مساحة الحزن عند (نورا) أصلان و(نورا) الأموال العامة
> نجيب محمد يابلي:
>
صدر الكتاب الـ (68) من سلسلة كتاب «العربي» والموسوم «عن الدهشة والألم» في 15 أبريل 2007م ويضم الكتاب (50) قصة عربية من بينها قصة «سبيل للصغار» للقاص المصري إبراهيم أصلان ومحورها (نورا)- ص 252 . جاءت القصة على لسان ساكن البيت المجاور لبيت نورا.
المدخل الزماني: عصر أحد الأيام وهو زمان عودة الجار إلى منزله من عمله، أما المدخل المكاني فكان شارع نورا الذي لفه الصمت المطبق وباب منزل نورا مفتوح على مصراعيه.
تسرب الشك إلى الجار أن صوت نورا العالي لم يعد مسموعاً وهي تتشاجر مع زوجها أو أحد من عيالها وحضورها ملموس حتى في أبسط الأمور.
يسأل الجار زوجته: ما الذي حدث؟ فجاءت الإجابة صاعقة:«الولد أحمد، ابن نورا» ووردت التفاصيل تباعاً. اعتاد أحمد أن يقضي سويعات جميلة مع طائرته الورقية الملونة وكانت بضعف حجمه، وبينما كان يطيرها من فوق بيت الست أم محسن (أحد الجيران) وقع أحمد على الأرض وفارق الحياة، وزعم والد الطفل أنه (أي أحمد) كان يلعب فوق سطح بيتهم حتى يعفي الست أم محسن من المسئولية.
مجموعة من الأولاد حفرت حفرة عميقة في الناحية اليمنى من مدخل بيت نورا ثم غرسوا ماسورة قوية بها مجموعة من الأسياخ الغليظة التي امتدت مثل الأغصان تنتهي كل منها بحلقة تتدلى منها قلة من الفخار الأحمر فيما طليت الشجرة الحديدية باللون البرتقالي المضاد للصدأ.
يحدثنا الراوية (الجار) أن نورا كانت تصيح بكل قوتها كل ليلة: «أحمد»، لم تكن تنطقها بنبرة حزن أو صيغة نداء ولكن ارتفاع صوتها بتلك الوتيرة وكأنها تجيب على أحد يسألها عن اسمه، أما خلال ساعات النهار فكان الأولاد يردون من هنا وهناك ليطفئوا ظمأهم بمياه القلل الحمراء الباردة المعلقة على جنبات الشجرة البرتقالية.
مات ضنى نورا، لكنها أبقت على تواصله بأصحابه بأن أوقفت لهم مياه السبيل.
شدتني كثيراً تلك الشخصية المحورية (نورا) وأقحمت معها، دون وعي مني، شخصية محورية أخرى وهي عدالة القاضية نورا ضيف الله، رئيس نيابة الأموال العامة بعدن.. سألت نفسي: ما وجه الشبه في ذلك؟
يبدو لي أن العقل الواعي فتح جسراً مع العقل اللا واعي وأصدرا قراءة مشتركة لقصة «سبيل للصغار» وورد في القراءة أن الضنى عند نورا الأخرى هو المال العام والموت هنا معناه تكالب قوى الشر والفساد على إرهاقها لأنها تعمل في مناخ عام فاسد يرتع فيه حيتان من مختلف الأحجام ولا يختلف اثنان في حقيقة وجود ذلك المناخ، وبالمقابل لا يختلف اثنان حول براءة ذمتها وطهارة سمعتها وجسارة موقفها.
علمنا بمساحة الحزن عند (نورا) أصلان، فهل علمنا أم أننا سنعلم بمساحة الحزن عند (نورا) الأموال العامة بعدن.
نسأل الله ألا يريها مكروها في (ضناها) وأن ينير طريقها.. طريق الضباب.. طريق المشقة والعذاب.. آمين!!
نجيب محمد يابلي
المدخل الزماني: عصر أحد الأيام وهو زمان عودة الجار إلى منزله من عمله، أما المدخل المكاني فكان شارع نورا الذي لفه الصمت المطبق وباب منزل نورا مفتوح على مصراعيه.
تسرب الشك إلى الجار أن صوت نورا العالي لم يعد مسموعاً وهي تتشاجر مع زوجها أو أحد من عيالها وحضورها ملموس حتى في أبسط الأمور.
يسأل الجار زوجته: ما الذي حدث؟ فجاءت الإجابة صاعقة:«الولد أحمد، ابن نورا» ووردت التفاصيل تباعاً. اعتاد أحمد أن يقضي سويعات جميلة مع طائرته الورقية الملونة وكانت بضعف حجمه، وبينما كان يطيرها من فوق بيت الست أم محسن (أحد الجيران) وقع أحمد على الأرض وفارق الحياة، وزعم والد الطفل أنه (أي أحمد) كان يلعب فوق سطح بيتهم حتى يعفي الست أم محسن من المسئولية.
مجموعة من الأولاد حفرت حفرة عميقة في الناحية اليمنى من مدخل بيت نورا ثم غرسوا ماسورة قوية بها مجموعة من الأسياخ الغليظة التي امتدت مثل الأغصان تنتهي كل منها بحلقة تتدلى منها قلة من الفخار الأحمر فيما طليت الشجرة الحديدية باللون البرتقالي المضاد للصدأ.
يحدثنا الراوية (الجار) أن نورا كانت تصيح بكل قوتها كل ليلة: «أحمد»، لم تكن تنطقها بنبرة حزن أو صيغة نداء ولكن ارتفاع صوتها بتلك الوتيرة وكأنها تجيب على أحد يسألها عن اسمه، أما خلال ساعات النهار فكان الأولاد يردون من هنا وهناك ليطفئوا ظمأهم بمياه القلل الحمراء الباردة المعلقة على جنبات الشجرة البرتقالية.
مات ضنى نورا، لكنها أبقت على تواصله بأصحابه بأن أوقفت لهم مياه السبيل.
شدتني كثيراً تلك الشخصية المحورية (نورا) وأقحمت معها، دون وعي مني، شخصية محورية أخرى وهي عدالة القاضية نورا ضيف الله، رئيس نيابة الأموال العامة بعدن.. سألت نفسي: ما وجه الشبه في ذلك؟
يبدو لي أن العقل الواعي فتح جسراً مع العقل اللا واعي وأصدرا قراءة مشتركة لقصة «سبيل للصغار» وورد في القراءة أن الضنى عند نورا الأخرى هو المال العام والموت هنا معناه تكالب قوى الشر والفساد على إرهاقها لأنها تعمل في مناخ عام فاسد يرتع فيه حيتان من مختلف الأحجام ولا يختلف اثنان في حقيقة وجود ذلك المناخ، وبالمقابل لا يختلف اثنان حول براءة ذمتها وطهارة سمعتها وجسارة موقفها.
علمنا بمساحة الحزن عند (نورا) أصلان، فهل علمنا أم أننا سنعلم بمساحة الحزن عند (نورا) الأموال العامة بعدن.
نسأل الله ألا يريها مكروها في (ضناها) وأن ينير طريقها.. طريق الضباب.. طريق المشقة والعذاب.. آمين!!