رعد أمان يتجول شعرا في أغوار الأمس

> «الأيام» د. هشام محسن السقاف:

> صدر الديوان الأول للشاعر الأديب والإعلامي المعروف رعد علي أمان عن إصدارات دائرة الثقافة والإعلام بالشارقة، ومع أن أمان اسم معروف ولامع في فضاءات الإبداع الشعري منذ سنوات إلا أنه قد تأنى - كما يبدو- كثيرا في إصدار إبداعه الشعري، وعندما همّ بإنجاز باكورة إنتاجه الشعري في ديوانه الموسوم (من أغوار الأمس) لم يتحرج من نشر قصائده الأولى كما ولدت في زمنها السابق دون تدخل من أمان (الكبير) والشاعر الناضج.

وقد ضم الديوان الأنيق بين غلافيه سبعا وثلاثين قصيدة مثلت تجربة أمان في فترة إبداعه الأولى، وكان حريا لرصد التجربة الإبداعية لأمان في مراحلها المبكرة أن تحتفظ القصيدة/ القصائد بتواريخ كتابتها، ومع ذلك يظل النص الشعري مجسداً لمبناه ومعناه بعيدا عن التاريخية التي لن تخدم النص بقدر ما ستخدم التنظير والتاريخ له.

وقد أهدى الشاعر رعد أمان ديوانه (من أغوار الأمس) إلى اثنتين: «تلك التي لها في القلب من الصبا ذكريات، وهذه التي انطلق فيها ركب الحياة إلى عدن والشارقة. من قديمي وجديدي هذه النفثات. رعد». أما التوطئة فقد كتبها د.عمر عبدالعزيز، وهو الأديب والكاتب المعروف زميل رعد أمان في العمل بمدينة الشارقة وإن كان كل في مجاله الإبداعي المختلف. يقول د. عمر عبدالعزيز: عرفت الشاعر والإعلامي المرموق رعد أمان وهو شاب فتي واصل لتوه من الدراسة الجامعية وكان ذلك في امسية شعرية اولى له في مقر اتحاد الأدباء والكتاب في عدن، وبمجرد الاستماع إليه ولأول مرة لفت نظري مفارقته البينة للركاكة اللغوية التي تسود في أيامنا عطفا على تغوُّل اللهجات وسيطرتها حتى على ألسنة الادباء والمتأدبين، كما تيقنت من شعرية الفتى الشاب الموصولة بثقافة نابعة من اساس البيئة العدنية لبيت أمان، الذي خرج منه شاعر الرومانتيكية الاكبر، والفنان الشامل لطفي امان، وبهذه المناسبة لا بد من الاشارة إلى ان الشاعر الفنان لطفي أمان جمع بين المهنية الاعلامية الراكزة والشاعرية العالية التي يتموضع فيها كواحد من الصف الاول لكوكبة شعراء الوجدان العرب» ص 7 و8.

ومع أن الثابت أن الإبداع لا يورث إلا ان هناك من يشذ عن هذه القاعدة، ومنهم اصطفاف المبدعين في أسرة آل أمان بعدن بكبيرهم الذي زرع فيهم بذور الإبداع الشعري والفني الاستاذ الكبير لطفي جعفر أمان، مع ما يجرنا هذا الامر إلى النبوغ الشعري الفالق للعادة عند عمر بن ابي ربيعة، فتى قريش المدلل الذي رضع الشعر من ثدي أمه اللحجية، حيث لا شعر في قريش وقد امتازت بالسؤدد والمكانة الرفيعة والتجارة والنبوءة إلا ما يكون من أمر الشعر فإن الخارج به -على غير العادة - هو عمر بن أبي ربيعة.

تقول توطئة الديوان بلسان د. عمر عبدالعزيز: «من هذا البيت خرج رعد أمان ومن مدرسة عمه لطفي أمان ووالده علي أمان تعلم فن الكلام وعشق الإعلام، فهو يعيد سيرة عمه لطفي ممازجا بين المهنة الإعلامية والشعر، فيما يتمرغ في مروج والده علي أمان بقدر غنائيته الشاعرة وبرازخه المعنوية الظاهرة. والده علي أمان هو صاحب ومؤسس أول مجلة فنية في الجزيرة العربية هي مجلة «أنغام» العدنية التي لعبت دورا كبيرا في خمسينيات وستينيات القرن العشرين المنصرم، أما الابن النجيب رعد فقد سار على درب أسلافه جامعا فرائد احوالهم ومناهج حياتهم، فكان خير خلف لخير سلف» ص 8 و9.

ولعلني في حلّ من أمري ازاء شوارد وخيالات رعد أمان، وهي تطير في فضاء شعري واسع يسمو على أن يكون تجريبيا حيث لا ينفع في الموهبة التجريب ويتعطل فعل البيت الشعري :

لا يولد المرءُ لا هراً ولا سبعاً

لكن عصارة تجريب وتمرين

حيث لم استطع أن ألمّ بحفيف الصوت الشجي وهو يتدفق في عصارة ممتعة من قصيد، وإن كان الحزن والوقوف على منابت الذكريات والرثاء، عصبه المتد في نخاع التجربة الأمانية في عهدها إلا أنه بحاجة لأكثر من قراءة تغوص في اعماق هذه التجربة الشعرية التي ينفتح ألقها الأول بهذا الديوان.

تحلق في شعر رعد علي أمان النزعة الرومانسية الحالمة، وكأنه يتقصى في خطواته في دروب الامس الغائرة نسيجه الروحي، المعاناة والألم والشفافية المفرطة، يقول امان في (شوك ونار):

من وراء الظلمة العمياء آمال تضيء

نبض أضواء.. وأصداء.. وحلم لا يجيء

وأنا أرنو بطرفٍ هدّه ليل جريء

آه .. ما أصعب أن يحوي الرؤى شوق بريء

وهي أطياف من الماضي بأحزانٍ تفيء

ومن قصيدة (رياح وجراح) يقول أمان:

أرقتُ وما بي من علّة

سوى الشعر تبهتُ ألوانُهُ

وينأى ورا شفق داكن

كئيباً يواسيه شيطانُهُ

وكنت إذا رمتُهُ جئنني

به الحور طوعا وولدانُهُ

وألقينه نفثة في الشعور

زكياً ترنم ريحانُهُ

أرقتُ فعزّ علي المنام

وأظمأ جفني سلطانُهُ

ولعلنا لا نجد صعوبة في اكتشاف أمير الشعراء أحمد شوقي في ثنايا الكلمات الجميلة السابقة عن قصيدة شوقي الشهيرة يوم تتويجه أميراً للشعراء العرب.

أما بقية قصائد رعد في ديوانه الأليق فقد توزعت على لحظاته وتجاربه ووقفاته إزاء النفس والآخرين، حيث يفرد جانباً من وجداناته النابضة شعراً لـ (لطفي جعفر أمان وعلوي السقاف، الإعلامي البارز والفنان الكبير أحمد قاسم والفنان الرائع اسكندر ثابت وعملاق الأدب العربي علي أحمد باكثير وزميله في العمل الصحافي الشاعر الراحل عبدالله الدويلة، والأخطل الصغير أمير الشعراء بعد شوقي، وشاعر روسيا العظيم الكسندر بوشكين) غير محاكاته الشعرية للمكان من عدن إلى لبنان والشارقة وروسيا، فمن قصيدة (الأخطل الصغير) نختار هذه الأبيات:

الأخطل الصغير ** مقامه كبير

في عالم الجمال ** والفن والخيال

يكاد يستبيني ** برقّة اللحون

فيأسر الشعورا ** إذ ينشر العبيرا

الكل هام فيه ** وفي قوافيه

قصيدهُ جمان ** يصوغه البيان

يجلوه في الليالي ** فينتشي الزمان

كأنه وربي ** يحيا بكل قلب

وفي النفوس فكرهْ ** تجتالُ في مسرّهْ

وتبقى الفكرة الخالدة تتجول في ثنايا مبدع لما يزل في ربيعه وألقه، فمن (أغوار الأمس) إلى مبتغيات اليوم وغد سوف يتألق الشاعر رعد علي أمان بإذن الله.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى