وتلك الأيــام .. الموظف الرقمي

> محمد سالم قطن:

> على الرغم من الإبهار الرائع لمنجزات الثورة التقنية الرقمية في دنيا الاتصالات وعالم المعلومات والوسائط السمعية البصرية إلا أن الحقيقة تقول بأن السلوك الإنساني هو الأصل والقدرات البشرية هي المحور والرفاهية هي المنطلق.

فكما هو معروف للكثير من المتابعين للدراسات في تاريخ العلوم الطبيعية والتطبيقات التقنية أن الظاهرة الرقمية في العلم والصناعة وتطبيقاتها التي شملت في السنوات الأخيرة كل مجال حتى صارت تسمى بالثورة الصناعية الثالثة، إنما نشأت من تطوير وتطبيق مجال نظري بحت هو ما يسمى بعلم السيبرنطيقا، وهو باختصار علم التحكم والاتصال بكل مظاهرهما، في الحيوانات وفي الآلات، أي أن التطبيقات الحديثة في علوم البرمجة وبحوث العمليات وما أفرزته من ثورة تقنية رقمية نبعت أصلا من محاكاة أساليب الأداء والتحكم في الأجسام الحية وفقاً وآخر إنجازات علم الأحياء والهندسة الوراثية وما يسمى بالبيولوجيا الجزيئية.

وعلى أيامنا هذه جرت تطورات صناعية كبيرة على أغلب الأجهزة والآلات فأصبحت تعمل وفق أنظمة التحكم الرقمية بطريقة أدت إلى أن يقل المعروض من الأجهزة القديمة التي تعمل وفق أنظمة التشغيل العادية، وإن وجدت فقطع غيارها لا تتوفر في الأسواق إلا بشق الأنفس، الأمر الذي يمهد لانقراض تلك الأجهزة والآلات وحلول البديل الرقمي الأكثر تعقيداً محلها عما قريب.

واعتماداً على ما أوضحناه سلفاً عن جذور العلاقة بين نشأة التقنية الرقمية وأساليب التحكم في الكائنات الحية فإنه صار لدينا على هذا الزمن نماذج رقمية من بني البشر، أشكالهم كأشكالنا ودماؤهم كدمائنا إلا أن لديهم شراهة فائقة وجشعاً دائباً وشغفاً زائداً بالسلطة والتسلط وحب الظهور، ولديهم قدرة كامنة على التسلق نحو المناصب والمواقع تفوق قدرات كل النباتات المتسلقة.

في السنوات الأخيرة اختفى في قطاعات كثيرة من دوائرنا ومرافقنا الموظف الطبيعي وحل محله الموظف الرقمي. الموظف الطبيعي استبعد تحت شبهة التقاعد والتقعيد وتحت دعاوى الدماء الجديدة والتشبيب، كما حجبت المركزية المفرطة الرؤية الطبيعية فتفاقم الداء ليتزايد الكم الرقمي على الكيف الطبيعي.

الموظف الرقمي أقل قدرة على العطاء لكنه الأكثر استحواذاً على العطايا والرشى. وإذا كان من السهل على المنظومة الاجتماعية والإدارية الوصول إلى الموظف الطبيعي ومحاسبته وتقويمه فإنه من العسير جداً الوصول إلى الموظف الرقمي أو محاولة تقويمه فهو عصي على المحاسبة، لا لأنه مسنود من شلة رقمية مثله فحسب، بل أيضاً لأنه من الصعوبة بمكان إصلاح الرقمي من البشر كما تعذر من قبل إصلاح الآلات الرقمية بأساليب الصيانة العادية!!

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى