البؤساء..ألغام موقوتة

> علي صالح محمد:

>
علي صالح محمد
علي صالح محمد
لا أقصد هنا بؤساء فيكتور هيجو في روايته الشهيرة، كما لا أعني بؤساء الوطن أولئك المنتشرين في عملية مدهشة لتلقاهم في كل مربع وزاوية وحيثما تتجه أو تقف وأيديهم ممدودة تلقائياً بانتظار ما يصل إليها من صدقات، كما لا أقصد أولئك الذين انحدروا لا إرادياً من مواقعهم المعيشية المحترمة ليصبحوا في مصاف من ذكرناهم بل ينافسونهم ويتفوقون عليهم في استخدام قوة الإحراج بسبب من رصيد ماضيهم ومشاعر التعاطف لحال حاضرهم، بمن فيهم أولئك الذين يلجأون لابتداع الحيل والفنون العديدة للوصول إلى غايتهم وهم كثر، ولا أتحدث هنا عن القائمة الطويلة التي تشملها خارطة الفقر المتفاقمة للفئات الاجتماعية بما في ذلك انضمام الطبقة الوسطى ليشكلوا مع من هم دون خط الفقر أوسع الشرائح الاجتماعية في واقع اليوم .

وحين أشير إلى البؤساء هنا إنما أقصد وأعني أولئك الرجال المميزين المؤهلين الذين أفنوا حياتهم وقدموا خير عطاءاتهم من أجل خدمة الوطن والمجتمع ليجدوا أنفسهم من غير سابق إشعار في سلة الإهمال السياسي والاجتماعي المعتمد كمتقاعدين ومستغنى عن خدماتهم يجوبون الشوارع ويعتصمون في عملية استجداء اضطرارية بائسة ومذلة بحثاً عن حقوق إنسانية مصادرة، وهي المطالب المعبر عنها سلمياً وبمدنية رفيعة ومع ذلك تجد من يستكثرها عليهم ليواجههم بالرصاص وبالقمع في عملية تحد جاهلة واستهتار متعجرف بإنسانية هؤلاء ومشروعية مطالبهم كبشر ينبغي أن يكونوا في مقدمة من ترعاهم الدولة حتى مماتهم. وإذا كان هذا هو حال البؤساء الأوائل بما يمثلونه من وزن اجتماعي ليصبحوا لغماً اجتماعياً لا يجوز تجاهله أو الاستخفاف به،ك ما لا يجوز تصنيفه وتعريفه بطرق لا تنم عن الشعور بالمسؤولية، فماذا سنقول عن حال البؤساء الجدد ذلك الطابور الكبير من الشباب القادم إلى سوق البطالة وبالذات المؤهلين منهم، أولئك الحالمين أبدا بابتسامة تزين محياهم حين يستلمون أول راتب في حياتهم، ماذا نقول لهؤلاء وعنهم وهم يئنون صباحاً ومساءً من فقدان الآمال، وكيف سنفسر تصرفهم حين يتحول هذا الأنين فجأة إلى غضب لا يرحم ولسان حالهم يقول (ما للحب المسوس إلا كيال أعور) أليسوا لغماً اجتماعياً موقوتاً آخر أشد عنفواناً وأقوى تأتيراً وأكثر انتشاراً؟

وهذا ببساطة .. لأن الجوع مصدر للبؤس، والبؤس مقدمة عظيمة للغضب، والغضب عنوان للرفض والانتفاضات وإن شئت ...الثورات .

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى