اعتصامات المتقاعدين العسكريين والأمنيين : لا دخان من دون نار

> اللواء ركن متقاعد/ خالد أبوبكر باراس:

> إن الاعتصامات التي عمت عواصم المحافظات الجنوبية والعديد من مديرياتها، ليست عبثاً ولم تأت من فراغ، ولم تكن بدايتها دون مقدمات، والأمر ذاته بالنسبة لتأسيس الجمعيات الخاصة بالمتقاعدين العسكريين والأمنيين. لقد حاول هؤلاء الرجال، ومن بينهم قيادات عسكرية وأمنية بارزة لها إسهاماتها في بناء المؤسسات العسكرية والأمنية قبل الوحدة وبعد قيامها، إيصال أصواتهم وتظلماتهم إلى الجهات المعنية، فلم تلق محاولاتهم تلك آذاناً صاغية. وهكذا كنت أعتقد شخصياً، أي أن قيادات المؤسسات العسكرية والأمنية مشغولة بما هو أهم من تظلمات وشكاوى المتقاعدين. ولم يخطر ببالي قط أن هناك موقفاً آخر بعيداً عن كون المشكلة هي مشكلة حقوق قانونية أو كما يقال «إن الذي في الشبك أكبر من الوعل». الآن فقط تأكدت أننا لا نزال نلف وندور في الدوامة نفسها التي كنا نظن أننا قد خرجنا منها. أن تنعكس عقد الماضي ومآسيه حتى على مسائل كالمعاشات والحقوق المكتسبة بقوة القانون، فإن المصيبة عظيمة. فبعد تصريح الأخ وزير الدفاع اللواء ركن محمد ناصر أحمد لموقع 26 سبتمبر يمكن أن نعي حقيقة تجاهل الوزارة لما يشكو منه المتقاعدون من القوات المسلحة، وبقاء هذه المشكلة بلا حل لهذه الفترة الطويلة.

ومع كل الاحترام والتقدير للأخ اللواء الركن محمد ناصر أحمد وزير الدفاع، فإني مقتنع أن هناك تعسفاً قد لقيه عدد كبير من الضباط وأن حقوقاً مشروعة يكفلها القانون لم يحصل عليها البعض، وأن العديد من الأخطاء تحدث هناك في الأطر الدنيا المسؤولة مباشرة عن التعامل مع المتقاعدين، يمكن اعتبار بعضها أخطاء غير مقصودة ناتجة عن اجتهادات قاصرة لتفسير مواد وفقرات القانون، وبعضها الآخر ليست بعيدة عن تصفية حسابات شخصية قديمة أو على الأقل مجرد استغفال واستخفاف بالعقول.

والآن ونحن نسعى إلى حل نهائي لمشكلة قد وصلت إلى هذا الحد من التعقيد بسبب إهمالها وتجاهلها افتراضاً، ما علينا في تقديري إلا الإسراع في تنفيذ توجيهات فخامة رئيس الجمهورية القائد الأعلى للقوات المسلحة حفظه الله، حيث وجه أن تحل هذه المشكلة وفقاً للقانون. وأنا واثق وفقاً لاطلاعي ومعرفتي الشخصية بالكثيرين من الإخوة المتقاعدين، أنهم لا يسعون إلا لنيل ما يستحقونه وفقاً للقانون، ويكنون كل الحب والتقدير والوفاء لمؤسساتهم العسكرية والأمنية التي قضوا فيها أعز أيام حياتهم، وساهموا في بنائها خلال كل المراحل.

كما لا تنسى وجود تباين واضح فيما يتعلق بشمول مطالب المتقاعدين لهم جميعاً دون استثناء. فليس مثلاً أن الجميع قد أحيلوا للتقاعد خلافاً للقانون، أو لم يحصلوا على الترقيات المستحقة عند التقاعد، وليس جميعهم لم تحتسب لهم سنوات الخدمة وفقاً للقانون، وأمثلة أخرى مثل مكافأة نهاية الخدمة التي شمل احتسابها الخاطئ معظم المتقاعدين إن لم يكن جميعهم. إذن فالمسألة ليست بسيطة وحلها جذرياً يتطلب وقفة جدية أساسها النية الصادقة المجردة التي تهدف إلى إعطاء الحقوق لأصحابها، وفي الوقت نفسه مواجهة من لا حقوق له بالحقيقة المسنودة بالمواد القانونية. وعلى هذا الأساس سيتم الفرز وستقطع الطرق على من يحاول استغلال معاناة المتقاعدين وآلامهم لأهداف أخرى إذا افترضنا وجود مثل هؤلاء. ولكن المؤكد هو أن المتقاعدين يعيشون مـأساة حقيقية وخاصة أولئك الذين أحيلوا للتقاعد قبل تفعيل ما سمي بهيكله الأجور ولا أعتقد أن هناك من يجهل هذه الحقيقة. وعلى أية حال فإن الإسراع في وضع حد نهائي لهذه المشكلة ومعاناة هؤلاء الرجال الأوفياء الذين يسددون اليوم فواتير النزاهة والأمانة التي صانوها خلال فترة خدماتهم وغادروا وظائفهم وأياديهم نظيفة بيضاء لا يملكون إلا معاشاتهم التقاعدية الهزيلة وهي تتناقص من حيث قيمتها مع كل ارتفاع للأسعار.

أخيراً كلمة لابد منها، وهي أن المتقاعدين العسكريين والأمنيين في جميع بلاد العالم، يعتبرون الوجه الآخر للعملة نفسها، فهم الوجه الآخر للمؤسسات التي عملوا فيها، فعزتهم وكرامتهم جزء لا يتجزأ من عزة تلك المؤسسات وكرامتها. فكما هي أوضاعهم وأحوالهم، تكون نظرة المجتمع لتلك المؤسسات أيضاً. وعليه لا يمكن أن تتنصل تلك المؤسسات من مسؤوليتها تجاه المتقاعدين وما آلت إليه أحوالهم. فالعناية بهم وأسرهم واجب يجب أن تقوم به هذه المؤسسات الوطنية الكبرى، مهما كانت الظروف وشحة الإمكانيات. فأحوال المتقاعدين هؤلاء اليوم ومستوى معيشتهم يرثى لها، ومن يلم بها ويطلع على ما هم فيه لن يلومهم إذا هم واصلوا اعتصاماتهم ورفعوا أصواتهم حتى إلى درجة الصراخ، بل سيتعاطف معهم ويلقي اللوم على من تجاهل مطالبهم مهما كانت أسباب ذلك التجاهل والإهمال. ومرة أخرى أكرر القول إنه لا بديل للإسراع في تنفيذ توجيهات فخامة رئيس الجمهورية القائد الأعلى للقوات المسلحة. فالمثل الشعبي يقول «إن الفتيت على الجيعان بطيء»

مستشار وزير الدفاع سابقاً

عضو أول مجلس نواب لليمن الموحد

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى