قصة قصيرة بعنوان (العدل والإنصاف)

> «الأيام» عبدالإله سالم الضباعي:

> لم تكن المشكلة هينة على الرغم من الاستهانة بها ، الجميع مصر على مواجهة الموقف، القضية مسألة حياة أو موت، الظلام الحالك هو السائد والمسيطر، أشجار المدينة ذبلت أغصانها، مظاهر الحياة الزاخرة بها مدينة السلام تتجه نحو الاندثار خلف أكوام القمامات، خيم على سمائها سحابة من الدخان ، دماء تسفك، حرمات وأعراض تنتهك، حقوق تسلب، جرائم شتى ترتكب مع سبق الإصرار دون رادع أو وازع ديني أو حياء.

استيقط الناس ذات صباح والضوء يملأ منازلهم، أطلوا من الشرفات والنوافذ، الشمس مشرقة، خرج الجميع إلى الشوارع، فرحين مستبشرين، يغنون ويرقصون طرباً، يعانق بعضهم بعضاً، ارتسمت السعادة على وجوههم، كان يوماً مختلفاً تماماً، شمسه دافئة، نسيمه عليل، تمضي الأيام والشمس مستمرة في إشراقها، هطلت بعض الأمطار، اخضرت الأشجار اليابسة، الفراشات بألوانها الزاهية المختلفة تحلق وتعانق الورود والزهور، كان قد صدر حكم بإعدام أحد رموز الظلم والفساد، كان حكماً عادلاً مستنداً على الأدلة والبراهين الدامغة وشهادة العشرات من الشهود واعترافات الجاني الوقحة، أصدره الحاكم العادل الشجاع، القاضي نصير، قاض يتصف بالنزاهة والنظافة، يتحلى بالقيم الإنسانية والأخلاق الحميدة، الحكم سابقة لا مثيل لها في تاريخ القضاء، بعد مرور أكثر من ثلاثة أشهر على صدور هذا الحكم العادل تناقلت الصحف خبر تنفيذ حكم الإعدام الذي تحدد صباح اليوم التالي (الخميس) في ساحة (الجم جم ) الكبرى، استيقظ الناس مبكرين، الكل يركض بقوة، الشوارع تهتز من ركضهم، وهم يهتفون يحيا العدل، اكتظت ساحة الإعدام بالجماهير المتدافعة إليها لمشاهدة اللحظة الحاسمة، التي ستغير مجرى الحياة، الكتل البشرية المتراصة والمتلاصقة ببعضها حبست أنفاسها، من الخوف والاشتياق، لم يتبق إلا لحظات على الموعد المحدد للتنفيذ في التاسعة صباحاً، الساعة تشير بيدي إلى الثامنة والنصف حين اقتربت من الساحة، كنت حريصاً أن أشاهد تنفيذ الإعدام عن قرب، لكن الأمر ليس بالسهل، تقدمت مسرعاً، أخترق الجموع المتزاحمة، الشمس لم تشرق في هذا اليوم، هناك بصيص من نور، يتلاشى تدريجياً، الجميع يتدافعون إلى الصفوف الأمامية المواجهة لمنصة الإعدام، بعد جهد وعناء تمكنت من الوصول إلى أحد الصفوف المواجهة لمنصة الإعدام، كانت قد نصبت مشنقة تتوسط الساحة العامة خلفها يقف شخص يغطي رأسه ووجهه كيس أسود، تحيط المنصة والساحة بشكل عام أعداد هائلة من الجند والعربات المدججة بالأسلحة، وعلى الجانب الأيمن للمشنقة يقف أحدهم بين يديه ملف، يتجلى لنا من الملابس التي يرتديها أنه أحد القضاة، ويبدو أنه يتلو منطوق الحكم، لم نكن نسمع فقد كان الضجيج عالياً، الأصوات مزقت الحناجر المحبوسة من شدة الهتافات والانفعالات .. فجأة يغلق الملف . يتراجع خطوات إلى الخلف، الجنود الذين على يمين ويسار الشخص المكمم، يتقدمون به إلى المشنقة، أدخلوا رأسه بالحبل، ارتفعت الهتافات عالياً: الله أكبر الله أكبر يحيا العدل. أحد الجنود قام بنزع الكيس، حدقت الأعين شاخصة أبصارها تترقبه، كنا ننظر إليه وسط الصمت المخيف ..الخوف والقلق يسيطران على الجميع، خيم سكون رهيب، احتبست الأنفاس من جديد !!

لم يكن الشخص المحكوم عليه، بل كان القاضي الذي أصدر الحكم .

حل الظلام مجدداً .

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى