قصة قصيرة .. أ.د. مطنوش

> «الأيام» محمد حسين بيحاني:

> كان كعادته أ. د. مطنوش، أستاذ علم الفلسفة في الكلية، يلقي محاضرته العقلانية بالصوت المرتفع والجهوري، في بهو قاعة المحاضرات للطلاب في الكلية. «ينبغي علينا إدراك هذه القضية .وهي قضية القضايا والموضوع بأنه لا يسعى المرء لملاقاة الخطوب إلا إذا كان هناك مبدأ يعيش لأجله وهدف يتكبد كل عناء كي لا يحيد عنه.. أبنائي، أعزائي، يجب أن تعرفوا أن الإماء والعبيد لا يلدون إلا إماء وعبيدا، فإذا أردنا تحرير الجيل القادم فلنبدأ بتحرير أنفسنا أولاً فنحن مازلنا حتى الآن إماء وعبيدا وحياتنا مهددة ممن هم أقوى منا».

وبينما كان يلقي محاضرته على الطلاب في القاعة يأتي عميد الكلية ويفتح باب القاعة بطريقة بربرية وينظر إليه نظرة شماتة «السيارة بانتظارك يا حضرة الأستاذ الدكتور مطنوش.. لقد أوقفت إحدى سيارات الأجرة لكي لا تتعب من الانتظار». ثم خرج وأغلق الباب وراءه بشدة.

كان الطلاب مذهولين مما يحدث أمامهم ولكن الأستاذ الدكتور مطنوش لم يأبه لهذا التصرف وواصل حديثه:

«إن من الصعب على المرء أن يخسر كل من حوله بسبب مبادئه وأفكاره ولكن الأصعب والأقسى أن يلجأ إلى المداراة ويكون ذلك سبباً في خسارته لنفسه.. أبنائي.. أعزائي ، يعز علي فراقكم.. كم أدرك الآن أني أدفع ضريبة قاسية ولكن من يحس أنه اشتاق إليّ فأهلاً به في حي عمر المختار بالشيخ عثمان الذي سأمضي إليه». أخذ يلملم أوراقه ويحزم كتبه ويمسح أطراف أصابعه من آثار الطباشير بعد أن محا آخر ما خطه على السبورة. كانت خطواته بطيئة نحو الباب، وقبل خروجه ألقى نظرة أخيرة على جميع طلابه والقاعة بنظرات ولمحات حركة «البانوراما». كان وجهه حزيناً ولكن لهيب الحماس لم ينطفئ في عينيه.

لاحظ مراقبة العميد له فجعل خطواته أكثر ثباتاً واتزانا. لم يكن طلاب القاعة التي خرج منها وحدهم من يحاولون التلصص ومعرفة ما يحدث حتى يطرد أستاذ الفلسفة، كانت هناك عيون فضولية كثيرة حاولت استراق السمع ومعرفة أي حوار يدور بين عميد الكلية والأستاذ في فناء الكلية، كان الممر قد امتلأ بالطلاب الذين كانوا يعانقون أستاذهم بنظراتهم، كان أحد الطلاب القريبين من الأستاذ الدكتور مطنوش يعرف سبب طرده من الكلية وأحس بما يعانيه زملاؤه، أن الصمت حول هذا الموضوع سيسيء إلى سمعة الأستاذ وستحوم حوله الإشاعات. كان الأستاذ في طريقه نحو باب الكلية حين اندفع الطالب يشق طريقه بين زملائه وينادي على الأستاذ:

يا أستاذ .. يا دكتور مطنوش، لو سمحت. التفت الأخير إليه وانتظره حتى أصبح في مقابلته فلاحظ العبرات التي تملأ عينيه، التفت الطالب ليتأكد من وجود جميع الطلاب خلفه ثم قال:

- اسمح لي يا أستاذ أن أطرح سؤالاً أخيراً قبل رحيلك.. لماذا أُعدم سقراط؟

ابتسم الأستاذ الدكتور مطنوش.. ونظر إلى الطالب نظرة امتنان لأنه أدرك مغزى سؤاله.. فأجاب:

- لأنه اتهم بإفساد شباب أثينا.

كان ذلك آخر سؤال وآخر محاضرة تعلمها طلاب الكلية من أستاذ الفلسفة أ.د.مطنوش.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى