجاوز هذه الاستنتاجات في أكثر من نموذج من بين المجموعات، وليس في مجموعة بعينها أو قصة بذاتها.

وتحمل الدلالة السردية في القص عند باوزير ملامح المدينة المتداخلة على أكثر من صعيد ريفي، وتروم إلى خيارات الاندماج الكلي في المجتمع على صعيد البيئة والحياة والأشخاص أكثر من الطبقات والحرف والمستويات.

وتتجاوز الفوارق الاجتماعية والطبقية في مستجدات الحياة اليومية بقوالب إبداعية بالغة الحس والإرهاف، تميل الدلالة فيها إلى سمة التفاعل والتداخل والتدجين حتى خارج حدود المجتمع، وبهذه السمة تضاف له مزية الإنسانية حتى وإن كانت في الأغراض الدلالية والخيارات الفنية، على المستويين الشخصي والأدبي ومن باب السرد الواقعي/ الاجتماعي، وبلغة تنم عن ممارسة ودربة وحرية في التحولات على مستوى النص مع المحافظة على الشكل الذي ظل قائماً بذاته تقريباً في مجمل نتاجاته القصصية كما أسلفنا، مع القدرة على الإتقان الابتداعي والمحاورة حتى في حدود بعيدة عن النص قادرة على المعالجة والافتراض لقضايا حياتية مثل: الروتين، غلاء الأسعار والمهور، أزمة المساكن كما في (الحريق) و(البدلة) و(الدائرة)، واستغلال الوظيفة العامة كما في (الاعتراف) ومحاربة الكفاءات وغيرها الكثير من هذه الأعمال لعبدالله سالم باوزير، التي تثير وتثري وتلفت المتلقي كما في قصص الرائد والمناضل والمبدع الذي نتوقف عنده في هذه المحطة تبصيراً للأجيال وتذكيراً بالقامات الإبداعية السامقة من أمثال الفقيد عبدالله سالم باوزير.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى