سيادة القانون

> د. سهير علي أحمد:

> قال الرسول (صلى الله عليه وسلم):«أبلغوني حاجة من لا يستطيع إبلاغها، فإنه من أبلغ ذا سلطان من لا يستطع إبلاغها، ثبت الله قدميه على الصراط يوم تزل الأقدام».

نظر الرسول (صلى الله عليه وسلم) إلى المظالم بنفسه وواصل الخلفاء الراشدون النظر في مظالم الرعية مباشرة الا أنه لم يظهر في عهدهم تمييز بين القضاء العادي وقضاء المظالم، كما كانوا يشددون في مراقبة الولاة وموظفي الإدارة ويحاسبونهم حساباً عسيراً، وفي عهد الأمويين أقيمت دار خاصة للمظالم أسموها دار المظالم، ولما جاء العباسيون وانشغل الخلفاء بأمور الدولة المتشابكة، أفردوا للمظالم ديواناً منظماً وعينوا قاضياً لها.

نظام المظالم في الإسلام نشأ استجابة لدواعي رفع الظلم وإقامة العدل وإعطاء كل ذي حق حقه، فقد جعل الإسلام رفع الظلم ومحاربة الظالمين أصلاً من أصول الدين وأصبحت ولاية المظالم جزءاً أساسياً مما يتولاه ولي الأمر كولاية الحرب وولاية القضاء وولاية الحسبة.

فقد قام الخليفة في جميع العصور بدور القاضي الإداري، بل كان القاضي الإداري الأول في الإسلام وما روى عن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- يؤكد هذا المعنى، فهو يعلن أن صلاحيات الوالي ليست مطلقة، إذ عليه أن يستعملها لما فيه الخير العام، أي أنها محددة تقيد عدم الانحراف بالسلطة حسب التعبير القانوني الحديث، وقد انعكس ذلك في خطبه ثم وهو يطلب إلى الناس أن يرفعوا إليه ما خرج من أعمال الولاة عن القواعد الشرعية السليمة، حتى يجازي الآثم بما ارتكبه، وذهب عمر إلى أبعد من ذلك فكان يستدعي الولاة في مواسم الحج ليفضح الجائر منهم على رؤوس الأشهاد أو يبعث من يتحرى عنهم.

إن الدول الحديثة، تعتبر أن مكاسب نهضتها، إصدار قوانين من أين لك هذا؟ التي تصادر الكسب غير المشروع، أي نتاج استغلال الوظيفة، ولم يذكر يوماً أن الإسلام عرف هذا النظام منذ أيامه الأولى، وأنه طبقه تطبيقاً كاملاً تقصر دونه النصوص الحالية، فقد كان عمر يصادر لصالح بيت المال، كل ما يطرأ على ذمة الولاة أثناء ولايتهم من مال. ويمنع عليهم العودة إلى أوطانهم ليلاً حتى يعرف الناس والأرصاد ما يحملون.

قضاء المظالم كان أقرب إلى محكمة إدارية عليا أو إلى مجلس إداري أعلى، يشرف على تطبيق مبدأ المشروعية، مجلس يجمع بين قوة الإدارة وعدالة القاضي وحكمة الفقيه. يتعاونون جميعاً على رفع الظلم أياً كان مصدره سواء أكان ناتجاً عن جور عمال الإدارة العامة، أو قضائها، أم عن تحدي ذوي الجاه والسلطان للقانون أو لأحكام القضاة.

إلا أن الطابع المشترك لقضاء المظالم في جميع عهود الدولة الإسلامية هو اندماج السلطتين التنفيذية والقضائية، وقد يبدو هذا الاندماج في السلطة لنا الان، خطراً جسيماً على الحريات وسيفاً مسلطاً على مبدأ المشروعية إلا أنه لم يمثل في حينه خطراًُ حقيقياً. وقد يكون من العسير الآن، إحياء نظام المظالم بالصورة التي عرفتها الدولة الإسلامية من قبل، نظراً لما سوف يصطدم به من بعض المسلمات عندنا في الجهازين الإداري والقضائي. كما يصدم بتعقد الدولة الحالية وكثرة تدخلها في مختلف فروع النشاط الخاص، مما أدى بالتبعية إلى زيادة فرص الخطأ وكثرة أسباب الشكوى، وغيرها من الصعوبات التي قد تواجه كل نظام يطبق في غير زمانه أو غير بلده الأصلي، ولهذا ندعو إلى إنشاء قضاء إداري متخصص- أسوة ببعض الدول العربية- يتناسب مع متطلبات العصر الراهن وظروفه، وما تحقيق ذلك على قيادتنا المؤمنة بعزيز وخاصه أنها تسعى إلى تحقيق إصلاح اقتصادي والقضاء على الفساد الإداري وتحقيق العدالة الاجتماعية.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى