المسلسل المكسيكي لميناء الحاويات

> أحمد عمر بن فريد:

> إذا أراد أي مركز دراسات عالمي التحدث بالأمثلة الواقعية والأدلة القاطعة, عن الفساد في دول العالم الثالث التي (تتذيل) قوائم الدول الفاشلة والرخوة أو الهشة..الخ المسميات السيئة السمعة , فإنه لن يجد أفضل من الحديث عن مشروع «ميناء الحاويات» في عدن كنموذج بائس و تعيس , ولن يجد أفضل من هذا النموذج (الحي) ليقدمه كمثال واقعي دال على الكيفية التي تهيمن فيها منظومة «الفساد» على مسار المشاريع الاستراتيجية الكبرى في مثل هذه الدول, عبر المكاتب الرسمية والوزارات المعنية ذات العلاقة, حيث تتقدم فيها قوانين «السمسرة والمبايعات الجانبية» على قوانين وتشريعات الشفافية والمصالح العامة, ويأتي كل ذلك في صورة واضحة وجلية, لا تختلف الا في (الكم) عن مثيلاتها من صفقات الغموض الأخرى , التي يمكن أن يدير شئونها وإجراءاتها النهائية سماسرة (عاديون) متخصصون في عمليات التحايل على النظام العام والقوانين والتشريعات .

وفي هذه القضية تحديداً, يمكن للمراقب العارف بمقاييس المناقصات والمزايدات, أن يتعرف على كل معاني (العجن) و(اللت) و(اللف والدوران) و (التحايل) في مسلسل مشروع ميناء الحاويات, منذ أن بدأت الفكرة وطرحت في مطلع تسعينات القرن الماضي حتى يومنا هذا , الذي مازالت فيه حكومتنا تصر على إقحام شركة موانئ دبي في كل مقترح تتقدم به, وكأنما هذه المدينة العريقة (عدن) وميناءها المشهور عالميا, لن تقوم لهما قائمة إلا في حالة واحدة فقط وهي أن تقوم «شركة موانئ دبي» بتشغيل هذا الميناء التعيس !

دعونا يا سادة نتجاوز بديهية مهمة يتفق معنا في منطقيتها كل خبراء العالم, وهي أن مسألة تسليم ميناء عدن للحاويات لشركة إقليمية «منافسة» يعتبر ضرباً من ضروب السذاجة والتفريط في المصلحة العامة على حساب المصالح الخاصة, استناداً إلى حقيقة منطقية تقول: إن شركة موانئ دبي لا يمكنها - بأي حال من الأحوال - أن تقوم بتشغيل ميناء عدن على حساب مصالحها التجارية, وبما يؤدي إلى منافسة «مينائها الرئيسي دبي» وبالتالي الإضرار بمصالح بلادها العليا .. فلا يمكن لعاقل أن يتصور أن تعمل موانئ دبي على تطوير ميناء عدن بما يحقق طموحات اليمن, وبما يتناسب مع مكانة وموقع هذا الميناء العريق وهي تعلم - علم اليقين - أن التقدم في هذا المجال يعني (بالضرورة) تراجعاً عن مسار مصالح مينائها الوطني .

هكذا يقول المنطق,وهكذا تقول أبسط قواعد التنافس الاقتصادي ..أم أن أحداً في بلادنا يظن أن مثل هذا «التناقض» الواضح في المصالح ما بين دبي وعدن , يمكنه أن يصبح أمراً ممكناً من أجل خاطر عيونه!

ورغم ذلك..دعونا نتجاوز هذه البديهية - على أهميتها - ولنلق بها جانباً , وننطلق من مسائل أخرى ذات علاقة بهذه القضية الوطنية الكبيرة , من خلال التعرض للخيارات (الأربعة) التي طرحها مشكوراً السيد رئيس الوزراء على السلطات العليا في البلاد للأخذ (بأي منها) .. فهذه الرسالة التي تسربت للصحافة اليمنية, تضع العالم أمام مجموعة حقائق مؤسفة, من ضمنها, حقيقة أن درة لا تقدر بثمن (كميناء عدن) لا تتجاوز في نظر دولته قيمة (سلعة رخيصة) يتم عرضها للبيع في سوق (الحراج) وفي مزاد متواضع لا يليق بها كجوهرة طبيعية ثمينة!!

كما أن المتابع لن يجد أية (حكمة) يمكن تحصيلها من عملية تسريب هذه الرسالة الحكومية ذات الخيارات الأربعة للرأي العام, بل إن سلبيات تسريبها أكبر بكثير من تلك الإيجابيات - التي لا نعلمها - والتي اقتضت التسريب والنشر. خاصة وأنها تكشف (نوايا) الحكومة وخطتها ورؤيتها ومحاذيرها وتخوفاتها غير المبررة وخشيتها على سمعة اليمن - التي تلطخت بالفعل - جراء هذه القضية عبر مراحلها المختلفة, كما أنها - أي (الرسالة) - تكشف أيضا عما يمكن أن نسميه «المغازلة» لهذه الشركة الصينية أو تلك .. والكثير من الأمور الأخرى التي لم يحزني فيها سوى محذور الأخذ بالخيار الثاني القاضي بإعلان مناقصة جديدة والذي جاء حرفياً كما يلي :

«قد لا تدخل موانئ دبي المناقصة الجديدة!! وبالتالي قد تكون منافساً قوياً وشرساً لأي مشغل جديد لمحطة عدن للحاويات فضلاً عن إمكانية منافستنا في ميناء جيبوتي»!!

حقيقة.. إن شر البلية ما يضحك, فهذا المحذور ومضمونه يعكس حالة عدم الثقة بالنفس , وتخوفاً لا مبرر له , وانهزامية ذاتية قبل أن تبدأ المنافسة أصلاً , واستسلاماً قبل أن تبدأ المعركة , وهو يكشف نوايا الحكومة وكيفية تعاطيها وإدارتها لشئون مشاريع كبرى .. كما أنه يتناقض بالكامل مع التسويق الذي حوته الرسالة , للشركة الصينية التي تقول الرسالة إنها تناول خمسين مليون حاوية في العام بينما دبي تناول ثمانية مليون حاوية فقط !! .. فإن كان الأمر هكذا ..فلماذا إذا هذا الخوف المبالغ فيه من شركة دبي؟!!

أما الخيار الثالث الذي تم قبوله والتسليم به فهو دعوة كبار شركات العالم المتخصصة بما فيها شركة دبي (فاسوخة ميناء عدن) وشركة هيتشستون الصينية بهونج كونج مع الشركة الكويتية المظلومة وغيرها من الشركات الأخرى الراغبة «للتفاوض» على طاولة واحدة.. ليتم اختيار الأفضل !! وشخصياً .. أعلم مقدماً من هو الذي سيكون الأفضل .. كما أعلم أيضاً من هو الأفضل والأجدر ..وان غداً لناظره قريب .

[email protected]

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى