(الجوركا: أسطورة جيوش بريطانيا العظمى)

> «الأيام» فاروق لقمان:

> حاربوا في صفوف الجيش البريطاني في عدة جبهات منها عدن في القرن التاسع عشر ونالوا بعض أعلى أوسمة الشجاعة المعروفة باسم «فكتوريا كروس» على اسم الملكة التي تحولت إلى إمبراطورة في بدايات القرن العشرين.

كانوا يتقدمون الصفوف في الحربين العالميتين 1914 و1939 في ماليزيا، بورنيو، قبرص، جزر الفولكلاند، كوسوفو، أفغانستان وعشرات الجبهات الأخرى حتى وصل عدد المقاتلين منهم في الحربين مائة واثني عشر ألفاً. وطبعاً قتل منهم الألوف وحرمتهم بريطانيا العظمى التي دافعوا عنها من المساواة مع جنودها البيض حتى عهد قريب رغم أنهم ظلوا يضحون بأرواحهم في سبيلها منذ أكثر من مائتي سنة.

ولما قمت بزيارة بلادهم - مملكة نيبال في سلسلة جبال الهملايا - طلبت لقاءات مع بعض المتقاعدين من قوات الجوركا وهم أصلاً قبيلة نيبالية اشتهرت ببسالة أهلها منذ القدم. فهم الذين قاوموا العدوان البريطاني القادم من الهند لاحتلال بلادهم وكبدوا الجيش الأبيض والهندي التابع له خسائر فادحة دفع البريطانيين إلى اتخاذ قرار حكيم آنذاك وهو تجنيد الألوف منهم في صفوفهم لأكثر من سبب.

الأول أنهم ضمنوا عدة ألوية من أفضل جنود آسيا. ثانياً أنهم استخدموها لمقاومة الشعب الهندي الذي كان يثور ضد الاحتلال. ثالثاًُ لتدعيم الفرق البيضاء في كافة حروب الإمبراطورية بثمن بخس إذ لم يكونوا يدفعون لهم رواتب ومعاشات مساوية للجيش الأبيض بل ما يعادل السدس أو أقل حتى قامت قائمة الشعب البريطاني نفسه للمطالبة لهم بالمساواة والعدالة بعد مظالم دامت طويلاً. في غضون ذلك رابطوا في المستعمرات من جبل طارق إلى هونج كونج وحالياً يشكلون درعاً قوياً لبروناي الغنية بنفطها. ولما استقلت شبه القارة طلبت بريطانيا وحصلت على حق ضم الألوية إلى جيشها في بلادها ومن ثم وزعتهم في أنحاء شتى.

استضفت أحد المتقاعدين من الجوركا بواسطة صديق نيبالي بارز كان سفيراً لبلاده في إيران والمملكة العربية السعودية وشملت مسؤولياته الجمهورية اليمنية ودول الخليج. فحدثني عن سجله العسكري وقال إن مئات الألوف من الجوركا في الماضي والحاضر حاربوا في صفوف الجيش البريطاني بدون نيل الجنسية وبأقل معاش تقاعد ممكن كما تقدم على أساس حجة لندنية سخيفة وظالمة وهي أن الأسرة النيبالية لا تحتاج إلى كل المعاش الذي يُدفع لرفيقه الأبيض رغم أن عائلها المتقاعد حارب ببسالة فاقت الجميع وكان وجوده في ساحة القتال بقبعته وخنجره الشهير باسم الكوكري الذي يذبح به ثوراً هائجاً لو لزم الأمر، كان يبث الرعب في قلوب الأعداء.

وقد استغلت لندن خبر إرسال لواء من الجوركا خلال حرب الفولكلاند لترويع الجيش الأرجنتيني الذي احتل الجزر عام 1980، بتكرار البث قبيل اندلاع الحرب بأيام والإشارة إلى الخنجر الشهير الذي يحمله كل جوركا خلال المعارك والقادر على ذبح الثور والأعداء الآدميين أيضاً.

وقال لي الضيف الذي كان يتمتع بلياقة بدنية غبطته عليها رغم فارق السن بيننا عام 1986، إنه حارب في ميادين القتال في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ونال أكثر من وسام إلا أنه لا يتلقى سوى بضعة جنيهات إسترلينية كل شهر بعد خدمة طويلة ومليئة بالمخاطر.

وأغراني الحديث بمعرفة المزيد عن الجوركا فاشتريت كتابين مزودين بالصور من مكتبة كتماندو التي حوت عدة مؤلفات لبريطانيين خدموا في مملكة نيبال وإقليم الجوركا وبعضهم اشترك في القتال مع الألوية ضد الأعداء الألمان والإيطاليين وأيضاً ضد الجماهير الهندية التي كانت تطالب بالاستقلال لأن البريطانيين اطمأنوا أكثر إلى الجوركا وإلى أعضاء طائفة السيخ أكثر من الهندوك والمسلمين لأسباب طائفية مذهبية دينية في عهد تطبيق سياسة «فرق تسد».

والمعروف أن لندن جندت وألقت بمليوني جندي هندي في أتون الحربين وراح منهم مئات الألوف في الحروب ضد الاحتلال الياباني الذي امتد من حدود الهند إلى هونج كونج نفسها إثر الهزائم المتلاحقة التي منيت بها بريطانيا وهولندا وفرنسا في الحرب العالمية الثانية 1945-1939.

وقد كشفت الحرب جبروت اليابان العسكري مقارنة بالاستعمار الأوروبي الذي كان مفروضاً على شعوب مغلوبة على أمرها بالتحالف مع حكامها وملوكها وسلاطينها في كل أنحاء الإمبراطوريات.

أين الجوركا حالياً؟ هناك ثلاثة ألف وخمسمائة في الجيش البريطاني، وبعضهم في بروناي وقلة قليلة من الجيل الجديد صاروا حراساً حتى في بعض دول الخليج سيما وأن الحروب الجديدة أصبحت تُدار إلكترونياً ولم تعد للخنجر النيبالي هيبته السابقة ولا حاجة له في ميادين القتال إذ لن يدري المقاتل ما الذي أصابه من بُعد عشرين كيلومتراً. .

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى