مَحَلّي المكلا (مِحِلّي)

> صالح حسين الفردي:

> كثيراً ما كتبنا عن بعض الظواهر التي غزت سكينة المدينة العريقة الهادئة، مدينة الرقي والتنوع الذي تفرضه على القادم إليها منذ زمن بعيد، وتجعله مكلاوياً لصيقاً بها في كل خطوه اليومي، ومسلكه الحياتي، وفي السنوات القريبة برزت على سطح الحياة اليومية الكثير من من التشوهات التي أشرنا- مع غيرنا كثر- في صحيفتنا الغراء «الأيام»، إلى بعضها كظاهرة أسواق القات التي تنتشر في زوايا المدينة، مغلقة العديد منها، على مرأى من الجميع، ومنها أيضاً التشوه المعماري الذي يغزو المدينة البيضاء بطوبه الأحمر الفاقع، وكذلك التصرف بطرق غير مشروعة في الكثير من المساحات البيضاء المستحدثة إثر التوسعة في جنبات هذه المدينة، وابتعادها عن البحر الوديع، وهي المساحات التي سيطر عليها (حمران العيون) ويكفي للتدليل فقط (مساحة مدرسة الجماهير للتعليم الأساسي ومساحة الأرض المجاورة للمركز الثقافي) وهي العطية التي اتخذت من (البرتقالة) مسمى لها في الذاكرة الشعبية، وما زالت أسرارها تتداعى حتى اللحظة، في حين يحاول الكل إغلاق شفرتها (سلطة ومعارضة).

كل هذه العيوب، وغيرها التي كان يجب أن يقف أمامها (مجلس المكلا) بقوة نجده يتغافل عنها، خاصة قضية (ثانوية الميناء للبنات) وهي الوحيدة التي بنيت على جزء من مساحة ميناء المكلا القديم، مع الإبقاء على المحلات التجارية التي ما زالت قائمة وهي ضمن أراضي الوقف، التي كان يجب التعامل معها بما يخدم سكان المدينة، كأن يعهد بها إلى الأسر الفقيرة من سكان الحي، لبيع منتجاتهم اليدوية، بعد أن تحول هذه المحلات إلى سوق شعبي تراثي، يخدم السياحة، ويلبي احتياجات السياح، وكذلك ما برحت قضية النائمين كل ليلة على سطوح هذه المحلات الملاصقة للصفوف الدراسية لطالبات الثانوية غير قابلة للحل، على الرغم من خروج كل قيادات السلطة المحلية بالمحافظة، وأعضاء المجلس النيابي والمحلي، ولكن لا حياة لمن تنادي، وكل ما استطاعته هذه الشخصيات يكمن في بناء (جدار عازل) يسد الهواء عن صفوف الدرس، ويبقي على النوافذ مغلقة طيلة اليوم، وهو الأمر الذي كان يجب أن توضع له حلول غير التي وضعت، بمعالجة مشكلة العمالة التي تتخذ من هذه الأسطح مأوى لها للمبيت اليومي، كأن تغير موقع مرقدها مؤقتاً في امتداد الكبس الملاصق لمطعم السفينة، ومن ثم البحث عن مخرج يليق بهذه الشريحة المكافحة، وبما يحفظ لها كرامتها، ولكن الأهم أن لا ياتي على حساب شريحة أخرى مهمة يجب أن نهيئ لها الظروف المثلى للبقاء على مقاعد الدرس، وهذه المشكلة لا تقل خطورة وحدة عن ما تم من حصار من كل الجهات للمدرسة (الغربية 1964م) الجماهير حاليا، وجاء في وثيقتها القعيطية أن حدودها الجنوبية ملاصقة بالبحر، والشمالية (السيف) ولكن كل هذه الحدود طمرت بالاستراحة والعمارات المستفزة القانية، وغدت الجماهير تبحث عن نسمة هواء صحي، ولكن! لا مجيب، حتى أصبح الوضع غير قابل للحل، وهكذا هي كل الأمور تترك، إما بالتوطؤ، أو بالتراخي والسلبية، من قبل من يقع عليهم عبء معالجة هذه الاختلالات وفقاً وقانون السلطة المحلية الذي على إثره وصل الجميع إلى سدة القرار نيابة عن المواطن المغلوب على أمره.

ومن المؤلم، أيضاً، أن نجد البعض ممن جاءت بهم الدورة الأخيرة قد انشغلوا عن قضايا الغلاء، والفساد الإداري والمالي البغيض، ويبحثون عن قضايا هامشية ليست من الأولويات الملحة في حياة المجتمع الذي يمثلونه، فالقيمة الحقيقة للعمل النيابي تكمن في تتبع مكامن الخلل في أروقة السلطة في المقام الأول، وأظن أن مجلسنا يرى مرافق الدولة كلها تسير سيراً قانونياً، (ولونها بمبي)، لذا لم نشهد له واقعة ضد أي اختلالات واضحة للعيان، ومنها قضايا (القمامة، العشوائيات بوسط أسواق المدينة، وحفريات الصرف الصحي- المهلك -، انقطاعات الكهرباء، فواتير ثالوث الفقر: الكهرباء، الماء، الهاتف) وأكثرها ضرراً القوت، القوت، القوت، الذي وصل بالناس إلى مستنقع الجوع، وهو حال يبرر كل الانحرافات التي تتسع في شرائح المجتمع وغياب الطبقة الوسطى، فما أحوج مجلسنا إلى إدراك أولويات مجتمعه قبل الذهاب إلى التفاصيل، التي تضمحل وتتلاشى، بمجرد معالجة الكليات.

ونحن ومن على منبر «الأيام» نرسل هذه الإشارات ثانية التي تمثل النزر اليسير مما يعلمه (مجلسنا المكلاوي) الذي يجب أن يطرد الصدأ عنه، ويمارس دوره كما يجب أن يكون، وألا تحول إلى (مِحِلي) بدلاً عن (محلي).

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى