الوحدة.. أعراس ومنغصات

> حسن سعيد دبعي:

> في غمرة احتفالنا بأعراس الذكرى الـ 17 للوحدة اليمنية المباركة التي تحققت يوم 22 مايو 1990 التي أزالت وإلى الأبد إن شاء الله كل مآسي التشطير وويلاته وطهرت النفوس من الأحقاد والضغائن وخلقت جيلا مشبعاً بقيم التوحد والتطلع إلى آفاق جديدة من الانسجام والمحبة باتجاه بناء يمن قوي مزدهر، نتقدم بأخلص التهاني والتبريكات للشعب اليمني الصابر والمثابر والذي بتضحياته الجسام استطاع أن يكرس الوحدة واقعاً ملموساً ننعم بخيراتها. هذه النعمة التي جاد بها الله سبحانه وتعالى علينا بعد حقب من الصراعات والحالات الاستثنائية كانت فيها اليمن ممزقة الأوصال أرضا وإنسانا، فلو تذكرنا كيف كان الحال قبل الوحدة وكيف الحال بعدها لأدركنا حجم هذه النعمة.

سبعة عشر عاماً من عمر الوحدة تحقق خلالها الكثير من المنجزات المنظورة في جميع المجالات وصارت اليمن بفضلها دولة ذات اعتبار ورقماً صعباً في المعادلات الإقليمية والدولية وهذه حقائق لا يمكن لأي منصف أن ينكرها أو يقلل من أهميتها، لكن هذا لا يمنعنا من التطرق إلى بعض المنغصات التي تكتنف مسيرتنا الوحدوية وتبين الأخطاء والسعي لإصلاحها ومراجعة حساباتنا، فهناك أخاديد مازالت تقف أمام تسوية الملعب السياسي جاءت على خلفية حرب عام 1994 المشؤومة التي مازالت تداعياتها قائمة وملفاتها لم تطو بعد، ينبغي الالتفات إليها بقدر من المسؤولية ومهما تغاضينا عنها فإنها تبقى نارا تحت الرماد يمكن أن تفضي إلى حرائق تلتهم المجتمع اليمني ككل. ولا بد ان نعترف أن من طبعنا نحن اليمنيين أننا نحرق كل مرحلة بمن فيها من البشر والإمكانيات والحرث والنسل ولا نترك أبدا خط رجعة من أجل التفاهم والتلاقي ثم نعود فنتذكر ونتألم ونذرف الدموع على ما حصل «احتربت حتى سالت دماؤها.. تذكرت القربى فسالت دموعها» هكذا فنحن عاطفيون في جانب ومدمرون في جانب آخر، ولم نتعلم أبداً فن مسك العصا من الوسط ومازالت تتحكم بنا عقلية عصبية لا تتعامل مطلقاً مع المصالح والاعتبارات ولا تعترف بالحكمة الجميلة «عفا الله عما سلف» فالسياسة خليط من الحسنات والسيئات ينبغي على النخبة السياسية عندنا أن يغزلوا خيوط المعالجة لهذه الأخطاء وتجاوز تبعاتها بدلاً من تكريس مبدأ تصفية الحسابات التي لا ينتهي مسلسلها والتمترس وراء المفهوم القائل «من ليس معي فهو ضدي».

هنا مبدأ تعتنقه شعوب العالم هو مبدأ الحوار والاستماع للآخر حول كل ما يهم الوطن، ومن خلال هذا الحوار استطاعت هذه الشعوب أن تبني نفسها وتقوي من شوكتها وهذا ما نطمح للوصول إليه خلال الفترة القادمة بإذن الله حين يكون الوعي السياسي قد وجد له مكانا في أدمغة قادتنا ونخبنا السياسية ووجاهاتنا الاجتماعية. إننا نتمنى ونحن نحتفل بالذكرى الـ17 للوحدة، هذه المناسبة الغالية علينا، أن تكون الوحدة مصدر أمن واستقرار لجميع أبناء الوطن وأن يعطى كل ذي حق حقه وتسود العدالة الاجتماعية كل شبر من ترابنا الوطني من أجل أن تتحد الإمكانات وتسعى بقلب مفتوح إلى تحقيق الإنجازات المرجوة وأن تعتلي الجمهورية اليمنية بأبنائها الأبرار ووحدتها المباركة أعلى مراتب التقدم والنمو.

إن إعلاء سيادة الدستور والقانون فوق كل الناس مطلب الشعب اليمني كله، وبناء دولة المؤسسات القوية التي لا تعترف بالمناطقية والقبلية والعشائرية وتعمل على حماية الصغير والكبير وإنصاف كل مظلوم وتوفر العمل لكل عاطل وتضمن حياة أفراد المجتمع وترسخ ثقافة الديمقراطية الحقيقية وحرية الرأي والتعبير هي من صميم حضارة شعبنا وقيمه وتاريخه ينبغي على القيادة السياسية أن تسعى إلى إرساء مداميكها على أرض الواقع حتى تنتهي الاختلالات والاهتزازات المنظورة الموجودة الآن في هيكلة الجهاز الحكومي وجميع مرافق الدولة المختلفة، ولا بد أن نعترف أن هناك آفات ضارة وفساداً كالأخطبوط وتراجعا ملحوظا في المجال الديمقراطي وتضييق الحريات العامة، كل هذه العوامل مجتمعة تعرقل تطلعاتنا نحو بناء يمن جديد مزدهر وآمن وينبغي الوقوف عندها بكل موضوعية وتتضافر معها جهود الجميع من القمة إلى القاعدة للقضاء عليها والعمل على تحسين صورة اليمن وجعلها واحة حقيقية للحرية يشعر المواطن بفخر الانتماء إليها.

إننا وفي هذه اللحظات الجميلة التي تعيشها بلادنا احتفاء بذكرى الوحدة نأمل أن لا نسمع مستقبلاً عن منغصات جديدة تؤذي جسم الوطن ومن أي نوع كانت، وأن لا يشتكي طرف من طرف آخر وأن لا يستعلي أحد على أحد، لأن الوحدة معناها اللحمة الوطنية وبتحقيقها تنتهي كل أمراض الماضي وأحقاده وأن يقتنع الجميع أن الاهتزازات التي وقعت بعد تحقيق الوحدة وأفضت إلى حرب صيف 1994م إنما هي نتاج أخطاء يتحمل وزرها الجميع دون استثناء ويجب أن يطوى ملفها نهائياً ومعالجة كل تداعيات هذه الحرب بكل مسؤولية وشجاعة، فبقاء اليمن موحداً ونقياً من الاحتقانات الداخلية هو مشروعنا الكبير للانطلاق نحو المستقبل الواعد والمزدهر.

إن 17 عاماً من عمر الوحدة اليمنية كافية لأن يتم بعدها تقوية الاعوجاجات والتخلص من عقدة الانتقامات المادية والنفسية وإحلال ثقافة العفو والتسامح مكان الغل والتربص وتعويض كل المظلومين وعودة كافة المسرحين من الموظفين المدنيين والعسكريين إلى أعمالهم وإعطاء المتقاعدين كل الحقوق التي كفلها الدستور وضمان تحسين أوضاعهم المعيشية فهؤلاء وقبل كل شيء ممن خدموا البلاد وعلى هذه البلاد أن لا تغمط حقوقهم المشروعة وتعمل على تحسين أوضاعهم المعيشية. إننا عندما نشاهد ونسمع عن اعتصامات ومسيرات احتجاج للمتقاعدين الحقيقيين أو الذين تم رميهم قسراً إلى رصيف البطالة بفعل تداعيات حرب 1994م وفي مناطق محددة من البلاد يتبادر إلى ذهننا أن المواطنة المتساوية مازالت مسألة فيها نظر، وعندما نسمع أن هناك 17 منظمة شكلها هؤلاء المتقاعدون والمسرحون لمتابعة قضاياهم وتسوية أوضاعهم لدى الجهات الرسمية نتأكد أن الأمر بلغ مداه من الحيف والتعسف.

إننا في مناسبة وطنية هامة تسمح لنا أن نشير أن البلاد ليست بحاجة إلى مشاكل إضافية، فأوضاعنا الاقتصادية والاجتماعية في غاية الصعوبة ينبغى التفرغ لمعالجتها، خاصة إذا عرفنا أن المشاكل القائمة في محافظة صعدة والتي نتمنى أن تزول قريباً قد ضاعفت من أوجاعنا، هذا من جهة، ومن جهة أخرى فالبلاد مقبلة على وعود عربية وأجنبية للاستثمار فيها وتحريك عجلة الاقتصاد إلى الأمام للمساعدة في القضاء على فجوة البطالة والفقر التي باتت هما كبيراً على الدولة والمجتمع، كما يجب أن يعرف الجميع أن المستثمرين الذين سيأتون إلينا لن يقدموا على شيء قبل التأكد من إيجابية الوضع الداخلي وسلامة البيئة الاستثمارية ونفاذ قوة القانون حتى يدفعوا بأموالهم وهم مطمئنون. فأول الدهر باكر كما يقول المثل، ونحتاج فقط إلى ذهنية سياسية صحية تتعامل مع الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية بكل ذكاء والحد من تفاقمها والتي بالتالي قد تؤدي إلى تهديد البلد بكامله. فنحن نريد - وهذا من حقنا كمواطنين ينتمون إلى هذا البلد العزيز - وحدة مفروش طريقها بالورود والأمنيات الخضر تجعل من اليمن عنوان المحبة والتفاهم مسيّجة بقيم العدالة وسيادة القانون، ولا نريدها وحدة شكلية محاطة بالطحالب والأشواك.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى