اسئلة المجتمع المدني والدور في التحولات الديمقراطية

> «الأيام» عبدالباري طاهر:

> حقيقة تصل حد البداهة التلازم بين المجتمع المدني والمجتمع المديني! فإذا كان المجتمع المدني معطى من معطيات المدنية التي هي بنت تطور العمران البشري كإدراك مؤسس علم الاجتماع ابن خلدون فإن هذه المدينة هي الرحم الولود التي تناسلت منها وبها قيم الثورة والحرية والديمقراطية وإبداع القصة والمسرح والرواية.

كان للعرب كغيرهم من الأمم مدينتهم وقد أنجبت المدينة العربية حضارة إنسانية رفدت الحضارة والثقافة العالمية وأثرت فيها وتأثرت بها. لقد أنجبت المدينة العربية: بغداد، دمشق، القاهرة، فاس، تونس، صنعاء، مراكش، طرابلس، القدس ألف ليلة وليلة، والمقامة وخيال الطل وعرفت في الماضي ألواناً من التحضر والتمدن والإبداع وصل إلى مختلف مناحي الأرض وأسهم بنصيب في حضارة العصر وثقافته كما أن هناك مشتركاً بين الحضارات والفكر الإنساني القائمين على التنوع والتعدد والتحاور والتكامل وهناك سمات خاصة بكل مجتمع وأمة أو شعب.

ولعل من أسوأ ما يصاب به التفكير البشري هو دعوى المركزية والمغالاة في التميز والخصوصية ومنطق الاستعلاء والأسبقية.

إن منطق الثنائية والأسبقية: المادة أم الوعي، الصراع أم الحوار، الدجاجة أم البيضة. ومثل هذا التفكير الشكلي والعقيم تجاوزه هيراقليطس منذ فجر الفكر الفلسفي اليوناني «إنك لا تستحم في النهر مرتين». صحيح أن التمدن قديم، ولكن التحول إلى مجتمع مدني قد ارتبط بالثورة الصناعية وبالانقلات الاجتماعي الشامل الذي شهدته أوروبا في القرن السابع عشر.

في منطقتنا العربية كان الغزو الاستعماري بداية التفتح والتلاقي مع العصر الجديد بافكاره وتياراته المختلفة ويقدم المؤرخ عبدالرحمن الجبرتي في كتابه المهم «عجائب الآثار في التراجم والأخبار» صوراً مدهشة لاجتياح جيش نابليون قاهرة المعز، ودخول الخيالة الفرنسيين إلى صحن الأزهر الشريف وانبهار فقهاء الأزهر ورجال دولة المماليك بالمنجزات والمخترعات العصرية التي لم يسبق أن شاهدوها أو حتى سمعوا بها ويقدم الشيخ حسن العطارشيخ رفاعة رافع الطهطاوي شهاداته الكثيرة عن هذه الإنجازات العلمية التي جاءت بها الحملة الفرنسية وفي مقدمتها المطبعة.

وفي المغرب العربي يقدم الباشا خير الدين التونسي أنموذجاً للنظام الجديد والإصلاحات التي يدعو إليها في كتابه القيم «أقوم المسالك في معرفة أحوال الممالك». الكتاب يتناول القضايا الاجتماعية والثقافية التي عالجها تخليص الإبريز في محاسن باريس وقد لعبت هذه الكتابات في القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين دور مهماً في التأسيس للتطورات التي عبرت عنها ثورة عرابي وظهور تيارات الدسترة والتحرر في المنطقة العربية كلها وقبل ذلك إصلاحات محمد علي باشا في مصر والباشا خير الدين في تونس.

أسئلة البدايات

عندما حدثت صدمة الاستعمار القديم لم تكن المنطقة العربية في مستوى واحد من التطور، فقد كانت هناك مناطق ماتزال تعيش ما قبل عصر الدولة، وقد تفككت أوصال العديد من مراكز التحضر والتمدن وكانت البداية الحقيقية ظهور الطبقة الوسطى: عماد الدين والثورة والتحرر. ونشأت معها وبها أفكار الدسترة والمطالبة بالخلاص من الاستعمار والاستبداد في آن. وكان كفاح معظم شعوب الأمة العربية موجهاً ضد الاستعمار الأجنبي وأدواته الداخلية. وبمقدار ما كانت اللبرالية ملتبسة فقيرة وعاجزة عن تحقيق حلم الاستقلال والحرية فقد كانت الثورة القومية هي الأخرى مزدوجة ومنقسمة وأسيرة التغيير بالقوة مما أدى للاستهانة بالعمل الجماهيري والسياسي والجنوح نحو الاستبداد والإلغاء.

التغيير من أعلى وبالقوة «الانقلاب العسكري» أو حرب التحرير رغم جوانبه الإيجابية الأساسية أدى إلى العداوة مع السياسي وإقصاء الديمقراطي الموصوم بالعمالة.

في اليمن نشأت مؤسسات المجتمع المدني متأخرة، فالوطن المشطور ظل موحداً في الوعي والثقافة والمصالح الاقتصادية. فقد ظلت عدن العاصمة الاقتصادية لليمن كلها. عاملان لعبا دور البطولة في نشأة «مؤسسات المجتمع المدني» فبعد الحربين الكونيتين نمت الطبقة الوسطى وتزايد دورها خصوصا في عدن، تعز، صنعاء، الحديدة، وتزايد دور المهاجرين في شرق آسيا وأفريقيا، وبدات البعثات العسكرية إلى العراق، والطلابية إلى لبنان ومصر. في العاصمة التجارية عدن نشأت نواه الطبقة العاملة الموحدة فالطبقة العاملة موحدة بكل المعاني والمهاجرون، وبالتالي التجار، والمصالح التجارية مترابطة. وإذا كانت الأحزاب السياسية الحديثة: البعث، القوميون العرب، الماركسيون قد نشأت موحدة فإن الحزبين التقليديين: الرابطة والأحرار كانا منسقين ومتوافقين في أهدافهما وشعاراتهما وتوجهاتهما السياسية ولكنهما ليسا موحدين. المطالب الديمقراطية والسياسية كانت تربط عميقاً بين الدسترة والاستقلال فالربط بين الرجعية والاستعمار والخلاص منهما كان سمة عامة ومشتركة في المنطقة العربية كلها.

دارسو نشأة المجتمع المدني في اليمن يشيرون إلى ظهور الجمعيات الخيرية والتعاونية في مدن حضرموت في الثلاثينات وكانت الثلاثينات، والأربعينات بداية تكوين النوادي الثقافية والأدبية في عدن. وتعممت تجربة التعاونيات في عدن وتعز والحديدة.

صدور مجلة الحكمة في صنعاء 1941-83م مؤشر مهم لبزوغ فجر الاجتهاد والتجديد والإحياء الأدبي والفكري في العاصمة المغلقة صنعاء. وقد لعبت المجلة دوراً رائعاً في دعوات الإصلاح السياسي والإحياء والتجديد. وفي عدن أعلن عن تكوين حزب الأحرار 1944، والجمعية اليمنية الكبرى 1946، وبرزت الصحافة العدنية: فتاة الجزيرة 1941، وصوت اليمن 1946، والنقابات العمالية. وتزايد نفود المهاجرين والتجار والطبقة الوسطى والمثقفين والأدباء الداعين للدسترة وخروج المستعمر البريطاني وكانت حركة 48 الدستورية في صنعاء معطى من معطيات التأثير المتزايد للمجتمع المدني في الحياة العامة.

هزيمة 48، والقمع الدامي الذي أعقبها قد فتح باباً آخر غير التطور الديمقراطي وفي الجنوب ورابطة الطلاب في القاهرة. بدأت مؤسسات المجتمع المدني: الأحزاب والجمعيات والنقابات والصحافة والنوادي الثقافية الربط العميق بين الاستبداد والاستعمار، والمطالبة برحيلهما معاً فنشأت المطالب السياسية مترابطة مندغمة بمطالب التحرر الوطني والاستقلال. الضباط الأحرار الصغار الآتون من مدرسة الأيتام والمدرسة الثانوية والمتوسطة والمنتمون غالبيتهم للاتجاهات القومية وبالأخص حزب البعث العربي الاشتراكي هم من قام بتفجير ثورة سبتمبر 62م. وامتد الحريق الثوري إلى مختلف مناطق اليمن، ولم تمض عدة شهور حتى تفجرت الثورة في جبال ردفان لتمتد فيما يشبه حرب المدن إلى عدن مركز الإدارة والقاعدة البريطانية. وكان للدعم القومي المصري بخاصة والقومي العربي بعامة أثر عميق في انتصار الثورة اليمنية سبتمبر 62 وأكتوبر 63 التي حظيت أيضاً بدعم ومساندة المعسكر الاشتراكي وحركات التحرر الوطني حينها.

وكما في الثورة القومية جرى في اليمن من تغيب السياسي والمطالب الاجتماعية والديمقراطية «فلا صوت يعلو فوق صوت المعركة» فخفت صوت السياسية بمقدار تصاعد أصوات المدافع التي استمرت قرابة ثمانية أعوام في الشمال واتخذت طابع الدورات الدموية في الجنوب مند 67.

كانت الوحدة الإنجاز الأعظم بمثابة مصالحة وطنية شاملة بين الاتجاهات المختلفة والاتحاهات السياسية المتصارعة والقبائل والمناطق ومختلف الشرائح والفئات. والأهم أن الحدث الرائع قد تحقق عبر التحاور الديمقراطي والإقرار بالحريات السياسية والديمقراطية وإطلاق هذ الحريات إلى مدى بعيد فقد سمح للأحزاب السياسية السرية بالإعلان عن نفسها بل إن الوحدة قد تحققت بين المؤتمر الشعبي العام «التنظيم العلني» ذي الاتجاهات الفكرية والسياسية المتعددة وبين الحزب الاشتراكي الدولة وامتداده السري والمحظور في الشمال، وصدرت عشرات الصحف، وتأسست الأحزاب الجديدة والنقابات، فإذا كانت الثورة اليمنية نفسها معطى من معطيات المجتمع المدني فإن الوحدة اليمنية كانت الديمقراطية وسيلتها وغايتها في آن، فقد تحققت بالديمقراطية وأصبحت وسيلتها وشرطها وغايتها فالوحدة لم تصنعها القوة ولا حرب تحرير وطني وإن تحققت عبر النضالات السياسية الديمقراطية والتحاور السلمي بين أهم أداتين سياسيتين هما: المؤتمر الشعبي العام والحزب الاشتراكي اليمني. وجعل بيان الـ 30 من نوفمبر 89 واتفاقية الوحدة مايو 90 الحريات السيايسة وحرية الرأي والتفكير والتعبير والاعتقاد المدماك الأساس لهذه الوحدة. وجاء دستور دولة الوحدة ليجعل الأساس الذي تقوم عليه الدولة الجديدة هو التعددية السياسية والفكرية والحزبية واستقلال العمل النقابي والحريات الصحفية.

حرب 94م رغم أنها لاتزال تختصم مع هذه الحريات وتلتف عليها إلا أنها لم تستطع القضاء عليها نهائياً لأنها الأساس الذي قامت عليه وبه الدولة، وإلغاؤها يعني الانقلاب الكامل على هذه الوحدة وطبيعتها وهو ما لا يقبله المجتمع المدني ولا المجتمع الدولي، والتزام اليمن وتعهداتها واحتياجها للدعم والمساعدة لتبيض صفحتها. الميزة الرائعة والعظيمة في المجتمع اليمني أن إرادة وطموح مواطنيه غالباً ما تتقدم على الحكم، فالحلم بانتصار الثورة سبتمبر وأكتوبر كان عنوان الثلاثينات والأربعينات وتحقق الحلم في الستينات. وكانت الوحدة حلم وهدف كفاح الحركة الديمقراطية منذ نشأة مؤسسات المجتمع المدني: الأحزاب والنقابات والصحف أن المهام المنتصبة أمام الشعب اليمني بعامة ومؤسسات المجتمع المدني بخاصة هي بناء دولة عصرية ديمقراطية وحديثة، وتوسيع هامش الحريات، وتزكية الرأي العام، والتصدي للفساد والاستبداد. إن مؤسسات المجتمع المدني في الوطن العربي ومنها اليمن هي أداة التغيير، فهي مطالبة بمواجهة تفكيك الدولة القطرية، وبروز اتجاهات ما قبل عصر الدولة: القبلية والطائفية والجهوية. مؤسسات المجتمع المدني في الوطن العربي تواجه مخاطر مركبة ومزدوجة ومتداخلة، فهي تواجه الفساد وعنف السلطات الضعيفة والمتآكلة فاقدة الشرعية، وتواجه في الوقت نفسه الاستبداد الديني حتى وهو في المعارضة كما تواجه الاستبداد السياسي والأخطر من الاسبتداد الديني والسياسي وهما يتحاوران أو يتحالفان أو يقتتلان إنما يستهدفان الحريات ومؤسسات الحداثة والديمقراطية. المأزق أن يزاود كل منهما على الآخر في أيهما الأكثر جدارة وجدية في «حماية الدين والدفاع عن المقدس» ويكون التصارع دائماً حول احتكار الدين فشل الدولة القطرية وراثية كانت أو جمهورية أو جملكية في برامج التنمية وتجديد الشرعية والتحديث يدفعها إلى المزيد من الاحتكام للعنف وتدمير المجتمع وتفكيك مؤسساته الوطنية والاستناد أكثر فأكثر الى قوى ما قبل عصر الدولة وغرس النزاعات القبلية والدينية والجهوية وحتى الأسرية.

لكي تضطلع هذه المؤسسات المدنية بدورها لابد من التمييز بين المجتمع المدني والأهلي، فالقبيلة كجزء رئيس من المجتمع الأهلي أهم عائق أمام الاندماج الوطني وبناء دولة العصر الحديث وانتصار الديمقراطية والحداثة. ثم ماذا يبقى من المجتمع المدني إذا نزع منه سلاح السياسة، كما يرى البعض؟ فالأحزاب السياسية جزء أساسي من المجتمع المدني أداة التحديث والتغيير، وإذا كانت هذه الأداة الجبارة هي صانعة الدولة الأوروبية الديمقراطية والحديثة فإن وظيفتها في المجتمع العربي أكثر خطورة وتعقيداً، فهذه الأداة لم تخلق الدولة الوطنية وإنما هي مقدمة من مقدماتها ومعطى من معطياتها ونشأت كمقدمة لها وفي ظلها ورعايتها، لذا تكون في حالات كثيرة جزءاً من آلية الدولة ومرتبطة بمجمل سياساتها وتوجهاتها، وهو ما يطرح أهمية الاستقلالية والديمقراطية. من الصعوبة بمكان إن لم يكن مستحيلا قدرة هذه الأداة على فرض الدمقرطة والتغيير في مجتمعها إن لم تكن هي ديمقراطية مستقلة وكفؤة ومن هنا فإنها ابنة الدولة والأداة الوحيدة المراهن عليها في الدمقرطة والتحديث والإصلاح. وإذا كانت اللبرالية في الماضي قد راهنت بسذاجة كبيرة على نوايا المستعمر القديم فإن المطلب الأهم حالياً إدراك أن المستعمر الجديد المحتل لا مصلحة له في الإصلاح أو التغيير وأن روابطه العميقة مرهونة بالفساد والاستبداد والعودة بالمنطقة إلى عصر ما قبل الدولة والنموذج العراقي والتحالفات في لبنان وما يجري في دارفور والصومال برهان قاطع لمثل هذه التحالفات الراعبة كما أنه ليس عليها في أن تتدثر بعباءة مقولة التناقضات عند ستالين وماو. إن صيغ الجبهة الوطنية الاستبدادية نموذج العراق وسوريا أو التحالف مع المستبد الداخل في مواجهة الأجنبي وهو منطق قبائلي لا معنى له في زمن تماهت معه وتداخلت فيه مصالح حدود الداخل والخارج وأصبح الاستبداد الداخلي صورة من صور الاستعمار وجزءاً من تحلفاته الدولية وامتداداً لمصالحه الاستراتيجية والكونية لم تقطع الدولة القطرية الثورية الحبل السري بمجتمع ما قبل عصر الدولة وأسهم الصدام بينها والتيارات السياسية الحية: اللبرالية والإسلام السياسي والتيار الماركسي في المزيد من تقوية روابطها القبلية والطائفية والمناطقية.

هزيمة 67 أسقطت ورقة التوت وكشفت الخلل الكبير في طبيعة هذه الدولة وعدم جدية توجهاتها ومدى فداحة العداء للعمل السياسي والجماهيري، وخطورة التصارع مع الاتجاهات السياسية ومؤسسات المجتمع المدني وتهميشها بل تدجينها وقمعها وإذا كان تغيب الجماهير والنيابة عنها قد أسم في الهزيمة فإن العجز عن حماية السيادة والاستقلال وعن تحقيق التنمية الشاملة والتحديث وبالتالي تآكل الشرعية كلها دفعت وتدفع إلى الإيغال في الفساد والاستبدال والارتهان للاحتلال الأجنبي لتدمير المنطقة مقابل حفاظها على عروشها.

هناك خط راجع في كل الاتجاهات الفكرية والسياسية فإذا كانت الدولة القومية تتراجع الآن إلى القبلية والطائفية والأسرية حتى في أكثر مراكز الأمة العربية تحضراً وتمدناً فإن الاتجاهات الإسلاموية التي بدأت بالطهطاوي وابن عاشور والألوسي وابن الأمير الشوكاني وابن باديس والكواكبي والأفغاني ومحمد عبده قد تراجع إلى رضا والبنا فقطب وصولا إلى التكفير والهجرة والجهاد والجماعات الإسلامية أو السلفية. وتعود الاتجاهات القومية أو بالأحرى تتخلى عن نزعتها العلمانية والعقلانية، وتقترب من الاتجاهات الشوفينية والعرقية، والإسلام السياسي الراجح هو الآخر . أما الماركسية فقد أصيبت بما يشبه العقم وتحولت إلى ما يشبه حائط مبكي، وتفتقر إلى التجديد وفهم طبيعة العصر والتخلي عن امتلاك الحقيقة شأن الإسلام السياسي محتكر فهم وتوظيف المقدس وتحويل أداة التحليل المادية والجدلية إلى معتقد وطوطم. والمأزق أن كل هذه الاتجاهات لم تقم بالنقد الكافي لتجربتها، كما أنها أيضا قد غيبت الديمقراطية والحوار داخل هذه المؤسسات المدنية مع أطرها ومع الآخر المختلف فتعميق الحوار والقبول بالمختلف والدفاع عنه هي الحرف الأول في أبجدية عمل هذه المؤسسات الديمقراطية فهي كأداة تحويل وتغيير ودمقرطة مجتمعية بحاجة إلى تجسيد هذه القيم داخلها والاستقلالية لن تكون عن الحكم بل أيضاً عن الأحزاب السياسية بما في ذلك المعارضة السياسية وهذه المؤسسات لن تكتسب مصداقيتها إلا بمقدار استقلالها عن الأحزاب كلها حاكمة ومحكومة والدفاع عن حقوق الإنسان بقطع النظر عن لونه ودينه وطائفته وانتمائه.

بسهولة يدرك المتابع أن المنطقة العربية لم تتوحد في تاريخها الطويل كما هي متوحدة الآن حول رفض الإصلاحات، والعجز المشترك عن التجديد والبناء، وإدارة الظهر لتيارات العصر الحديثة، ورفض التعدد الفكري والسياسي والحزبي، واستقلال مؤسسات المجتمع المدني، وإلحاقها بأجهزة الدولة التابعة. وتشارك كلها في مصادرة الحريات وقمع الرأي الآخر، والتواطؤ مع المحتل، والتشارك معه في الحرب ضد إرادة الأمة، وحتى ضد بعضها مقابل الحماية والبقاء. لايمكن مواجهة هذا التشارك البشع، والمعمد بالدم إلا بتشارك مؤسسي المجتمع المدني داخل كل قطر عربي، ثم التنسيق فيما بينها في المستوى القومي والدولي.

مؤسسات المجتمع المدني العربية لا تواجه سؤال الديمقراطية على خطورته وإنما تواجه أيضاً تحديات انهيار الكيانات المأزومة في أكثر من قطر،

وتواجه مخاطر الفتن والحروب الداخلية، وتزايد الإرهاب والعنف الذي ننشره وتمارسه الدولة العظمى أمريكا والدولة الصهيونية العنصرية، ويترافد مع عنف الأنظمة الفاسدة والمستبدة وتيارات التكفير والتخوين. وهي مطالبة بمواجهة ذلك في حين تجد هذه المؤسسات المدنية نفسها أمام نظام عربي لا يقبل بهذه المؤسسات، وينظر إليها كرجس من عمل الشيطان ولايقبل بها وإلا لكيانات شكلية لا تقوى على بناء وقيادة ديمقراطية ورأي عام يتحدى الفساد والاستبداد، وعليها انتزاع الاستقلالية والديمقراطية لنفسها ولمجتمعاتها في آن وبمقدار استحالة دمقرطة المجتمع بأدوات غير مستقلة ولا ديمقراطية فإنه بالقدر نفسه يستحيل بناء ديمقراطية بدون مؤسسات مجتمع مدني حرة وديمقراطية ومستقلة.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى