بسْ يا مُولْ..

> فضل النقيب:

>
فضل النقيب
فضل النقيب
ربما كان أهم مزارات عدن المعاصرة وأكثرها جاذبية للناس، ومن لم تلقه منذ دهر حتى يئست من لقائه ستجده في «عدن مول»، اللؤلؤة المعمارية والترفيهية والبضائعية على خليج عدن وتحت ظلال قلعة «صيرة» التي لم تعد تضاء ليلاً كما عهدتها العام الماضي «كحبة عنبر في صحن مرمر»، ولا أدري برقبة من سيكون دمها هذه المرة، بعد أن وُعدت في الماضي بـ«التلفريك» وعشّمها من عشمها بالسياحة والسياح والليالي الملاح، ثم قيل لها من طرف اللسان ما يقوله أبناء هذه المدينة التي حيرت التاريخ بتاريخها:«راعي لي باجيلك، سامحنا حيرتك». كنا أذهب إلى «المول» العام الماضي في الصباح لأكتب أعمدتي الصحفية وقد أصبحت تسعة أعمدة كل أسبوع، ليس عمود «الأيام» الغراء سوى أحدها وإن كان أملحها كما أستذوقه. أما هذه المرة فقد أغراني فندق «عدن» بإطلالته الساحرة وإضاءته الباهرة على إنجاز عملي في غرفتي بالطابق الخامس المطلة على بحيرة البجع والطريق البحري الذي تجري من تحته الأنهار إلى حقول الملح التي تتلامع تحت الشمس كالآلئ، وعلى يساري جزيرة العمال التي أتخيلها ذات يوم قادم أحد أرقى المنتجعات في جزيرة العرب، ومن هناك أطلق لخيالي العنان تم أحققه بالبيان والعيان وربما حدتتكم عن خلجان مبهرة وشواطئ ساحرة أخذني إليها صديقي علي صالح محمد الخبير الفنان في شواطئ المرجان التي لم يمسها إنس ولا جان، وخاصة في «عدن الصغرى» ومحيطاتها، التي يبدو أنها تعيش مرحلة مخاض عمراني سياحي ينبغي التحسب له بيئياً بدقة موازين الذهب حتى لا نندم ندامة ذلك الشاعر الذي طلّق «نوار» فلم يعد لحياته أي معنى ؤلا كوعاء للدموع:

ندمت ندامة «الكُسَعيّ» لما غدت مني مطلقة نوار
ما علينا.. هذه المرة زرت «المول» بعد المغيب، وما أدراك ما بعد المغيب، فالناس رجالاً ونساء وأطفالاً يتدفقون كالسيل المتحدّر بعد أمطار الجبال الغزيرة، إلى أين؟ ومن أجل ماذا؟ لا تدري.. فللناس فيما يعشقون مذاهب، أمسك أحدهم بيدي فالتفت فلم أكد أعرفه بقبعته الشبابية ولباسه الرياضي، يا إلهي، إنه الفنان الكبير عبدالرحمن باجنيد، ما الذي جاء بك أيها الفتى العجوز من هولندا؟ أفلت مني وهو يردد: جنة عدن.. جنة عدن.. أخذت أردد أغنيته القديمة التي شغلت الناس (طير من وادي تبن، حط في قلبي سكن)، وقلت كالحالم:

ألا ليت الشباب يعود يوماً فأخبره بما فعل المشيب
ضيعتُ الاتجاهات، ووجدتني أمضي كالطفل التائه، مرة أغرق في عروض الذهب المبهرة تخطف أبصار الشابات وحسرات العجائز، وأخرى أميس بين فساتين الزفاف فألاحظ شباباً في سن الزواج يتفرجون والواحد منهم ليس في جيبه قيمة فنجان شاي (معادلة ظالمة بين الحاجة والقدرة)، وثالثة أسبح في الشذا في جناح العطور وأدوات التجميل(كل شيء مستورد من دبي وجدة).. كان عدن تصدر العطور إليهما (الدهر قلبه بقلبه)، أخذت أراقب جموع المغادرين (واحد محمل وواحد ما بيده هدية) وثمة طفل رمى نفسه على الأرض يبكي بحرقة لأنهم لم يشتروا له شوكولاتة، تمنيت لو كانت في متناول يدي لأسرق منه ابتسامة تمسح الدمعة. قلت لنفسي: من راقب الناس مات هما يا بن النقيب و«بس يا مول».

وكان لابد من «استراحة المحارب» فاخترت «فترينة» محل يعلن بيع أرق ساعة في العالم مرفقة بشهادة مختومة.. وبعد ثوان ولما أستعد أنفاسي بعد، اندفعت حسناء من فئة النجوم السبع اللواتي غنى لهن المغنى (دق الأرض دقة.. ما دامك حلا) من داخل المحل وقال لي بثقة: أنت فلان؟ قلت لها: قبل أن أجيبك، ممكن تدليني على المحل الذي اشتريت منه عينيك الزمردتين. ابتسمت وهدأت قبل أن تقول: شكرا، كلك ذوق وقد أدركت أنني لست فلانا الذي تعنيه. عرّفتها بنفسي فعرفتني أما عن عينيها الواسعتين كخليج عدن فقالت: نحن اليمنيين ذوي الأصول الهندية أهدينا لكم هذه العيون لتزدادوا جمالاً، ومع ذلك.. بلاشك أتكلم.. «يامخارج الدبعا من أم القرون» قلت لها هل تسمحين لي بالكتابة قالت: بكل سرور. وبالاسم؟ قالت: أنا صحفية مثلك واسمي: نوال أنور خان.. اكتب يا زميلي ما يحلو لك.. قلت.. إن أكرمكم عند الله أتقاكم.

خرجت من المول وأنا أدندن لعدن ما دندنه الفيتوري محمد:

في حضرة من أهوى عصفت بي الأشواق غنيت بلا صوت ورقصت بلا ساق
و.. بس يا مول.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى