قراءة نقدية في أوراق م. ريم عبد الغني (2) فأمّا الزّبَدُ فيذهبُُ جُفاء

> أ.م. فضل قائد علي:

> بأسلوبها السردي الأدبي الرائع عبر زاويتها (نافذة على البحر)، تناولت المهندسة ريم عبد الغني شريحة من الناس، الذين يمتازون بالصلابة والملامح القوية (ولايتخلون عن مبادئهم) ويموتون (واقفين كأشجار الصفصاف..وتبقى أعمالهم الكبيرة) «فأمّا الزّبد فيذهب جُفاء» وهي ورقة على قصرها، تمتاز بكثافة عميقة الفحوى، لا تستهدف فيها عظماء الفكر، أو علية القوم، أو كما تقول: «أنا لا أتكلم عن أنبياء أو قديسين، إنما عن بشر عاديين مثلنا، لم أعرف منهم الكثيرين ..لكن القليلين الذين عرفتهم (كبارا) أثروا فيّ كثيراً».

وفي تواضع مملوء بالصدق، تعترف م.ريم بأن هؤلاء علموها، وهم ليسوا من صفوة الأدباء أو العلماء، الذين نجدهم في كتاب المفكر المصري سلامة موسى (هؤلاء علموني)، بل هم أناس عاديون، ولكنهم نبض الحياة، روحها، دماء شرايينها، والحياة قربهم كما تقول ريم : «تعلمك كيف تهذب انفعالاتك وتسمو برؤيتك، والتعامل معهم يشعرك بالأمان» ومن لدن هؤلاء امتلكت أبعاداً عميقة، ونفاذ بصيرة،«فكبير النفس يحتوي الآخرين ويقدر عطاءاتهم ولا يخشون أن تطول قاماتهم بجوار قامته العملاقة».

الله، كما تقول م.ريم، «ميّز البشر بحسب سمو أرواحهم فوق الهياكل العظمية المكسوة باللحم ... خلقهم درجات، يعلو من يعلو فوق التفاصيل ويترفع عن السفاسف» فهي ترى، بل تستلهم فحوى بيت المتنبي القائل:

وتعظم في عين الصغير صغارها ** وتصغر في عين العظيم العظائم

ذلك أن الكبير «يرى إلى مدى أبعد إذ أنه يفهم ذاته ويعرف ماذا يريد، و(من عرف نفسه عرف ربه)» إضافة إلى أن هذا الإنسان الكبير «يميز الحق من الباطل ولا يكذب ولا يخدع ضميره ولا يفعل سراً ما يخجله علناً».

وهنا يحضرني قول للمهاتما غاندي يجعلني أتساءل، هل كانت م.ريم وقفاً عليه، أم أن التناص أو توارد الأفكار كمنت خلف هذه المقاربة؟ فقد قال غاندي يوماً : «كنت أرفض دائماً أن أعمل في السر عملا أخجل من القيام به في العلن». ومع ذلك، فلا بد أن يكون غاندي واحداً من هؤلاء الذين أثروا فيها.لا علاقة جدلية أو غير جدلية بين أن تكون كبيراً، وأن تكون ذا مال، ذلك أن كون الإنسان كبيراً «هو سحر كامن في النفس يلهمك القرار الأفضل في اللحظة المناسبة» والكبير غني، ولكن هذا الغنى لا علاقة له بحيازة الثروة، بل هو (غنى النفس) ذلك الغنى الذي «يبحث دائماً عن غذاء الروح، مدركاً - والقول لمولانا جلال الدين الرومي -أن (غذاء الفرس ليس غذاء للفارس) ويزداد تواضعاً كلما ازداد علما ورفعة:

ملأى السنابل تنحني بتواضع والفارغات رؤوسهن شوامخ».

كبير النفس، كما ترى بحق م. ريم هو من «يهب دون مقابل، بل وينسى أنه وهب» إنه الإنسان الذي لا يبيع نفسه بالمال «وكم يكشف المال عيوباً غطاها الزمن، وكم كبار على إغرائه صغروا، وكم من أثرياء لا يملكون إلا دراهمهم» وهنا أجدني وجهاً لوجه أمام واحد من الأسئلة التي وجهت لأحد الحكماء، وهو: من هو الأفقر من الفقير؟ فقال: الفقير من لا يملك المال أما الأفقر من الفقير فهو الذي لا يملك إلا المال!

وقد أعجبتني خلاصة ورقة ريم عندما قالت: «لكي تبقى كبيراً وقوياً، كن حكيماً في خياراتك، فكل خيار مهما صغر يرفع كفة الميزان دون الأخرى، هي شعرة تفصل القاع عن القمة وتقلب الأبيض أسود»، أما خلاصة قولي على هذه السياحة الأدبية، كما يصفها الأستاذ نجيب يابلي، فهي نصيحتي بأن يقف الإنسان أمام مرآة الذات، كي يعيد حساباته، إن وجد هذه الذات من الزبد الذي يذهب جفاء، ولنا مع ورقة أخرى لقاء.

كلية الآداب - جامعة عدن

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى