لا لكل تلك البشاعات

> عبدالقوي الأشول:

> لا يمكننا نفي الصفات الإنسانية التي تجمعنا بني البشر بمختلف الديانات والملل.. فالكثير من المواقف التي تثير عطفنا هي كذلك عند أصحاب الملل الأخرى، وما تعبر عنه الحكومات من مواقف ليس بالضرورة أن تكون محط إجماع شعوبها.. بدليل أن الكثير من سكان البلدان الأوروبية خرجوا في مسيرات حاشدة تعبر عن رفضهم بعض سياسات بلدانهم تجاه شعوبنا العربية.

بل إن الكثير من قضايا حقوق الإنسان.. أشد المدافعين عنها هم الأوروبيون الذين تشكل ديارهم ملاذاً آمناً لمن ضاقت بهم سبل الحياة في أوطانهم. ثم هل نستطيع أن ننتقص من آدمية وإنسانية المليونير اليهودي الأمريكي الذي تعاطف مع الفلسطينيين ممن يهدم الاحتلال الإسرائيلي منازلهم.. ما دفع به إلى تبني إعادة بنائها على نفقته الشخصية دون أن يرغب حتى في الإعلان عن اسمه، كما أن الشابة الأمريكية (راتشيل كوري) قدمت من بلادها للتضامن مع الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة ووقفت بجسدها الأنثوي الرقيق في وجه الجرافة الإسرائيلية التي كانت متوجهة لهدم منزل فلسطيني في (رفح) ما جعلها تقدم حياتها الثمينة حين داس الجندي الإسرائيلي بـ(بلدوزره) على تلك الفتاة بكل فظاظة وقبح وبدم بارد.. أليس كل هؤلاء وغيرهم، أصحاب قلوب إنسانية ومواقف تعبر عن رفض الظلم والجبروت أياً كان مصدره؟!! إنها حالة من العواطف الإنسانية يجب احترام أصحابها مهما كانت ديانتهم.. فما بالنا بتلك الأفعال التي تسيء إلى صورتنا كعرب.. وتستهدف الأبرياء ممن يعدون ضيوفاً على مجتمعاتنا العربية من السياح الأجانب.. إنها تمثل قدراً من فجاجة الفعل، وقتل النفس التي حرم الله قتلها إلا بالحق.. تتنافى مع تعاليم ديننا الإسلامي الحنيف وتزيد من فرصة تشويه الإسلام والمسلمين.. خصوصاً وأن هناك من يستثمر تلك الأفعال بالإساءة للعرب تحديداً.

ليس ذلك فحسب، فمثل تلك الأفعال آثارها الاقتصادية موجهة خصوصاً في مثل أوضاعنا التي تعاني من الوهن الاقتصادي وقلة الموارد المالية، بمعنى أدق المتضرر مما يحدث عامة الناس.. إذ لا يمكن الحديث في ظل أوضاع على هذا النحو عن أوضاع طبيعية في المجتمع.. فلو نظرنا إلى سلبيات تلك الأفعال المماثلة التي حدثت في السنوات الماضية سنجد أنها تركت تأثيراً شديداً على المداخيل السياحية، بل تعدت ذلك إلى فرض رسوم تأمين إضافية على وسائل النقل التي تؤم موانئنا على اعتبار أن نسبة المخاطر فيها مرتفعة.. وهو حال لم يتم تجاوزه إلا بعد أن بُذل جهد كبير، والإثبات بالملوس أن الصورة قد تغيرت.

فهل تعيدنا أفعال الراهن إلى نقطة البداية؟ ثم إن الجهد الأمني في هذا الاتجاه لا ينبغي له أن يلجأ إلى الطمأنينة حتى في تلك الأحوال التي تبدو فيها الأجواء آمنة لا تنذر بأي مخاطر محتملة.. بمعنى آخر أن تكثف أجهزة الأمن قبضتها الحديدية على بعض قضايا الواقع الداخلية التي لا تحتاج في الأصل كل تلك الصحوة الأمنية المبالغ فيها.. كما هو الحال إزاء من يعبرون عما أصابهم من ظلم وما تمارس بحقهم من معاملات جائزة وإقصاء وتهميش أو من يعبرون عن آرائهم نهاراً جهاراً في نقد الواقع وبما ينم عن حرصهم على أن لا تستمر الأمور بهذا المنحى الذي يولد أزمات حياتية نحن في غنى عنها، أي أن تدرك أجهزة الأمن أن مهامها أكبر من أن تتلخص بتلك الوطنية المفرطة والمبالغ في أمرها تجاه قضايا الشأن الداخلي على حساب قضايا أكثر أهمية.

فسوء تقدير قضايا الواقع الداخلية أو الاستهانة بأمرها يقود إلى منزلقات أشد خطورة وتداعيات يصعب احتواؤها في مجتمع يعاني أصلاً من ندرة الموارد المالية وتنامي المشكلات الاجتماعية بسبب الفساد والفقر والبطالة ونحوها.

كما أن افتعال الأزمات أو سوء إدارة ما تكشف منها يزيد من فاتورة التكلفة على حساب أولويات ملحة.. في ظل ذلك لا بد أن تبدو شدة وطأة مثل هذه الأفعال التي تستهدف السياح الأجانب واقتصادنا وسمعة بلادنا.. أفعال لا يمكن الحد منها إلا بتمتين لحمة المجتمع الداخلية، والإدراك المتأخر لمثل ذلك ربما لا يكون مجدياً.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى