في مقر اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين بلحج .. تواصل الفعاليات الأدبية والفنية استعداداً لأربعينية سبيت

> «الأيام» مختار مقطري:

> هذه المرة عنّ لي أن أصل إلى مدينة الحوطة عاصمة محافظة لحج المحروسة، قبل نحو ساعة من بدء هذه الفعالية - موضوع هذه المادة- فمنذ فترة طويلة لم أتجول في أزقتها الضيقة، ولم أدخل هذه الحارة ولم أخرج من ذلك (المخرط) ولم أسر في شارعها الرئيسي المرهق والمهموم، وما إن وصلت اليها حتى تركت قدميّ تنقلاني إلى كل الأماكن التي كانتا تسرحان و تمرحان فيها في سنوات طفولتي الأولى، فهالني أن أجد الحوطة كما عرفتها طفلاً و شاباً وكهلاً، مدينة بائسة ذات حظ عاثر، عجوزاً مصدورة، قلباً بلا نبض، جسداً لم تنفخ فيه روح، تغير (الوقت) ولم تتغير، كأنها عاهدت البلى والشقاء على رفقة أطول من عمرها، ما مضى منه وما هو آت، هذه الحوطة عاصمة لحج الأدب والشعر والفن، واللحاق المبكر بركب التقدم الاجتماعي والاقتصادي والسياسي.

غير أن البؤس في الحوطة هذه المرة بدا لي أكثر كثافة، فأحسست بحزنها الثقيل أثقل، وبلوعتها أشد حرقة، فعللت حالتها بحزنها الكبير على رحيل الأديب الشاعر والملحن الكبير عبدالله هادي سبيت، لكن الحوطة كانت صامتة ومذهولة، كأنها لا تعرف كيف تعبر عن حزنها الكبير على سبيت، فاكتفت بالحزن الجليل والوقور، ولعلها آثرت الجلال والوقار في الحزن ليلائم جلال ووقار ابنها الراحل!

انتهى تأثري بذلك المشهد البائس، لأنتبه إلى غياب ما يدل على رحيل سبيت والحزن على رحيله، إلا هذه الفعالية التي نظمها اتحاد الادباء والكتاب اليمنيين فرع لحج عصرية يوم الاثنين 7/5/2007م بجهد كبير وملحوظ يبذله رئيس فرع الاتحاد الأستاذ القدير على حسن القاضي وعدد قليل من أدباء وفناني لحج في غياب واضح وغريب للمؤسسات الرسمية وغير الرسمية وحضور قليل جداً لأدباء وفناني لحج ممثلة بعاصمتها مدينة الحوطة في هذه الفعالية.

وهذه هي الفعالية الثانية التي ينظمها فرع الاتحاد بلحج، بعد الفعالية الأولى التي نظمها يوم الاثنين الموافق 30/4/2007م، وستستمر هذه الفعاليات كل يوم اثنين استعداداً للاحتفاء بأربعينية الأديب الشاعر والملحن الكبير عبدالله هادي سبيت الذي غادر دنيانا يوم الأحد 22 أبريل 2007.

وقد شارك في هذه الفعالية (الثانية) كل من الأساتذة علي بن علي سعد، الأديب المسرحي المعروف، د. علوي عبدالله طاهر، ود. عبدالكريم أسعد قحطان، وأدارها باقتدار القاص أحمد سعيد الباشا لوكن بالموت (غلباً وقهراً) هذه المرة، وقد قدم كل من الأستاذين سعد وطاهر في مداخلتيهما جوانب من السيرة الذاتية للأديب الراحل، وكانت مداخلة د. طاهر أكثر شمولية وتفصيلاً، وأشار في مستهلها إلى أن ما جمعه من ذكريات الفقيد وسيرته الذاتية عرفه منه شخصياً حين التقاه في مدينة تعز في السبعينات وكان هو الوحيد الذي اختاره الفقيد لتوثيق ذكرياته وسيرته الذاتية والأدبية.

وفي مداخلته القصيرة والمرتجلة أشار د.عبدالكريم أسعد إلى أن وظيفة الأدب لا تقتصر على الإمتاع فقط بل وعلى تقويم سلوك المتلقي وتهذيبه والارتقاء بتذوقه الأدبي والفني، وقد أسهم سبيت إلى حد كبير بأداء هذا الجانب المهم من وظيفة الأدب، وأبدع في الأدب العامي السهل والواضح ولكن بمقدرة كبيرة على الاستفادة من الفصيح لإثراء العامي، ثم تحدث عن طبيعة الأدب الصوفي، مشيراً إلى أن الشاعر الصوفي ينطلق من الحسبات ليصل إلى الحب الروحي، مؤكداً على تأثر الأدب العربي قديمه وحديثه بالأفكار التصوفية، وقدم للتدليل على ذلك نماذج من شعر أبي تمام والنواسي ولطفي جعفر أمان، مبينا أن التصوف يتجلى إلى حد كبير في الشعر الرومانسي، ثم أشار إلى أن الأدب العامي يقوم على بلاغة المشافهة لذلك تكون القصيدة سهلة ومعانيها واضحة، مؤكداً أن سبيت طور القصيدة العامية إلى مستوى القصيدة الفصيحة، ثم قدم نماذج دالة على مظاهر الصوفية في قصائد سبيت الغزلية والوطنية.

وقد علق الأستاذ عياش علي محمد بأن مداخلة د. أسعد كانت نظرية أكثر منها تطبيقية بسبب النزر اليسير الذي قدمه من النماذج الدالة على مظاهر الصوفية في شعر سبيت، وأجاب د. أسعد بأن موضوعا كهذا هو موضوع بحث ودراسة واسع يتطلب نحو ستة أشهر لإنجازه وعليه اكتفى بالإشارة إلى أهمية هذا الموضوع، داعياً المتخصصين والمهتمين إلى دراسة وبحث شعر سبيت العامي بعد أن أشار في مقدمة حديثه إلى أهمية البدء بتدريس الأدب العامي في الجامعات اليمنية والعربية.

وأشار الأستاذ علي سيف مقطري، وهو مهتم بالأدب والفن، إلى أنه لو هيأت الحياة للشاعر سبيت حياة مستقرة وتعليماً منتظماً ودراسة أكاديمية كما هيأتها لأحمد شوقي لظهرت شاعرية سبيت كبيرة كما هي موهبته كبيرة. وكان من المفيد في هذه الفعالية التأكيد على أن لقب الشاعر الراحل عبدالله هادي سبيت هو (حمق) وأنه ليس ابن الفنان الذي خاطبه القمندان قائلاً: غني يا هادي صوت الدان.

وأخيراً أختم هذه السطور بهذا المقطع الجميل من قصيدة رثاء للأديب الراحل قرأها على الحضور موهبة شعرية واعدة هو الشاب عادل يحيى إبراهيم: «تلاشى.. صبح إشراقي/وأدمى الحزن أوراقي/ وهذا العمر أنثره/ رماداً بعد إحراقي/فلم يبق سوى الذكرى/ ودمعة مقلتي الحرى/ وأطياف من الماضي/تتراءى بأحداقي».

سُبيت شخصية درامية لمسلسل تلفزيوني ناجح
وعصرية يوم الخميس الماضي 10/5 نظم منتدى الفنان الكبير الراحل محمد سالم بن شامخ بالمعلا وبدعم من المجلس المحلي بالمديرية وتحديداً بدعم الفنان هاشم السيد، المسؤول الثقافي بالمديرية وبمشاركة من منتدى (الباهيصمي) الثقافي بالمنصورة وجمعية تنمية الموروث الشعبي اليمني، نظم المنتدى فعالية احتفائية بالأديب والفنان الكبير الراحل عبدالله هادي سبيت حضرها عدد غير قليل من الأدباء والشعراء والفنانين والمثقفين والمهتمين، كان المتحدث الرئيسي فيها الأستاذ عياش علي محمد الذي قدم مداخلة لعلها كانت شاملة وكاملة عن حياة سبيت بدأها بنشأته وطفولته البائسة ومكونات عبقريته وروافد نبوغه، ولطولها أخشى إفسادها بالاختصار إلا الإشارة إلى بعض جوانبها لنجد أنفسنا أمام طفل بائس وحزين يعيش في أسرة متدنية جداً إلا انه يفتقد فيها الاستقرار النفسي بسبب قسوة الأب عليه وعلى أمه، وبمجرد طلاق الأبوين يتعهده عمه سعيد سبيت بالرعاية والتعليم وتنمية موهبته الأدبية والفنية ويأخذه إلى بستان الكروم شرق لحج ليستمع إلى أحاديث الشيخ العلامة محسن كرد وأناشيده الدينية، وفي يومي الاثنين والجمعة كان الطفل يحرص على سماع غناء الشيخ علي أبوبكر الذي كان ينزل في ضيافة الشيخ أحمد أسماعيل أمام مسجد الجامع، ويستمر عياش في تتبع المحطات المهمة في حياة سبيت حريصاً على تبيين تأثير هذه المحطات على تكوينه الإبداعي. مشيراً إلى أن أول قصيدة عاطفية نظمها سبيت هي القصيدة التي يقول مطلعها:

نظرة من مقلتيها تسلم الروح إليها

مع حرصه كذلك على تبيين روافد نزعته الصوفية في تدينه وسلوكياته وإبداعه، إلا أن مداخلته خلت للأسف الشديد من تحديد الأعوام الخاصة بمحطات سيرة سبيت الذاتية والإبداعية.

وتناول عياش مناسبات نظم سبيت لبعض قصائده، فقصيدة (القمر كم بايذكرني جبينك يا حبيبي) نظمها سبيت متأثراً بجمال نساء يهوديات رآهن في لحج وهن في طريقهن من شمال الوطن إلى إسرائيل نهاية الاربعينات، وقصيدة (ذا هندي الأجفان.. طلياني البنيان) نظمها مبهوراً بجمال الممثلة العالمية صوفيا لورين بعد أن شاهدها في فيلم لها بسينما التواهي.

وأكد عياش أن سبيت لم يكن انطوائياً كما يرى البعض وإن كان غير ميال للعب مع أقرانه لأنه كان يفضل صحبة الشعراء والفنانين وارتياد المنتديات الأدبية، فكان جياش المشاعر سريع التأثر بالكلمة الشعرية الجميلة.

وعرج عياش على تأسيس سبيت مع عدد من زملائه من الأدباء والشعراء والفنانين لندوة الجنوب الموسيقية نهاية الخمسينات وإسهام سبيت وزملائه في تطوير الأغنية اللجية من خلال الندوة، والحفلات التي كان يقيمها لدعم ثورة الجزائر مؤكداً صدق وطنيته حتى في الأغاني التي كتبها عن ثورة الجزائر مثل قوله في أغنية (يا شاكي السلاح):

أرضي والنبي ويل للأجنبي

ديني ومذهبي يأمرني أن أحمل سلاح

مختتماً حديثه بأن سبيت عاش حياة مريرة مليئة بالألم وتفتقر للاستقرار النفسي والاجتماعي.

ثم قرأ د. رياض فيصل الشدادي نيابة عن زوجته الفاضلة د. حفيظة صالح الشيخ، أستاذ مساعد بكلية صبر رئيسة قسم اللغة العربية بالكلية، قراءة نقدية لها في قصيدة سبيت (يا باهي الجبين) لن أدخر جهداً في سبيل نشرها كاملة في «الأيام». وفي تواصل هاتفي بين المنتدى ود. حفيظة أكدت أن سبيت واحد من عمالقة الزمن الجميل الذي إلى جانب أدوارهم ومواقفهم الوطنية الكبيرة كانوا مبدعين كباراً في مجالات مختلفة أهمها الشعر والموسيقى والغناء.وأكتفي مستغلاً ما تبقى لي من سطور بذكر ومضات من أحاديث بعض الحضور في الفعالية، فقد أكد الزميل عبدالقادر خضر أن سبيت هو رائد الأغنية الوطنية في اليمن بدءاً بتسجيله مع الفنان إسكندر ثابت أغنية (يا ظالم) في إذاعة صوت العرب في الخمسينات مما أغضب الإمام أحمد وكانت هذه الأغنية أحد الأسباب التي أبطلت مشروع الوحدة بين اليمن المتوكلية ممثلة بالأمام أحمدى، وبين مصر ممثلة بالزعيم جمال عبدالناصر.وأضاف الأستاذ علي حسن القاضي، رئيس اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين فرع لحج أن سبيت كان مسرحياً أيضاً وقد أسس مسرح العروبة منتصف القرن الماضي، وهو مؤلف مسرحي وقام بيمننة عدة مسرحيات عربية وعالمية.

وقام بوظيفة الملقن المسرحي في الأربعينات ومثل على خشبة المسرح بدلاً من الممثل الرئيسي الذي تغيب عن الحضور في ليلة عرض إحدى المسرحيات.

وقال الفنان قاسم عمر إن شخصية سبيت شخصية درامية بكل المقاييس وبكل جوانبها التاريخية والوطنية والإبداعية والنفسية.

لذلك فإنها سيرته الذاتية والإبداعية تصلح لتكون موضوع مسلسل تلفزيوني ناجح تتولى الفضائية اليمنية إنتاجه.

وقال عميد المنتديات بعدن ولحج وأبين الأستاذ فرحان علي حسن أنه فوجئ وحزن كثيراً يوم قرأ خبر وفاة سبيت في الصحف تأثراً برحيل قامة إبداعية وتأثراً بعدم قيام قيادة المحافظة بعدن بالتحرك في وفد رفيع المستوى للمشاركة في تشييع جنازته إلى مثواه الأخير مما يدل على أنه عاش مظلوماً ومات مظلوماً.

رحم الله عبدالله هادي سبيت!!

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى