امتدادا لظاهرة السرقات الفنية.. السطو من الداخل .. كشف الستار في السطو على «حبايبي رحلوا»

> «الأيام» رياض عوض باشراحيل:

>
رياض عوض باشراحيل
رياض عوض باشراحيل
عانى التراث الغنائي اليمني منذ العقدين الأخيرين من القرن الماضي ومازال يعاني حتى اليوم من ظاهرة السطو على الأغنية اليمنية من قبل مطربين أشقاء من الدول الشقيقة، وقد تجلت هذه الظاهرة الشاذة في عدة صور وأشكال نعرفها جميعاً، فاعتبرنا ذلك السطو- إن جاز التعبير- سطوا من الخارج. لكن الطامة الكبرى والمشهد الأشد قبحاً وخطراً كما أرى هو الوجه الآخر لهذه الإشكالية والمتمثل في ظاهرة السطو من الداخل، وذلك عندما يدعي مطرب أو ملحن أو شاعر يمني ملكيته لعمل فني هو لأخيه، أي لمبدع آخر يعرفه وتعرفه كل الناس في الوطن، فيسطو على العمل الغنائي لأخيه في وضح النهار دون حسيب أو رقيب من ضمير أو عقل أو دين.

ورغم الأسى العميق لواقع ظاهرة السرقات الفنية السيئة، فإن هذا الأسى يتضاعف أكثر في حالة السطو من الداخل الأشد صفاقة وسوءاً والذي أفرز اليوم فرعاً جديداً ظهر في السطو على الأعمال الغنائية في وطننا لأفراد الأسرة الفنية الواحدة.. وتفسير ظاهرة السطو الفني ببساطة هي محاولة بائسة للدخول إلى عالم الشهرة عبر تسلق جدران الآخرين.

نشرت جريدة «عكاظ» السعودية في عددها (14821) الصادر يوم الإثنين الموافق 26/3/2007م حواراً مع الشاعر محمد سالم بن بريك المقيم بدولة الإمارات العربية المتحدة ادعى فيه أن الأغنية الشهيرة «حبايبي رحلوا» للشاعر المعروف عمر محمد بن بريك التي غناها كبار الفنانين اليمنيين والخليجيين هي من كلماته وألحانه، وجاء في مقدمة الحوار بعكاظ كما يظهر بالوثيقة المرفقة: «يزور المملكة حالياً الفنان وشاعر الأغنية اليمنية محمد سالم بن بريك الذي ارتبط بمحبيه ومحبي فنه في اليمن والجزيرة العربية فنياً بأغنيته الشهيرة (حبايبي رحلوا)». وهذا ادعاء غير صحيح وزعم باطل عار عن الحقيقة يدعو للاستغراب والاستهجان!! يحاول به المدعي أن يبني له حقا بغير حق، وشهرة زائفة مبنية على شهرة أغنية رائعة لم يبدعها لا كلمات ولا ألحاناً، ولم يدون بها حرفاً واحداً أو يصُغ نغماً واحداً لأن الأغنية من كلمات وألحان شاعر معروف له روائع غنائية جمة قريب له في النسب والعائلة هو الشاعر الغنائي الراحل عمر محمد بن بريك المتوفى في 2/7/2006م أي منذ نحو تسعة شهور.

وأول من غنى (حبايبي رحلوا) هو الفنان المخضرم سعيد عبدالمعين الذي تسلم النص واللحن كاملاً من المبدع الحقيقي الشاعر عمر محمد بن بريك كما أكد لي عبدالمعين، ثم غناها بعد ذلك عبدالرحمن الحداد ومحفوظ بن بريك ومرسال وبدوي وأبوبكر سالم ود. عبدالرب إدريس وعدد من المطربين الخليجيين، كما أنني قد تسلمت هذا النص ضمن مجموعة من النصوص الغنائية للشاعر عمر محمد بن بريك من نجله (ياسر عمر بن بريك) في الصيف الماضي بعد رحيل شاعرنا لنتكمن من الإشادة بإبداعه والاحتفاء بذكراه باعتباره أحد الشعراء الغنائيين المميزين في ساحتنا الغنائية، والحقيقة أن هذه ليست المرة الأولى التي يدعي فيها الأستاذ محمد سالم بن بريك ملكية هذا النص الغنائي إذ تجرأ قبلها في حوار له بالفضائية اليمنية في يناير عام 2000م وادعى ملكية الأغنية! ما أخرج الشاعر الحقيقي للأغنية وهو على قيد الحياة عن صمته وانبرى يدافع عن حقه وكرامته وكرامة إبداعه فتحدث الشاعر عمر محمد بن بريك لـ «الأيام» في أحد أعدادها عام 2000 عن هذا السطو الكلي المفضوح والتعدي على إبداعه كلمات ولحناً تحت عنوان «حتى القصائد والألحان لم تسلم من السرقة» وبعد حديثه عن المطربين الذين غنوا «حبايبي رحلوا» قال الشاعر الراحل عمر محمد بن بريك: «لقد فوجئت مؤخراً بالشاعر محمد سالم بن بريك يدعي عبر إحدى سهرات الفضائية اليمنية بأن هذه الأغنية هي من كلماته وللأسف الشديد تكررت كثيراً في هذا الزمن الرديء عملية أخذ حقوق الآخرين وسرقة إبداعاتهم من أشعار وألحان دون أن تتدخل الجهات المختصة للدفاع عن حقوق المبدعين وتضع حدا لهذه المهازل».

كما زعم الأستاذ محمد سالم بن بريك في الحوار ذاته لـ«عكاظ» أنه لحن عددا من إبداعات المحضار ومنها كما يقول أغنيات (ورأسك يا عديل الروح، وكل شي فينا تغير، وانكسار الموج يشبه انكساري)، وهذا الادعاء من فصيل الادعاء بحق (حبايبي رحلوا) فهو عار من الصحة إذ من المعروف أن المحضار ينظم أغنياته جاهزة بألحانها، إلا في حالات تعد بأصابع اليدين عندما يطلب منه فنان النظم على لحن معين، وهي حالات محدودة يستجيب فيها المحضار لطلب بعض المطربين مثل د. عبدالرب إدريس أو هود العيدروس، أما الأستاذ محمد بن بريك فليس مطرباً حتى يطلب أعمالاً محضارية غير ملحنة ليقوم بتلحينها والنصوص التي ذكرها غير معروفة بل هي عناوين مجهولة الهوية والمصدر وليست من أعمال المحضار! وفي هذا السلوك تشويه حقيقي لتاريخ الأعلام والرموز.

وفي اتصال هاتفي مع السيد محضار حسين المحضار نجل الشاعر الكبير استهجن محضار هذا الادعاء وتساءل عن الهدف من وراء الادعاء بأعمال مشتركة مع والده وتسمية أعمال غنائية باسم الشاعر الكبير هي ليست له، وأكد أنه اطلع على الحوار ويعرب عن استنكاره لما جاء فيه بخصوص والده المحضار.ولأن المعرفة مسئولية فقد رأينا أن من الواجب الثقافي والأخلاقي أن نقوم بكشف الحقيقة حول الادعاء بأعمال مشتركة مع الشاعر الكبير المحضار، ورفع الستار عن الحق الأدبي والفني والمعنوي للشاعر الراحل عمر محمد بن بريك وإنصافه ميتاً بعد أن أنصف نفسه حياً، سعياً نحو إعادة الحق إلى نصابه وانطلاقاً من الحرص على تنقية الأجواء الفنية وتخليص فضاء الثقافة والإبداع من الغبار والأتربة والأدخنة التي تثيرها وسائل التزوير والاحتيال على الحق. وأجدها مناسبة هنا لتكرار المطالبة لأولئك الذين يحلو لهم الظهور في هذه الأجواء العكرة بأن يشعروا بالرضى عن إمكاناتهم وأن يختاروا الصدق منهجاً لهم في حياتهم وأن يقنعوا بما منحهم الله من مواهب إن وجدت وأن يحترموا جهود كبار المبدعين أو صغارهم وأن يتقوا الله في ذكرى الراحلين، وعليهم أن يتذكروا قول المحضار:

وين القناعة والرضاء والصدق لي كان وينه

ما بين هاذولا وذولا غاب ماشفت عينه

إن صحت قالوا لي تحلى بالهدوء والسكينة

لا تذكر المرحوم

من هم قلبه بالطمع بايعيش بين الناس مهموم

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى