مركزية المدير وإذلال المواطنين

> بلال غلام حسين:

> منذ الوهلة الأولى سوف يجد القارئ بأن عنوان المقال غريب، ولكن عندما نغوص في أعماق الموضوع سوف تتبين لنا حقائق ومعنى الموضوع. هذا الموضوع خاص بما يجري في دوائرنا الحكومية بجميع فروعها، وماذا يحصل فيها، وكيفية التعامل مع المواطنين المغلوبين على أمرهم وسوف تكون هناك مقارنة مع دول أخرى، رغم أنه لا تجوز المقارنة وأنا أقول لماذا لا ألسنا بشرا مثلهم؟ لنرى كيفية التعامل مع المواطنين في بلدنا وبلدانهم.

في جميع الدوائر الحكومية والشركات الخاصة في تلك الدول المتقدمة بفروعها في جميع المحافظات والمراكز توجد لكل دائرة حكومية قوانين وبنود خاصة بها تنطلق منها استراتيجيتها في التعامل مع المواطنين أو مع نظيراتها من الدوائر الأخرى، ويتم تنفيذها من قبل الموظفين دون الرجوع إلى المدير إلا في حالات نادرة ومستعصية، كون الموظف ينفذ أو يتعامل مع معاملات المواطنين في إطار قوانين شرعت لهذا المرفق أو ذاك، وعمل مدير تلك الدائرة ينحصر في التأكد من أن موظفيه ينفذون سياسية هذا المرفق والاجتماعات ، وسياسة الضبط والربط.

سوف أسرد لكم مثالاً يسيراً كي تتضح الصورة:

أثناء عملي في بريطانيا ضابط تحقيق في قضايا اللجوء السياسي في دائرة الهجرة والجنسية البريطانية، كانت جميع القرارات والمراسلات مع الدوائر أو الأفراد من المواطنين أو الموظفين في الدوائر الأخرى التي أتخذها كان اسمي وتوقيعي يوضع على جميع الرسائل التي تخص معاملة أو قضية بذاتها ويكتب تحت توقيعي بالبنط العريض، عن وزير الداخلية. بالمعنى الآخر جميع موظفي دائرة الهجرة والجنسية البريطانية الذين هم ضباط تحقيق أو موظفون إداريون أو ضباط جوازات مخولون باتخاذ القرارات والتوقيع عن وزير الداخلية البريطاني ولسبب واحد لأن هناك قوانين وبنود شرعت لهم، من خلالها يعمل الموظف على اتخاذ القرار في معاملة ما دون الرجوع إلى مديره وهذه القوانين تضبط عمل هذا الموظف وتجيز له اتخاذ القرار والتوقيع عليه.

ومثال آخر لما يحصل في دوائرنا من إذلال للمواطن الذي أتى لإنجاز معاملة ما في مرفق من المرافق:

1- لا يستطيع أي موظف البدء بأي معاملة طالما لا يوجد في المعاملة توقيع المدير بالبدء في المعاملة، وفي هذه الحالة على المواطن الانتظار حتى يصل المدير وأحياناً لا يأتي المدير لأنه في اجتماع ما أو في سفر وإن أتى لا يريد مقابلة المواطنين لسبب ما. وعلى المواطن الانتظار لفترة تصل أحياناً إلى أسبوع.

2- رغم وجود نائب للمدير في تلك الدائرة لكن لا تخول له صلاحيات بالتوقيع أو اتخاذ القرار لسبب ما لا نعرفه، وهذا حصل معي في إحدى معاملاتي في إحدى تلك الدوائر، وأن المدير يأخذ الختم معه. فلا تنجز معاملة ولا يبت في قضية حتى يصل المدير وبذلك تتراكم الملفات والمعاملات وتحصل العشوائية في العمل ومخالفة القوانين من قبل المواطن والموظف، وهذا هو سبب الفساد المستشري في بلدنا من رشوة وإذلال للمواطنين، ونحن نتكلم ونطالب بالحد من المركزية دون معالجة واقع الفساد في تلك الدوائر.

نحن نرجو والفئة الغالبة من هذا الشعب ترجو أن يتبدل الحال في هذه المرافق وأن يتخذ الوزراء المعنيون الإجراءات اللازمة لضبط هذه القوانين ومراجعة المركزية القاسية من قبل المديرين واستبدال المكاتب المفتوحة بها، ومحاسبة الموظفين على فسادهم وأخطائهم وليس ترقيتهم كما اعتدنا. لماذا لا تنظم المسألة وتعطى صلاحيات لموظفي تلك الدوائر لإنجاز المعاملات دون الرجوع إلى المدير في إطار تشريعات لكل دائرة على حدة؟ يجب أن يعلم هذا المسؤول بأنه خادم وليس مالكاً لهذا الكرسي وأنه لو دام لغيره ما وصل إليه، وأنه محاسب أمام الله فليرجع إلى نفسه وليتق الله في هؤلاء البشر الذين لا حول لهم ولا قوة قبل فوات الأوان.. والأمثلة كثيرة لما حصل لمسؤولين وموظفين وقعوا في الأخطاء نفسها ولكن بعد فوات الأوان.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى