بعد الحادث..

> «الأيام» عبدالله سنجل:

> كان عائداً من مدرسته يقود دراجته الهوائية.. يطوي خط الأسفلت وعيناه تدوران في جميع الاتجاهات بحثاً عن أي شي مفاجئ.. فقد كان أبوه يحدثه دائماً عن أشياء طمرت حياتنا.. القات.. السيسبان.. الاستهتار.. وكان دائماً برسم له طريقه في الذهاب والمجيء من المدرسة، ويرفع في وجهه سيلاً من اللاءات.. يتذكر أباه كل يوم وهو عائد من مدرسته.. ولكن في تلك اللحظة وهو يهم بالولوج في مدخل الطريق الترابي المؤدي إلى قريته توقف فجأة.. كل شيء يخطر في باله.. اقتربت منه سيارة من عشرات السيارات المستهترة.. كان سائقها يتسابق مع كل شيء حوله، وينفذ بسيارته من أي جهة.. اقترب من سائق الدراجة.. تلعثم.. تناثر القات من فيه وهو وهو يصرخ لسائق السيارة.. يا حمار ابعد.

توقف كل شيء في تلك اللحظة إلا عجلات سيارته المهووسة.. فقد ارتطمت بتلك الدراجة وبغثرت كل شيء في كل الاتجاهات.. تطايرت الأوراق.. وتطاير الجسم الآدمي الضعيف.. وتطايرت الدراجة واختلطت كل هذه الاشياء بكومة ترابية غطت كل شيء إلا صرخته المفجعة وهو يرتطم بالسيارة.هرع الناس الموجودون في ذلك المكان ليروا الحادث.. تكومت كومة آدمية في لحظة.. كانت كل العيون تنظر مذهولة.. كل الأفواه تصرخ.. يتطاول الفضول فوق الرؤوس.. وترسم الوجوه عشرات من علامات الاستفهام الباحثة عن أجوبة.

يصرخ أحدهم:
- الولد ينزف أنقذوه.
يصرخ آخر:
- اتصلوا بالشرطة.
تتداخل الأصوات والآراء لتصبح همهمات وتمتمات مزعجة.
ازدادت الكومة الآدمية حتى أصبح ذلك المكان لا يطاق.. الجميع كان يود رؤية ذلك الولد وهو مسجى على الارض ينزف آخر قطرات حياته.. لم يجرؤ أحد على أخذه إلى سيارته محاولاً إنقاذه.. أو قد يكون الجميع مذهولين لا يقوون على شيء الا تلك النظرات الفضولية التي تعيق كل شيء.
يصرخ شاب آخر في الطرف الثاني:
- من الغلطان.. ياناس من شاف الحادث .
يهمس البعض إلى جواره.. صاحب السيارة مجنون.. مخزن.. لا يرى شيئاً سوى فمه المنتفخ. يخرج سائق السيارة من سيارته غير عابئ بمن حوله يلوك في فمه أوراق القات ثم يصرخ بصوت كآلة حادة.
- ياناس.. الولد غلطان.. أنا ماشي في طريقي.
يهمهم البعض ويتمتم ثم يرتفع صوت أحد الحاضرين:
- حـرام علـيك أنت مسـرع وتـجاوزت غلط.
يرمق صاحب السيارة ذلك المتحدث بنظرات كالسكين فيتوارى خوفاً من تلك النظرات الشيطانية.. يصرخ آخر:
- الشرطة جات.. بعدوا ياناس.
يقترب رجل الشرطة من كومة المتحلقين..ويصرخ.
- ياناس يكفي من فضول.. حد شاف الحادث ينتظر عشان نأخذ أقواله.. ما شفتوا شيء الله يسهل عليكم..
يقترب رجل الشرطة يتفحص الأشياء المتناثرة في ذلك المكان.. يقترب من ذلك الشاب الغارق في دمه.. يتفحصه.. ثم يهمس لمن حوله.
- الولد مات!!
تتقهقر الأقدام.. يبدأ هدير المحركات يتصاعد.. يمضى الجميع إلى بيوتهم بعد صاغوا في أذهانهم قصة الحادث ليتسامروا على تفاصيلها ليلاً.
يبحث رجل الشرطة بين الباقين المتحلقين حوله ليشهدوا على كيفية وقوع الحادث فيؤكد له الجميع أنهم أتوا إلى المكان بعد وقوع الحادث.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى