رحلة في دهاليز عالم اللاجئين الصوماليين بعدن

> كفى الهاشلي:

>
أحمد وزوجته وأولاده الخمسة
أحمد وزوجته وأولاده الخمسة
اللجوء مسألة قد ينظر لها البعض على أنها فرار من وضع سيئ إلى أفضل، لكنها في الحقيقة قضية المستجير من الرمضاء بالنار.. فمع ما يعيشه الشعب اليمني من ظروف صعبة في ظل تفشي الغلاء الذي تراجعت معه مستويات المعيشة وانحدرت الطبقة الوسطى لتصبح في عداد الفقراء، واتضح معها البون بين طبقتين يبدو أن لا ثالثة لهما، ألقى هذا الوضع بكل ثقله على أولئك الذين تركوا ديارهم بحثا عن الأمان ليجدوا أنفسهم بين قضبان المعاناة معتقلين .. ترى كيف يعيش اللاجئون في عدن وما هي وسائل الحياة المعيشية؟

«الأيام» تقتحم دهاليز هذا العالم الصغير في قلب عدن لترسم المعاناة الكبيرة بكافة ألوانها المنقوشة على خارطة الواقع المرير.رحلتنا كانت والشمس في كبد السماء، حيث كان اللاجئون الصوماليون في قلب سوق منطقة البساتين التي لا تتصل بتسميتها تلك أي ملامح من الواقع، فلا أشجار ولا أزهار، وكل ما فيها رؤوس محشوة بالخوف من القادم وبطون مفرغة من لقمة العيش البسيطة وعيون تتطلع إلى أياد تساندها في محنة الاغتراب أو إلى عمل بأي مسمى، وإن لم يكن فيبقى تطلعها نحو ما يجب أخذه لسد الجوع. السوق مترامية الأطراف يجلس للعمل فيها النساء والرجال والأطفال، كل يعمل على شاكلته، البعض في بيع الخضار والفواكه وآخرون في الخياطة وبعضهم مع عربات النقل (الجمال) بينما يتدفق على المحطات والشوارع المزدحمة في عدن بعض النساء الصوماليات ومعهن أطفالهن يمارسن الشحاذة.. فلمحات الشارع قد تحدثكم عنها الصورة، فكل شيء يعبر عن نفسه: جوع، عمل، خوف، لجوء، شحاذة بكلمات نسمعها كل يوم «الله يعطيك.. الله يفتح عليك».. وتمتمات صومالية لا نفهمها إلا عندما تمد المرأة يدها بطلب المال.

عائلة صومالية في البساتين
عائلة صومالية في البساتين
مشاهد يراها الكثير منا في عدن، ولذا تركنا الفروع لنتجه إلى الأصل وقررنا زيارة منطقة البساتين، وبدأنا بقراءة الواقع من المحطة الأولى لنا مع عائلة الحاج محمد حسن، دخلنا المنزل وكانت المفاجأة أمامنا بخروج عدد غير قليل من كل الغرف، وعندما سألنا الحاج محمد عن هذا التجمع قال لنا إن منزله عبارة عن عدة منازل داخلية، حيث يقطن عدد من الأسر التي وفدت لليمن بفعل ويلات الحرب، وكان آخرها أسرة أحمد التي وصلت قبل شهرين.

الحاج محمد كان متمددا على الأرض بفعل إصابته في ساقه، وحرك مشاعر الألم فيه حديثه عن العائلات اللاجئة إلى داره، في أرض لجأ إليها منذ أربعة عشر عاما، مستضيفا أربعة عشر طفلا وأربع نساء وأزواجهن .. وقال: «أنا عجوز كما ترون ومتعب وظروفي صعبة، ولست وحدي من يشكو هذا الحال، فكل من يعيش هنا يعاني ما أعانيه وهذا وضعنا كما ترون (يقصد المنزل المتهالك والأثات شبه المعدوم والغذاء المفقود) وكل أولئك النساء يمارسن الشحاذة لجلب لقمة العيش لأطفالهن والرجال يعملون في تنظيف السيارات وخياطة الأحذية.إن وضع هذه العائلات وأملها المنتظر في تحسينه يكاد يكون معدوما، ويحق أن يغنى له بما أطربنا به الفنان الراحل عبدالحليم حافظ بانه أمل مفقود.. مفقود».

هل أسرق الشعب اليمني كي أعيش؟

مع أحمد الذي لم تتجاوز فترة وجوده في اليمن للمرة الثانية سوى الشهرين، وقفنا لنسأله عن أسباب العودة إلى اليمن فقال: «بعد أن عادت الحرب التي شنتها المحاكم الإسلامية ودمرت بيوتنا هناك ما كان لي إلا العودة مجددا إلى اليمن، وكما ترون أسكن مع الحاج محمد ولا أستطيع تحسين ظروف حياتي، وكل ما أريده هو توفير لقمة العيش لي ولأبنائي الخمسة، وعندي استعداد للبقاء في المخيم لكن أن أظل فيه وأرى أطفالي يتضورون جوعا فهذا ما لا أحتمله، وأقولها بكل صراحة إن وضعي قد شرحته للمفوضية السامية لكن دون جدوى، فماذا أعمل؟ هل أسرق الشعب اليمني لأسكت لهيب جوع أبنائي؟ هذه مشكلة فمعظم من يدخل السجون اليمنية من الصوماليين تكون تهمهم السرقة، فهم لا يستطيعون العودة بلا شيء إلى أطفالهم الجياع فيمدون أيديهم مضطرين لذلك، وأنا أناشد المفوضية وكل الجهات المسؤولة أن تنظر لمصيرنا وحياتنا الصعبة وتوفر لنا الغذاء حتى نستطيع البقاء في المخيم».

حليمة عبدالله عبده وأطفالها
حليمة عبدالله عبده وأطفالها
طردت من المنزل لعدم سداد الإيجار

غالية يوسف آدم قالت: «لدي ابنتان وثلاثة أبناء، وحتى الآن أمضيت عشر سنوات في اليمن وأعتمد على مزاولة الشحاذة طول اليوم، وأحد أبنائي يدرس وأدبر مصاريف دراسته من الشحاذة، ووالده يعمل بمسح السيارات، وابني أحمد حسن مريض بالتهاب الصدر ولا أقوى على علاجه فكل ما أجمعه في اليوم حوالي 300 أو 400 ريال وهو لا يكفي لإيجار المنزل (300 ريال) ومصاريف الأولاد، ولقد طردنا البارحة بسبب عدم سداد الإيجار حيث نؤجر المسكن من صوماليين مولدين هنا».

يزج بنا في السجون ونعود للتسول

أما حليمة عبدالله عبده فكانت تحمل طفلها حديث الولادة محمد على صدرها وتضع الآخر على ظهرها بطريقة الربط الصومالية، وقالت: «دائما ما تطاردنا الحكومة اليمنية بسبب ممارستنا الشحاذة ويزج بنا في السجون، ولكننا لا نجد وسيلة أخرى لجلب المال غيرها، فعندي أطفال صغار بحاجة إلى الحليب والماء والغذاء، وزوجي يعمل في تنظيف السيارات .. حياتنا باختصار صعبة وهذا كل ما في نيتي قوله، ولذا نعود للتسول مجددا».

أغلقنا الحديث مع تلك العائلات وتركنا المكان بما يحمل من معاناة وألم لهؤلاء الصوماليين، ونحن نعرف تماما أن هذه الأرض ما كان لها أن تعج بهم لولا لعبة السياسة والحروب الهوجاء التي تجر الويلات على الشعوب، فيما يكبر حلم السياسيين والعسكريين بمزيد من العنجهية التي يتخذونها لغة العصر في فرض السيادة، ومعها تكبر معاناة أصحاب الأرض المغادرين منها لتتضاعف في تلك القادمين إليها، وتتبعثر جهود المنظمات الإنسانية هنا وهناك وقد تبتعد عن بعض المحتاجين .. وتبقى اللفتة الإنسانية هي الشيء المطلوب في المناطق التي يقبع فيها اللاجئون الصوماليون دون استثناء.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى