دعوة مفتوحة للنقاش في قضايا الوطن الراهنة وتحديات المستقبل

> د. محمد عبدالهادي:

> لقد أصبح الخوف من الماضي عند التفكير بصوت عال، وصرنا اليوم قادرين على قول ما نريد علنا، ونفكر كما نشاء ونصل بصوتنا إلى أي مكان دون خوف، هذه المساحة المتاحة من حرية الرأي ما كان لها أن تتحقق لولا الإصرار والاستمرار في التحدي لانتزاع هذا الحق ولو بحدوده الدنيا.

وعندما نطرح دعوة للنقاش والحوار المفتوح حول قضايا الوطن الراهنة وتحديات المستقبل، فإننا نعني بذلك الحوار البناء المجدي المساهم في التشخيص الموضوعي للمشكلات وبالحلول العقلانية التي تستند إلى المنطق وحيثيات الواقع بتجلياته وإرهاصاته.

حوار موضوعي يبتعد من التشنج وحساسيات وحسابات ورواسب الماضي والمصالح والنفعية الشخصية والقبلية والمناطقية والقروية، والتأثيرات الحزبية السياسية والايديولوجية التي تعيق وتقيد حرية التفكير وتقلص وتؤثر في مساحة الرأي الحر والحوار العقلاني.

ومن هنا جاءت الدعوة لسبب الحاجة لنقاش مفعم بالمصارحة والمكاشفة والشفافية، لأننا أحوج إلى هذا النوع من حوار العقل والمنطق وللأصوات والأقلام الوطنية لملامسة الإشكاليات الرئيسة التي يواجهها الوطن والتحديات التي تتجاوز في جسامتها كل منعطفات المراحل الماضية.

والحقيقة أن الارتهان للظروف في ظل المعطيات القائمة للقضايا السياسية والاقتصادية تحديدا دون معالجتها ببصيرة وحنكة وتوافق واجماع، والقفز على الواقع بتأجيلها أو ترحيلها، يعني استغفالا للعقل والضمير الوطني وحقائق الواقع والتاريخ، فالاستمرار في ذلك سيقود إلى نتيجة كارثية وسوداوية.

فالمعروف أن الحكم الرشيد ومفاهيم السياسة والاقتصاد المتجددة وتوابعها في ظل العولمة فرضت على النظم السياسية ممارسة نهج جديد عند التعاطي مع القضايا الخارجية والداخلية، بحيث يتم إشراك كافة القوى السياسية والاجتماعية في تحديد المسارات واتخاذ القرارات والمشاركة في تنفيذها، دون استفراد قوى معينة بالقرار لوحدها واحتكار السلطة والادعاء في امتلاك الحقيقة والوطنية والتشكيك بالآخرين، وهذا ما يحدث عادة في ظل غياب التمثيل الفعلي للقوى الأخرى في هيئات الدولة التشريعية والرقابية على وجه الخصوص.

ومن هنا فإن التعبير الحر والنقاش الهادف في جوهر إشكاليات قضايا الوطن يأتي من منطلق الحرص كل الحرص على تجاوز المخاطر والإسهام في بلورة رؤى واستراتيجيات واضحة المعالم والأهداف كتعويض عن الحاجة (لمراكز دراسات وأبحاث علمية حقيقية تمتلك رؤى مستقبلية - تفتقر لها بلادنا) والتي سيكون لها الأثر في تعزيز روح الانتماء الوطني الأوسع وترسيخ القناعة لوفاق وطني شامل يؤمن المصالح في إطار مؤسسات ومنظومة مرتكزاتها السلم الاجتماعي والمشاركة السياسية الواسعة بألوان متعددة من الطيف السياسي وفي مناخات وطنية تحكمها العدالة والمساواة بعيدة عن قانون الغاب والاستقواء والاستعلاء.

واليوم نحن نحتفي بالعيد السابع عشر للوحدة اليمنية المباركة، تفرض علينا أوضاعنا الوقوف أمام الأجندة الوطنية كمرحلة تقييم ومراجعة، نستعرض مسيرتنا الوطنية بتحدٍ واعتزاز لتجاوز السلبيات التي أضرت بالنسيج الوطني والاجتماعي وبالتنمية البشرية والإصلاحات الاقتصادية والسياسية وأعاقت النهوض والتفاعل السياسي والحزبي الأوسع وبالتالي تأخير تحقيق المشروع التحديثي للدولة والمجتمع.

وفي ضوء ذلك فالأصوات الوطنية والقوى الخيرة والأقلام الشريفة عندما تتناول علناً قضايا مرتبطة بأوضاع الناس المعيشية المتردية وازدياد أعداد العاطلين عن العمل واتساع دائرة الفساد والمطالبة بمحاسبة الرؤوس الفاسدة وتطبيق النظام والقانون على الجميع وكبح جماح الخارجين والمارقين عليه وإيقاف نهب الأراضي والاتجار بها والتعاطي مع خطاب إعلام واقعي بعيداً عن المغالاة يسهم في معالجة وملامسة قضايا الناس اليومية ويتعاطى معها، لا صب الزيت على النار وتجميل صورة مغايرة للواقع وإلحاق الأذى بأصحاب الرأي والكلمة المعبرة عن نبض الأمة، إلى جانب القضايا الأخرى المرتبطة بالتنمية المتساوية للمحافظات وبحسب أهميتها الاقتصادية والسياسية وإعادة النظر بالسياسة التعليمية الراهنة التي تعيق من تطور المجتمع وتوسيع دائرة المشاركة الشعبية وتعزيز دور النقابات والمنظمات ومؤسسات المجتمع المدني، هذه قضايا يجب أن تكون محل التقاء لا اختلاف لأن المتفقين عليها هم كالقابضون على جمرة من نار خوفاً على الوطن ومصيره. فالتباين والاختلاف في الرأي يعزز من الوحدة الوطنية ويعمق من مضامين الوحدة اليمنية وسياجها، فاختلاف وتباين اليمنيين في قضاياهم كـان دومـاً ينـبع من الحرص على اليمن ووحدته.

فالنقاش والحوار الهادئ الناضج الواعي المتزن والقبول بالرأي والرأي الآخر داخل كل المؤسسات حكومية، حزبية، اجتماعية وشعبية سيخفف من حدة الاحتقان وسيمنع من تفاقم المشكلات والصراعات وسيفوت الفرصة على المتربصين والمنتفعين والمتاجرين والمزايدين باسم الوحدة والوطنية، وسيؤسس لنمط جديد من العلاقات تحكمها مبادئ الاحترام النابع من الهم والجهد المشترك المقرون بالواقعية ومحاذير شروط اللعبة ومكامن المخاطر والانزلاق.

فالدعوة إلى النقاش تهدف إلى استنهاض الوعي بآفاق ورؤى متجددة تنبع من التفكير العقلاني والشعور المفعم بالأهمية الوطنية والتاريخية للسير مع الوطن لاجتياز تحدياته الراهنة واللاحقة.

فاختيارنا لصحيفة «الأيام« الأوسع انتشاراً لإطلاق هذه الدعوة الصادقة - وهي ليست الأولى فقد تناولت الصحيفة دعوات كثيرة من هذا النوع - ينبع من الدور الصادق لصحيفة «الأيام» المعبرة عن قضايا الناس وهمومهم ومن التزامها المهني في التعاطي مع الآراء والمقترحات بغض النظر عن التباين والاختلاف.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى