سالم علي قال:نفحات من أشعار سالم علي عمر المحبوش حققها في كتاب الدكتور علي صالح الخلاقي

> «الأيام» علي محمد يحيى:

> أهداني مشكوراً مؤخراً كما عهدته في إهداءاته السابقة دوماً مع كل مؤلفاته البحثية في تاريج تراثنا الشعبي ما بين جامع ومحقق وهي كثيرة، أهداني الأستاذ الدكتور علي صالح الخلاقي، نائب عميد كلية التربية بيافع، المحاضر في التاريخ الإسلامي بجامعة عدن، أحدث كتاب صدر له مؤخراً، وقد جمع فيه وقدم وحقق عن الشاعر الشعبي اليافعي سالم علي عمر المحبوش أحد كبار شعراء يافع الشعبيين الذي عاش ما بين عامي 1838و1926 عن عمر قارب التسعين عاماً في كتاب أسماه «سالم علي قال». وسالم على شاعرنا هذا مثله مثل كل شعراء يافع الكبار الذين لم يخبُ يوماً وهج شهرتهم ومكانتهم لما على ألسنة الناس في مناطق يافع وما حواليها من المناطق من الكثير من شعرهم الحكمي وتراثهم الذي هو في الأصل حكمة وافتخار وشجاعة ونسب وفي الوقت ذاته تاريخ الكثير من الأحداث والمناسبات. هذا التاريخ (الشعري) الذي بدأ توثيقه منذ زمن شاعر يافع الأكبر أبي معجب يحيى عمر قبل ما يزيد على ثلاثمائة عام وربما من قبل ذلك.

سالم علي، كما يصفه الدكتور الخلاقي بأنه عاش أوضاعاً كان الزمن فيها متثاقلاً بإيقاع حركته ورتيباً في تطوره ليس في يافع وحدها بل وعلى مستوى اليمن عموماً.. فكأنما تجمدت الحياة عند مستوى معين من العزلة والركود والصراع القبلي.. وكان شاعرنا ابن بيئته، فاستمد من الجبال شموخها وصلابتها ومن الوسط الاجتماعي الحكمة والصبر والجلادة. وكان شعره صدى لكل ذلك الواقع المشحون بالأحداث والاضطرابات والفتن القبلية وعكس فيه تلك الأحداث وصور الحياة اليومية، ودعا إلى السلم الاجتماعي والأخذ بالقيم وبالتقاليد النبيلة.

وقد عاصر شاعرنا سالم علي الشاعر الشهير صالح سند الذي كان يكبره قليلاً وتأثر به في نزعته الوجدانية ذات الصبغة الصوفية كما يفسرها الدكتور الخلاقي تلك التي طبعت شعره، حتى أصبح مشابهاً لشعر سند مما صعب على البعض التمييز بين بعض قصائد هذين الشاعرين أو الأبيات الحكمية المنسوبة إليهما، ربما لتقارب أسلوبهما الشعري، وانتشار قصائدهما وتداولها شفاهة في مناطق كثيرة تبعد عن مسقط رأسيهما حسب رأي الدكتور علي الخلاقي مؤكداً ذلك التشابه والخلط بين تراث الشاعرين إلى الحد الذي رأى فيه الأستاذ الدكتور علامة عدم الرضى بادية على وجه نجل الشاعر قاسم عوض المحبوش - محمد - الذي يعتقد أن إحدى القصائد المشهورة التي حققها د. الخلاقي في كتابه «صالح سند خير من نشد» والتي مطلعها يقول:

يقول الفتى صالح سند خير من نشد

ولو قال شرّف ما يقوله ونَوْمَسَه

طرحت اعشرة قيفان تي الباني الأكد

ولايبني إلا بالحجار المجانسه

أنها لجده سالم علي (عم والده) حينها أوضح د. الخلاقي ما التبس من الأمر وأنه لم ينسبها جزافاً لصالح سند بل بعد أن تحقق من أسلوبه ونفسه الشعري وكلماته المألوفة في بقية قصائده إضافة إلى أنه حصل عليها ضمن بقية ثراث صالح سند الذي أمد المحقق به الشاعر منصر حسين السقاف، أحد أقرباء سند.

من شعره الحكمي يقول شاعرنا سالم على في قصيدته «لا تستمع قط من جاء بالغلط»:

تبديت بالرحمن، ما قدّره فكان

وله كل ساعة شان، وهو العالم العليم

وهو ذي خلق لنسان لمحنه وامتحان

بفضلك لعا يهتان، كن به شفق رحيم

وذي سوّس الدنيا وهو ذي بها اعتنى

وذي ثقّل المبنى على الشامخ الجسيم

وذي سوّس الميثار بنيها بلا حجار

ولا اهتز قرن الثور نسمع لها دكيم

يقول في القصيدة نفسها:

وساري سراء لا سدرة المنتهى انتهى

ونور البهاء ذي حدّثه قبل لا ينيم

إلى أن يقول:

ولا تستمع حد قط من جاء بالغلط

وتحنق وتتحشرط على المايل الغشيم

بعلم اليقين اتيقنه قبل ذي السنة

ولا اتمحّنه ولا ابتله قبْتلي تميم

وهكذا يسير نسق القصيدة بالحكمة والموعظة إلى أن ينهيها بالاستغفار والصلاة على النبي (المحبوب ماهز بالهبوب) إلى نهاية البيت.

وقد احتوى الكتاب على تسع عشرة قصيدة محققة تفاوتت مساحتها ما بين المتوسطة والطويلة نوعاً ما، ذيلت معظم صفحاتها بشرح واف للكثير من مفردات العامية اليافعية مما يسهل على غير أبناء مناطق فهم مضمون هذه الأشعار والاستمتاع فيما يعرض فيها الشاعر من موضوعات بطريقة سلسلة تتوافق مع ذائقة المتلقين على حد تعبير المؤلف.

ولا أجد نفسي في نهاية هذا التعرّض الموجز لكتاب «سالم على قال» إلا أن أحيي بكل تبجيل وتقدير الأستاذ الدكتور على صالح الخلاقي مؤلف ومقدم هذا الكتاب لجهده في الجمع والتحقيق في مادته بكل أمانة ودقة وثراء في شرح أدق التفاصيل وأوفاها التي جاءت في مقدمته عن هذا الشاعر الشعبي الفذ سالم علي.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى