خمسون عاماً على توقيع اتفاقيات روما خمسون عاماً على الاتحاد الأوروبي

> «الأيام» متابعات:

>
السفير فرانك ماركوس
السفير فرانك ماركوس
تم بتاريخ 25/3/1957م، في روما التوقيع على اتفاقيتين حول تأسيس (المجموعة الاقتصادية الأوروبية) وكذلك (مجموعة الطاقة الذرية الأوروبية)، ولكن لماذا تم اعتماد توقيع هاتين الاتفاقيتين كأساس لما يعرف اليوم بـ «الاتحاد الاوروبي»؟

«لا يمكن خلق أوروبا الموحدة بغمضة عين، ولا بخطة أحادية»

لقد صدقت تلك الرؤية التي أطلقها روبرت شومان عام 1950، فقد تنبأ وزير الخارجية الفرنسي بأنه سوف تكون هناك حاجة لعقد مشاورات ومؤتمرات واتفاقات لا حصر لها لإنشاء مثل هذا الاتحاد الذي نشهده اليوم. لم يساهم رأي أو خطة بعينها لتجاوز التباين الثقافي والاجتماعي لمكونات الشعوب الأوروبية والمحافظة على خصوصية كل منها.

إن «اتفاقيات روما» لم تنص على تأسيس ما يسمى بـ «الولايات المتحدة الاوروبية» كما اقترح آنذاك رئيس الوزراء البريطاني الأسبق وينستون تشرشل عام 1946م، ولم تكن تلك الاتفاقيات أول اتفاقيات مؤسسية أوروبية، فقد أعقبتها في عام1952م اتفاقية تأسيس «مجموعة الفولاذ والفحم الأوروبية» وفي عام 1954م، طرحت فكرة تأسيس «مجموعة الدفاع الأوروبية» إلا أن هذه الأخيرة سقطت ضحية التحفظات التي كانت قائمة بين كل من ألمانيا وفرنسا التي نشأت بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية وتلاشى بذلك أمل نسيان الماضي والوصول إلى مصالحة أوروبية. وأخيرا تم في العام 1957م تأسيس «المجموعة الاقتصادية الاوروبية» التي اعطت دفعة جديدة للعمل الموحد وحققت طموح الدول الرائدة التي كانت تطمح لتوحيد أوروبا قادرة على نسيان آلام الحرب. ويمكن القول إن تأسيس المجموعة الاقتصادية الاوروبية هو الذي حدد مستقبل أوروبا.

الدول الست الأعضاء المؤسسة هي في الوقت نفسه أكبر أسواق العالم!
اتفقت الدول الست الأعضاء المؤسسة وهي كل من بلجيكا، فرنسا، ألمانيا، إيطاليا، لوكسمبورج وهولندا على تأسيس منطقة اقتصادية كبرى توفر إنتاجا وافرا، وتسمح في الوقت نفسه بالتوسع وتزيد من آفاق الاستقرار والرفاهية الاقتصادية والاجتماعية بين الدول الأعضاء كما يقول وزير الخارجية البلجيكي الأسبق باول هنري سباك في هذا السياق.

وعلى الرغم من التركيز على الأهداف الاقتصادية فلم يتم الوصول إلى تلك الأهداف إلا من خلال وجود إرادة وأدوات سياسية، فقد كانت فرنسا وهولندا ولوكسمبورج وليشتنشتاين (أبرز ضحايا الغزو الألماني خلال الحرب العالمية الثانية) مهتمة على وجه الخصوص بفكرة إنشاء اتحاد يرسي قواعد السلام والاستقرار من خلال الروابط الاقتصادية.

لقد وضعت اتفاقيات روما هدفا أسمى للاتحاد الاقتصادي يتمثل في تحقيق الازدهار الاقتصادي من خلال التنافس في السوق دون فرض قيود داخلية، وقد أفرز تأسيس «المجموعة الأوروبية» عام 1967م، من خلال اندماج مؤسسات المجموعة الأخرى معا، اتحادا جمركيا عام 1968م، شجع العديد من الدول الأخرى للانضمام إلى المجموعة، ففي عام 1973 انضمت كل من الدنمارك، ايرلندا، مما أعطى دفعا مضافا للمجموعة الأوروبية، كما أبدت دول أخرى رغبتها في الانضمام.

أضف إلى ذلك مهد اعتماد عملة موحدة للمجموعة عام 1979م، ومن ثم التوقيع على اتفاقية «الشينجن» عام 1985م، الطريق إلى توحيد السوق الاوروبية، وعلى الأخص فيما يتعلق بحرية نقل البضائع والخدمات ورؤوس الأموال وكذلك حرية تنقل مواطني أوروبا، وهو العامل الأهم بالنسبة لمواطني أوروبا.

تطور الاتحاد من مجموعة اقتصادية إلى اتحاد سياسي
في الوقت الذي حددت في اتفاقية روما العديد من الأهداف الاقتصادية فقد مثلت في الوقت نفسه الأساس لنشوء مؤسسات سياسية مشتركة على سبيل المثال:« المفوضية الأوروبية» و«الجمعية الأوروبية» (التي تحولت فيما بعد إلى البرلمان الاوروبي) و «محكمة العدل الأوروبية» و «اللجنة الاجتماعية والاقتصادية»، ومن هنا ترجمت نبوءة الوزير الفرنسي شومان على أرض الواقع.

في عام 1979م، دعيت الشعوب الأوروبية لأول مرة لانتخاب ممثليهم في البرلمان الأوروبي ومن خلال معاهدة ماسترخت (معاهدة إنشاء الاتحاد الأوروبي) عام 1992م، اتفقت الدول (الاثنا عشر) الأعضاء على تعميق الاواصر الاقتصادية وتوحيد العملة من خلال اعتماد عملة جديدة مشتركة هي (اليورو)، وقد توسعت الروابط الاوروبية الاجتماعية والاقتصادية حيث تم الاتفاق على وضع خطط سياسية وأمنية وخارجية مشتركة للدول، كما شمل ذلك وضع سياسة قانونية داخلية. ومنذ ذلك الحين فقد شكلت اتفاقيتا امسترادم 1997م ونيس 2000م تكاملا للمؤسسات يهدف إلى الاستعداد لقبول أعضاء جدد.

في العام 2002م، استبدلت العملات الوطنية باليورو لاثنتي عشرة دولة، من مجموع خمس عشرة دولة من الدول الأعضاء (باستثناء الدنمارك، السويد، المملكة المتحدة) وبعد عامين قام رؤساء الدول الأوروبية بالتوقيع على اتفاقية «إقامة دستور أوروبي موحد» إلا أن تطبيق الدستور لم يدخل حيز التنفيذ إلى الآن بسبب رفض كل من فرنسا وهولندا التصويت للموافقة عليه.

لقد تنامت المجموعة الاقتصادية الأوروبية التي تأسست عام 1957 لتصبح فيما بعد اتحادا أوروبيا يتألف من 27 دولة أوروبية، توحد الآن معظم القارة الاوروبية بعد سنوات مريرة من الحرب والمعاناة، لضمان ازدهار واستقرار القارة، ويحتفل مواطنو الاتحاد الاوروبي اليوم في 27 دولة بـ (عيد أوروبا) وهو اليوم الذي بدأ فيه تطور أوروبا الموحدة. ندعو كافة الأصدقاء اليمنيين لمشاركتنا في هذا الاحتفال.

سفير جمهورية ألمانيا الاتحادية باليمن

رئيس بعثة المفوضية الأوروبية في اليمن

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى