أول سكرتير تحرير لـ «الأيام» عام 1958م .. الصحافي والأديب الأستاذ أحمد عوض باوزير:الصحافة سلبت كل كياني وأجمل الفترات كانت عند تأسيس «الأيام» مع الشيخ محمد علي باشراحيل

> «الأيام» صلاح العماري:

> الحديث عن هامة صحافية وأدبية مثل الأستاذ القدير أحمد عوض باوزير أمده الله تعالى بالصحة والعافية يحتاج إلى الكثير من التأمل والاهتمام فما بالك بالحديث معه.

حين وافق الأستاذ أحمد بكل تواضع وأدب على إجراء هذا الحوار معه أدركت حجم ثقافة ورصانة هذا الرجل الذي خدم الصحافة والأدب طوال عمره الذي امتد 81 عاماً - أيده الله بالصحة والعافية- ولم يكترث لمغريات الحياة فانزوى في بيته بحي أكتوبر بمدينة المكلا متابعاً الوضع الصحفي والأدبي مواصلاً مشواره الذي بدأه منذ نعومة أظفاره في عدد من المطبوعات المحلية.

ماذا عساني أن أقول عن الأستاذ أحمد عوض باوزير فتاريخه يحكي مشواره الصحفي والأدبي، وسيرة أسرته العطرة تملأ الآفاق؟

بعد صلاة المغرب من مساء يوم الأحد 24 يونيو اتجهت صوب منزله بعد موعد حدده معي في اليوم نفسه فكان في الانتظار وبجانبه شريكة عمره ومولودته صحيفة «الطليعة» أول صحيفة مطبوعة بنسق وإخراج صحفي متميز في حضرموت في العام 1959م جلّدها في أعداد حتى تحفظ، بالفعل إنها قصة كفاح وإصرار ورسالة تستحق كل ذلك الاهتمام، لا يفقه ذلك إلا من سهر الليالي ووصل الليل بالنهار من أجل إخراج تلك المطبوعة في تلك الحقبة من الزمن بهدف التنوير والإرشاد، لقد أحب أولئك الرجال مجتمعهم وكان جزءاً منهم فأصبحوا بالفعل مصلحين اجتماعيين.

سألت الوالد الأستاذ أحمد عوض باوزير الذي عاد لتوه من أداء صلاة المغرب في جامع مسجد الشهداء بحي أكتوبر أحد أكبر مساجد المكلا، سألته هلا حدثنا عن ذلك المشوار لشخصكم الكريم، ليس من باب التعريف فأنتم ولله الحمد معروفون ولكن من باب التوضيح للرسالة العظيمة التي تحملتموها على عاتقكم طوال مشواركم المديد إن شاء الله ولم تحيدوا عن الدرب أو تنخرطوا مع التيارات التي مر بها الوطن؟

فقال:«أنا من مواليد غيل باوزير سنة 1926م تلقيت الدراسة الأولية وما تلاها في مدارس الغيل الابتدائية وكان أخي الأكبر المؤرخ المعروف رحمه الله سعيد عوض باوزير موجوداً في مدينة القطن بوادي حضرموت مستشاراً للسلطان علي بن صلاح القعيطي ومديراً لمدرسة الهدى بالقطن فذهبت إلى جواره في القطن في حوالي عام 1944م وجلست عاماً أحضر المحاضرات الأسبوعية في غرفة الثقافة التي كان يحضرها كبار الطلاب في مدرسة الهدى، وبحكم المعرفة والعلاقة بين علي بن صلاح وبن عبدات كنت أذهب إلى مدينة الغرفة بوادي حضرموت حيث ارتبطت بعلاقات مع شخصيات كبيرة منها الشيخ محفوظ المصلّي الذي كان عالماً مرموقاً وصديقاً لأخي المؤرخ سعيد عوض باوزير، كما ذهبت في زيارة للسيد عبدالرحمن بن عبيداللاه السقاف في منزله، ولازمت عدداً من الأساتذة والمؤرخين والأدباء والشعراء في تلك الفترة.

وعملت في مركز الأبحاث الثقافية وكنا نقوم بنزولات إلى المناطق لجمع التراث والأشعار الشعبية والمعلومات التاريخية.

ثم عدت إلى مدينة المكلا في حوالي عام 1945م وتوظفت لدى السلطنة القعيطية مدرساً في غيل باوزير والقارة والمكلا وكنت على اتصال مع المدرسين السودانيين في المدرسة الوسطى بغيل باوزير وقد أصدرت صحيفة خطية كنت أخطها بيدي أسميتها «الأستاذ» أوزعها على مدرسي وطلبة المدرسة الوسطى، كما كنت رئيس تحرير لصحيفة «الفجر» بنادي المعلمين بغيل باوزير وكان معنا الشيخ عثمان بن شملان والد الأستاذ فيصل بن شملان وقد تخرج في مدارس الإرشاد وكان رجلاً صاحب رؤى وطنية ودينية سليمة، وكذا الشيخ عثمان العمودي من الدعاة المعروفين، وعملت مدرساً مع الشيخ عبدالرحمن بكير حين كان مديراً للمدرسة الغربية بالمكلا بجانب مستشفى باشراحيل (مستشفى المكلا للأمومة والطفولة حالياً) وكان من طلاب المدرسة في تلك الفترة الأخ الشاعر سالم محمد بن عبدالعزيز وشقيقه خالد بن عبدالعزيز، وكنا نصدر صحيفة فصلية حائطية على جدار المدرسة وكان سالم عبدالعزيز حينذاك لديه موهبة في الكتابة فكان يساهم معنا في الفترات المسائية.

وارتبطت بعلاقة بالصحافة في المكلا وتحديداً مع الوالد محفوظ بن عُبّده وهو رجل كبير في السن ولديه خبرة في الطباعة فأصدر أول صحيفة وأسماها «الأمل» وهي صحيفة مطبوعة في حوالي عام 1939م وكان الشيخ حسين عمر شيخان يشرف على الصحيفة التي يرأسها جده محفوظ بن عُبّده، وفي عام 1948م مع نكبة فلسطين سافرت من المكلا إلى عدن وهناك التقيت الأخ عبود جيشان وهو من مدينة الحامي بحضرموت كان مسؤولاً عن المدرسة الأهلية في حكومة جيبوتي والذي تعاقد معي للتدريس في مدرسة الجالية العربية في جيبوتي ورحلت إلى جيبوتي وقضيت سنة هناك معلماً لأبناء العرب وسكنت في عزبة مع الشيخ طيّب بامخرمة وهو من غيل باوزير قاض وعالم كان إماما لمسجد جيبوتي، ثم رحلت للحبشة وعملت مسئولاً للمدرسة الأهلية في الحبشة وبسبب حدوث نزاع بين الصومال والأحباش في تلك الفترة عدت أدراجي إلى عدن لأن تلك المنطقة كانت على الحدود، ومن عدن عدت للمكلا وواصلت الدراسة في مدارس الحكومة وكانت لي علاقات مع ناظر المعارف الشيخ القدال وعمر باحشوان، وعملت في التدريس من جديد عام 1950م حينها حصلت حادثة القصر الشهيرة، ثم سافرت للمملكة العربية السعودية ومكثت حوالي ثلاثة أشهر لكنني لم أستقر هناك لإن العمل بالصحافة كان يسيطر على كياني وشغلي الشاغل فمنذ طفولتي كنت مغرماً بالصحافة، عدت بعدها إلى عدن التي كان يقطن بها أخي الشاعر محمد عوض باوزير، وتعاقدت مدرساً في مدرسة بازرعة الخيرية ومعنا الأستاذ علي باذيب، وكان حينها يدرس طالبان في القسم العالي في المدرسة هما الفنانان أحمد بن أحمد قاسم ومحمد عبده زيدي، وفي الوقت نفسه كنت أعمل في المساء مع الأستاذ عبدالرحمن جرجرة وكان معنا الأستاذ عبدالله باذيب وأحمد باخبيرة، ثم عملت محرراً رسمياً في صحيفة «النهضة» مع عبدالله باذيب الذي نسج علاقة من نوع خاص لي مع الإستاذ الراحل محمدعلي باشراحيل.

وكان ولداه حينها هشام وتمام صغيري السن يتلقيان تعليمهما في مدارس عدن وكانت أسرتهم طيبة ومحترمة، عملت مع الأستاذ محمد علي باشراحيل رحمه الله في صحيفة «الرقيب» أولاً التي كانت تصدر باللغتين العربية والإنجليزية وكان الأستاذ محمد علي باشراحيل يصدر في الوقت نفسه صحيفة «ايدن كرونيكل» باللغة الإنجليزية ثم أصدر صحيفة «الأيام» كصحيفة يومية مستقلة في عام 1958م يرأس تحريرها الاستاذ محمد علي باشراحيل واحتللت منصب أول سكرتير للتحرير في «الأيام» وكان التعامل مع الأستاذ محمد علي باشراحيل ممتعاً ومفيداً فهو شخصية اجتماعية ورجل محترم يتمتع بلغة إنجليزية قوية، بعدها عدت إلى غيل باوزير وتزوجت وكانت لي نية للاستقرار في حضرموت وقد استفدت من عدن التي كانت منهلاً للعلم، بها مكتبات وأدباء وصحف وبها حركة صحفية قوية حتى أن بعض الصحف كانت توزع للمشتركين في الصباح إلى منازلهم.

كانت تراودني فكرة إصدار صحيفة في حضرموت ووجدت ضالتي في تكوين شركة أهلية في المكلا تشمل مطبعة لمجموعة من التجار كانت تعمل في الأعمال التجارية، ثم تعاقدت معهم على إصدار صحيفة «الطليعة» عام 1959م بعد أن قمت بجولة في أرجاء وادي حضرموت جمعت خلالها التبرعات لإنشاء الصحيفة التي كنت أهدف منها إلى نشر الوعي في المجتمع والإرشاد والإصلاح والحمد لله نجحت الصحيفة وساهم معنا كتاب من الوطن ومن إندونيسيا والقرن الافريقي وقد أصدرتها أسبوعياً كل يوم خميس وأستطيع القول إنها أول صحيفة صدرت في حضرموت بالطباعة الحديثة والتبويب الحديث، وكنت رئيس التحرير ومدير التحرير والمصحح والمخرج وكل شيء في الصحيفة لكن كان لدينا النشاط والهمة لتقديم شيء للقارئ، كانت الطباعة تتم بطريقة رص الأحرف بجانب بعضها باليد وتستغرق منا فترة طويلة، حينها كنت متأثراً بصحيفة «أخبار اليوم» المصرية ومؤسسيها، كنا نطبع 2000 نسخة من «الطليعة» وأقوم بإرسال مجموعة منها للمشتركين في السعودية والكويت وافريقيا وألمانيا وبريطانيا وشرق آسيا لأبناء حضرموت المقيمين هناك،كان موقع «الطليعة» خلف مستشفى المكلا وكنا نبيعها بـ 60 سنتاً.

وللأسف بعد الاستقلال عام 1967م صدر قرار بإيقاف الصحيفة ثم مصادرة المطبعة عام 1972م بدون أي سبب، حاولنا معرفة السبب إلا أننا فؤجئنا في الصباح بوجود الطبلة فوق بوابة المطبعة حتى كانوا يرغبون في مصادرة كتب تاريخية لشقيقي المؤرخ سعيد عوض باوزير كانت بداخل المطبعة. كانت تلك أصعب الأوقات التي مرت بنا وكانت أزمة حقيقية لنا، كان معنا مبلغ كنا نقتات منه بعد مصادرة المطبعة وإيقاف الصحيفة التي كنا نكتب من خـلالها رسـالة للمـجتمع ونـؤكل منها أبناءنا.

وللأسف بعد الوحدة طالبنا بالتعويض أيام فرج بن غانم وعبدالكريم الإرياني حين كانا رئيسين للوزراء وقلنا إن مطابعنا صودرت بدون تعويض ولكن دون فائدة، وعندما كان الأخ صالح عباد الخولاني محافظاً لحضرموت قدر ثمن المطبعة بأربعة مليون ريال وأرسل رسالة بذلك لفخامة الرئيس علي عبدالله صالح وإلى الآن لم نستلم الرد.

كما تم اختياري في مجلس الشعب الأعلى قبيل الوحدة ووقعنا على الوحدة في مجلس الشعب وفي ضوئها تمت الوحدة وانتقلت بعدها إلى صنعاء. والحقيقة أنا أملك مكتبة ثقافية ضخمة بمنزلي لا أرغب أن أهديها لأي جهة حتى لا يعبثوا بها، لكنني مستعد لخدمة المجتمع بالدفع بهذه المجلدات التاريخية والثقافية والصحافية ولمن أرى أنه سيحتفظ بها وإفادة المجتمع بها، وكنت قد أقمت بتلك الكتب مكتبة «الطليعة» في المكلا ثم في ديس المكلا».

> مازلنا في حديث الذكريات مع الأستاذ أحمد عوض باوزير سألناه ماذا يربطك بالشيخ عبدالله أحمد الناخبي الذي رحل عن دنيانا الفانية مؤخراً في مدينة جدة؟

- الشيخ عبدالله كان رحمه الله أحد رجال العلم في حضرموت عمل مديراً للمكتبة السلطانية بالمكلا ورائداً لتعليم الفتاة ومديراً للتربية والتعليم بمعية الشيخ عمر باحشوان، كما كان خطيباً بجامع مسجد عمر بالمكلا وكنت على ارتباط به وأزوره بين الفينة والأخرى عندما أحل ضيفاً على مدينة جدة.

> ما رأيك في صحافة اليوم؟

- أصدقك القول لا توجد هناك صحيفة مستقلة لها رأي مستقل وسياسة مستقلة، وأرى حقيقة أن «الأيام» تعكس آراء المجتمع والواقع وفيها جهد تشكر عليه هيئة التحرير ولا أعتقد أن هناك صحيفة بحجم وجودة «الأيام» التي بها كتاب بارزون يكتبون مقالات قوية وناقدة وهناك جسارة في النشر وإيمان بالرسالة.

> وماذا عن الواقع الثقافي؟

- لا يوجد هناك قراء، المجتمع يعتمد على خريجي الجامعة الذين يعتمدون علىحفظ المقررات، ليس هناك اهتمام بالقراءة.

لو ذهبت الآن إلى المكتبة السلطانية لن تجد أحداً ولكن وضع اتحاد الأدباء بحضرموت الآن يبشر بخير بوجود مجموعة من الشباب مثل د. سعيد الجريري ود. عبدالقادر باعيسى وأعضاء الاتحاد أرى فيهم الخير للنهوض بالواقع الثقافي فلديهم أفكار جمة لانتشال الوضع وتطويره وتصور أنهم يصدرون ثلاث صحف في وقت واحد، لذا أنا أنصح بالقراءة لأنها هي الزاد الحقيقي للمثقف وخير جليس في الزمان كتاب.

> معروف أن الأستاذ أحمد عوض باوزير من أسرة علم معروفة في حضرموت فشقيقه الأكبر سعيد عوض باوزير كان قاضياً ومؤرخاً وأديباً، ويليه الأستاذ الشاعر محمد عوض باوزير الذي عالج بشعره القضايا السياسية والاجتماعية، ثم يأتي في الترتيب الأستاذ أحمد عوض باوزير أمده الله بالصحة والعافية، يليه الأستاذ سالم عوض باوزير الفنان والرياضي الراحل.

بهذا لا نختم لقاءنا مع الأستاذ القدير أحمد عوض باوزير بل نفتح صفحات من عصر مشرق للاستفادة والتمعن في نضال الرجال بالكلمة الصادقة والمعبرة عبر مشاعل التنوير لإيصال رسالة صادقة بارزة المعاني والدلالات لمجتمع أحوج ما يكون لنهضـة فكـرية تشمـل جمـيع مناحي الحياة.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى