حارة «الدوابية»

> عبدالقوي الأشول:

>
عبدالقوي الأشول
عبدالقوي الأشول
مثلها مثل غيرها من حارات وشوارع مدينة عدن اكتسبت اسمها من الماضي البعيد.. إذ كان نصيب هذا الحي أو هو الفراغ المنزوي من المدينة قبل أن تشهد تحولا في واقعنا الديموغرافي نفراً ممن امتهنوا أعمال غسل وكي الملابس أي (الدوابية) .

بمعنى أدق هي مثل تلك الأسماء التي عرفناها ومازلنا نطلقها على بعض أحياء كريتر عدن كحارة الجمالة وتلك عرفت ببريد المدينة إذ يقوم الجمالة في رحلات ذهابهم وإيابهم من و إلى عدن بحمل بريد المحبين وهداياهم بالإضافة إلى الأمتعة والحاجات الأخرى التي هي من عائد كسب أبناء المناطق البعيدة من عدن في الكثير من المهن والأعمال التي كانوا يمارسونها في ذلك الزمان.

ولعل العم صالح الجمال.. وهذا كامل الاسم الذي عرف به كان آخر جمالة ذلك الزمن وآخر ساعي بريد حط أو أناخ جمله على تلك البقعة القريبة من قلب سوق كريتر أو ماركت السوق التي مازالت قائمة.

العم صالح الجمال مثلت حكاية رحيله المحزنة ختاماً لماضي حارة الجمالة.. حيث قضى الرجل نحبه تحت (كلاكل)جمله ما يعزز يقيننا بقول العرب لمن يضمر الحقد لزمن طويل «حاقد حقد جمل!!» أي أن هذا الحيوان الصبور حينما يحقد لا يستكين ولا يغفر لصاحبه وإن بدا مسالماً وديعاً.. ذلك ما لخصته حكاية آخر جمّال عدني مع جمله أو ناقته التي ربما أفرط الرجل في استخدام سوطه في تأديبها مسقطاً من ذهنه مقولة العرب.

إذ تلخصت مأساة الرجل على ما أذكر في تسعينات القرن المنصرم بأن باغته بعيره في الهزيع الأخير من الليل وهو (أي العم صالح) يغط في نومه العميق فاجأه جمله وألقى كامل ثقله على سيده أي أردف أعجازاً وناء «بكلكل» حسب قول الشاعر الجاهلي امرؤ القيس.

وبالعودة إلى حافة الدوابية نجد في هيئة هذه القطعة من الأرض ما يلخص نشوء تلك البيوت الصفيحية المتداخلة المتقاربة بل المتشابكة، وكيف أن هذا الحي يلخص ردة فعل من لا حول لهم ولا قوة فيما يجري من حولهم .

وهي ردة فعل حمل على إثرها الجزء الأعم من سكان هذه المدينة معاولهم في تبارٍ غير مسبوق بالظفر ولو بنصف متر أو متر ونصف المتر في أحسن الأحوال من أراضي الدوابية العتيقة التي بدت ربما منسية أو هي مشاعة لمن تقطعت بهم السبل وقطعوا الأمل في إمكانية حصولهم على مرقد في مدينة هي في الأصل مسقط رأسهم.

عموماً الحال لم يقف عند حدود من يسبق يظفر بقدر ما ذهب صوب خلافات وخصومات دامية على شطائر أرض الدوابية حتى أن مركز شرطة المدينة بقي في حالة استنفار لفض تلك النزاعات التي اكتنفت بعدئذ خليطاً من البشر والسحنات ومع ذلك فهي - أي الحارة - في حراك وعراك دائم ودام.

وبمعنى أدق لم تستقر بعد على هيئتها النهائية فهي بين هدم وردم وإعادة بناء، تفتح بعض ممراتها حيناً وتغلق في أحيان أخرى.. تتكشف بركها الآسنة التي تكون ملاعب أطفال الحي البائس.

وهكذا مضت المدينة في سبيلها صوب أحياء جديدة وامتدادات شاسعة لكنها غفلت تماماً عن الجيل الخامس وربما السادس الذي جعل من حارة الدوابية وترقيعات المنازل العتيقة في أحياء المدينة ملاذهم الأخير وحيلتهم الممكنة.

إنها نموذج آخر للفوضى الخلاقة وإن لم تكن تحت القصف وركاماته.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى