في ساحة العروض..

> فضل النقيب:

>
فضل النقيب
فضل النقيب
بعد أن اشتريت رطلين من الدم في مستطيل الدكاكين الوسطى مقابل ساحة العروض بخور مكسر رأيت شخصاً أشعث أغبر بعيني نمس لا يمكن لأي شخص في مرماهما أن يفلت منه، فلما اقترب كالقضاء المستعجل تبينت فيه هيئة زميل قديم كان يلعب بالبيضة والحجر أيام اللولبو ويهز ذوي الصولجان من أصحاب الشوارب، قال لي: حق الغداء؟ قلت: العب غيرها، ضحك ببراءة طفل شقي وممرور، قال: طيب حق القات، قلت: لا يجوز شرعاً، قال: طيب حق الزمالة، قلت: معي أربعمائة، خذ مائتين وخلي لي مائتين، قال: أنت طفران مش معقول! قلت أصلي اشتريت رطلين دم لزوم الإنسانية، ابعد عني يا أخي وهذا فراق بيني وبينك، وبعد اليوم «لا ضرر ولا ضرار».

أما قصة الدم فقد كنت أنتظر زميلي علي صالح محمد في سيارته وقد أغلقت الزجاج في وجه التحالف الصومالي اليمني المشترك على باب الله.. يارب يا كريم، وقد قدمت إخواننا القادمين عبر البحار لأنهم يمثلون الأغلبية، وقد تقاسموا الساحات الثلاث، يا قاتل يا مقتول، وفجأة وجدت من يدق النافذة بثقة ووجه مشرق لم أشك لحظة أنه سيهدي إلي شيئاً، وقد أنزلت الزجاج فأخذ يقبل رأسي بحرارة، وأي خدمة ياعم فضل، أنا من قراء مقالاتك، يعني تقدر تقول مدمن، المهم غمرني بالثناء حتى خجلت ولم أعد أستطيع الرد كمن وقع في فخ. أحاول أن أتذكر، فتأبى الذاكرة وهو وسيم قسيم ممتلئ على عكس زميلي الشاحب الممرور الذي اختفى كما ظهر كأنما ابتلعته الأرض، قلت: يا أخي ذكرني، عيني ملآنة، بس ناسي الاسم، قال: أنا فلان يا عم، أيش ناسيني (لم أسمع بهذا الاسم أبداً)، وبالمناسبة أضاف: الوزير يسلم عليك كثير، وهو نازل في الشيراتون، يا أستاذ هذا رجل طيب ويجيب سيرتك بالخير باستمرار، والله ذكرك زي المسك عنده. كبرت سبلتي كما يقولون قلت له: سلم لي عليه، بوِّس لي عينيه، وقل له إني ببوِّس عينيه على رأي فيروز، قال أنا مرافقه ولا أفارقه، ثم غمزني بعينه وهو يقول: أي حاجة تريدها منه أنا حاضر، بس كلمني، التوقيع والختم في جيبي لأنه ما يرد لي طلب. قلت له: شكراً جزيلاً، ما تقصر ابن أصول. قال: ما باركت لي ياعم فضل، قلت: مبروك، بس على أيش؟ قال: اليوم جابت زوجتي توأم، رزق من الله على وجهك الطيب يا أستاذ. قلت: ألف مبروك، يتربى التوم في عزك، ومن مواليد السلامة إن شاء الله، قال وقد كسى وجهه بمسحة الحزن: بس المستشفى طلبوا مني ستة أرطال دم، وقد أكرمني معالي الوزير بقيمة أربعة، ولما شفتك قلت والله ما أطلب من أحد غير من عمي فضل، قلت لنفسي: جاك الموت يا تارك الصلاة، وبكم الرطلين؟ قال: بثمانية آلاف وتسعمائة وعشرة ريال.. يعني حبكت على العشرة لزوم الدقة، أقسم بالله أنه لن يأخذ ريالا واحداً أكثر من المبلغ المحدد، قلت له: ولكنني لا أملك هذا المبلغ الكبير، وهنا وصل زميلي يحمل باكت المناديل الذي أوقعني في شباك ساحة النسور، قلت لصديقي على صالح محمد: «تحركش»، أخرج نقوده وأنا أعد للرجل الذي وضع الربطة تحت الحزام وأسرع حتى دون أن يشكرني، قال زميلي: سداد دين أو قيمة مشتريات، قلت: قيمة رطلين دم والعوض على الله، قال: أيش ما تعرفه؟ كل يوم وهو في هذه الساحة يتصيد عباد الله.. وين نباهتك وفراستك يابن النقيب، قلت له: أعمى وأهبل وكمان فقدت القدرة على التمييز والقدرة على المقاومة، سألت عن الوزير في الشيراتون، فقال لي صاحب الاستقبال وهو يضحك ساخراً: ما فيش عندنا وزراء، كلهم في صنعاء على قدم وساق، قلت: ومرافق الوزير؟ قال: أيش تخطرش. استأذنت صاحبي دقيقتين با أدخل المكتبة بلا سبب إلا مداراة القرف والضيق، وكانت فقيرة جداً في الكتب، والقليل العتيق الموجود عليه من التراب مثل وزنه، لا أحد يشتري الكتاب في ساحة العروض، ولكن ما وجدته كان كنزاً بالنسبة لي: كتاب نقدي عن الثقافة اليمنية لعبدالرحمن فخري مطبوع عام 83 م وكتاب مترجم عن الروسية لأستاذنا عمرالجاوي ومجموعة قصصية للمبدع أحمد محفوظ عمر. كم الثمن يا أخي؟ قال: رخيص بـ 140 ريالا، قلت له: ورطل الدم بكم؟ نظر إلي كمن ينظر إلى مجنون وهو يستلم المائتين، وقد لحقني إلى السيارة لإعطائي الباقي!

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى