سعاد والمحضار وطابور العشاق

> «الأيام» عمر عوض خريص:

> حينما تتباهي (سعاد) بدلالها وبهائها، وتزداد غنجاً على أقرانها، إنما يجرؤها على ذلك، كثر عشاقها والمفتونين بها، والمتغزلين في محاسنها، والمغرمين بجمالها، ويحق لها ذلك، لا سيما وهي تتكئ على إرث تاريخي وثقافي عميقين، ولم يكن الشاعر الكبير حسين أبوبكر المحضار (رحمه الله) أول عشاقها وأول الهائمين بها، ولكنه كان أبرزهم في النصف الأخير من القرن العشرين الميلادي، كان عاشقاً مغرماً صباً والهاً، حتى سما عشقه وحبه لسعاد إلى أعلى درجات العشق والحب، وأشعاره في ذلك كثيرة جداً، شاهدة على ذلك السمو مترجمة أرق وأجمل المشاعر والأحاسيس، ذلك الحب الذي يقترن بالعبادة ويزيد معيار الإيمان، شاهد ذلك قوله في سعاد:

قابليني يا سعاد ** والبسي ثوب السعاده

عدت لك والخير عاد ** عود الله كل عاده

بعد ما طال الغياب ** بيننا والشوق زاد..

واجتمعنا والتقينا واللقاء كان بالأحضان

يا مدينة أهل عاد ** الأثر والرسم عاده

جل خلاق العباد ** لي جعل حبك عباده

وهو لا يفتأ يحمل ذلك الحب في حله وترحاله، في حركته وهجوعه، يحمله شوقاً مؤججاً وحنيناً يقطع نياط القلب، نسمعه يقول:

لكن قلبي مارضي يختار.. غير الشحر إذا وليته الخيره

حبه وتقديره.. لها من سمح ولها العز والمقدار

وفي أعقاب المحضار وجيله، أتى جيل الشباب يحمل في أحشائه مثل ذلك الحب والهيام بمعشوقتهم الأولى (سعاد) حب لا يكاد يفتر جيلاً بعد جيل وعاشقاً بعد عاشق. ومن دفتر العشق(الزبيني) يطالعنا صوت الشاعر الموهوب (جمال عبدالله حميد - 1970) بقصيدته (سعاد) قصيدة يكسب فيها ماء الحب عذباً سلسبيلاً جادت به قريحته الوقادة من أجل سعاد وفي هوى سعاد، يقول فيها:

مهد المواهب والنبوغ سعاد ** شهد الزمان بذاك والأمجادُ

الشحر جوهرة المدائن والقرى ** كم مهجة هامت بها وفؤادُ

دار التراث وموطن الإبداع في ** كل الفنون وللصفا ميرادُ

وبها زها التاريخ في صفحاته ** وشدا الرواة بحسنها وأشادوا

وتلا بطولتها الفداء مسطراً ** تـلك البطـولة بالـدمـاء جهادُ

للدين فيها والشريعة راية **بذخت بها فوق السها أطوادُ

وسما بنوها بالمعارف والنهى **كـم ضـاء نجـم منـهمو وقّادُ

ولئن خبا ذاك الضياء بأفقها ** فـلـقد دنـا لسطـوعه الميلادُ

وعلى أثره أيضاً يأتي شاعر الشباب (محمد سالم بن داود- 1977) مترنماً ومتغزلاً في معشوقته وحبيبته (سعاد) التي (فتنت محاسنها الورى)، وإذا رتل الشعراء شعرهم فكل نثر دونهم، ومحمد هنا نسمع دقات وخلجات شعوره مع كل حرف نقرؤه في قصيدته (سمعون) وهو اسم من أسماء (سعاد) يقول فيها:

سبتني سعاد عشت فيها أغازلُ ** بطلعتها شمس وفي العين بابلُ

بأوجانها ترهو رياض بهيجة ** على دوحها بالحب تشدو بلابلُ

وتسقى بماء الود ليس بماطر ** وفـيها سيول قد جرت وجداولُ

فكم هام في سمعون من قبل عاشقا ** أسير الجوى والشوق والعشق قاتلُ

هنا الشحر يعني شاعر ومفكر** وبـحــاثــة فـــذٌ أديـبٌ وفـاضـلُ

هنا موطن الأعلام والعلم والنهى ** هنـا قـادة تسـمو وتحيا فطاحلُ

فسل سدة العدروس واسأل حصونها ** وما زخـرفت بالـفن تلك البناقلُ

منازل مازالت ومازال أهلها ** لهم في الثـريا والسـماك منازلُ

رجال بأقصى حضرموت أماجد ** تلين الـصفا أخلاقهم والشمائلُ

لله درك يا محمد نظمت فأجدت، ووفيت وكفيت، ولعشاق (سعاد) في عشقهم مذاهب وطرق، ولا يغار عشاقها من بعضهم البعض بل يرون أنهم تمام وتكملة بعضهم وهم كالأيام لا يكمل الشهر إلا بهم جميعاً ولا يستدير وجه البدر إلا بمجموع عشقهم، وما زلنا نتندر بمساجلة الشاعرين (د. عمر سعيد الصبان) و(ثابت عبدالله السعدي) حينما زارا عدن الحبيبة أو (أخت الشحر) كما يطلق عليها الشحريون، وقد سبت عدن بجمالها وسحرها لب الشاعر الصبان فارتجل قائلاً:

معلا أيش كل هذه المناظر ** مناظر حركت وجدان شاعر

وحتى العين ما وهدت تناظر ** لجم زهرات لو جيتو تعدون

أفزع القول هذا شاعرنا ثابت عبدالله السعدي لا لشيء ولكن خوفاً أن تستبد عدن الساحرة بقلب صديقه الشاعر الصبان وتتملكه وتزاحم معشوقتهم الأثيرة (سعاد) ودفاعاِ عن عشق سعاد وحبها صرخ ثابت قائلاً:

وعند الشحر ماشوف المعلا ** ولا قلبي بها ظنيت يسلا

ولو رصيت صنعاء والمكلا ** لسحر الشحر ما ظني يوصلون

هنا جسمي وعقلي في الزبينة ** بلا مرصان فيها راصنينه

دريت أن المحبة جم محينه ** لها حتى من الجنة يقفزون

ولن يكون الشاعر (عمر عبدالرحمن- 1960) في آخر طابور العشاق ولكنه الأخير هنا الذي نورد قصيدته (معشوقتي)، وما معشوقته إلا سعاد، سعاد التي ما مل القلب منها يوماً ولا مال، يرصع لنا شاعرنا درر الكلمات ويسبكها ناصعة محكمة في قصيدة مقيدة يقول فيها:

الشحر عشقي والأمل ** دائم عيوني منها ماليه

كنان رأسي والمحل ** روحي لها والمال والحال

رغم المتاعب والعلل ** باشوفها نا فوق جم عاليه

والقلب ماقد يوم مل ** من عشقها لحظة ولا مال

يا ما سقت نحن عسل ** أم القلوب الطيبة الساليه

من عاد نحن الا سقل ** ماقول فيها قيل أو قال

من لامني فيك أو عذل ** مصغي للؤم أو عذل عذاليه

ولا أبدل بك بدل ** يا سين عين يا ألف يا دال

وقبل الختام أتوجه بالشكر الجزيل إلى الأستاذ العزيز (حسن بن حسينون) على مقاله (الشحر نهر متدفق لا ينضب من العطاء والإبداع) المنشور بجريدة «الأيام» الغراء العدد (5099).

وأطمئنه وأطمئن كل الأحبة بأن نهر العطاء سيزداد تدفقاً في أيامنا المقبلة بإذن الله.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى