> هيثم الزامكي:

«مشكلتنا أننا نستعجل النتائج ولا نستعجل الإصلاحات.. أقسم بالله إذا أصلحنا أنفسنا فإننا سنتعب من إحصاء النتائج» هكذا أجاب الأخ عبدالرحمن الجفري، رئيس حزب رابطة ابناء اليمن على أحد أسئلة المقابلة التي أجرتها معه العزيزة «26 سبتمبر» في عددها الصادر الخميس 21 يونيو 2007م.

بشكل عام كان هذا اللقاء من أهم اللقاءات التي أجريت مع الاستاذ الجفري وتستحق التوقف عند مضمونها، ولكن دعونا هنا نتوقف وبشيء من التفصيل- نأمل أن لا نوصله إلى حد الملل- عند العبارة الواردة أعلاه ضمن ردود السيد الجفري على أسئلة المقابلة.

ومن خلال النقاط التالية نحاول استيضاح جوهر هذا الحكم هل هو فعلاً على أرض الواقع؟ وإذا كان كذلك ما هي شواهده؟ وما هي آثاره السلبية؟ وكيف ينبغي أن تكون صورة ومضمون العملية الإصلاحية انطلاقاً من مفهوم تلك العبارة؟واللإجابة عن تلك الأسئلة يمكن التركيز على أبرز المظاهر التي تعكس منهج وفلسفة تغليب النتائج على جوهر العملية الإصلاحية، وأبرز تلك المظاهر هي:-1 شحصنة العملية الإصلاحية.-2 الفلسفة المسبقة لنوعية وأهداف النتائج المطلوبة.-3 لإصلاح بالتمني.

أولاً: شخصنة العملية الإصلاحية:

يدفع منهج استعجال النتائج باتجاه ربط مصير العملية الإصلاحية بيد أشخاص معينين، وهذا ليس خطأ إذا كان هؤلاء الأشخاص هم نتائج إفرازات العملية الإصلاحية، لكن الذي يحدث في واقعنا هو عملية مغايرة بحيث تلخص المهمة وتربط بأشخاص معينين يصوبون جهودهم باتجاه وحيد من الأعلى إلى الأسفل، وفي هذا ضرب حقيقي لجوهر العملية الإصلاحية التي ينبغي أن تنطلق من الأسفل إلى الأعلى ويقتصر دور المستوى الأعلى فيها على استيعاب ودعم وتوجيه العملية، ومن الأمثلة التي تعبر عن هذا المنهج:

- اعتبار مهمة إصلاح وزارة ما مقرونة بوزير معين.

- اعتبار مهمة إصلاح منطقة ما مقرونة بمحافظ أو مأمور معين.

- اعتبار مهمة إصلاح مؤسسة ما مقرونة بمدير معين.

والمحصلة الدائمة لهذا المنهج هي تغير في الوجوه والأشخاص، واستمرار الحالة كما هي دون إصلاح حقيقي، وقد يصادف في بعض الحالات نجاح معين لكنه ليس نجاحا إصلاحيا بقدر ما هو نجاح شخصي ينتهي ويتبدد عند ترك هؤلاء الأشخاص المكان الذي عملوا فيه.

وإذا ما أردنا وضع صورة مقابلة لهذا الوضع، علينا أنت نتوقف عند صورة إصلاحية حقيقية تركز على العمليات والإجراءات الدائمة، وتربط النتائج بمدى الإنجاز لتلك العمليات، فيصبح المنهج قائما على:-1 وزير تفرزه الوزارة التي يعمل بها. -2 محافظ أو مأمور تفرزه المنطقة التي ينتمي لها.-3 مدير مؤسسة تفرزه المؤسسة التي يعمل بها.

ومحصلة هذا المنهج هي تطوير ذاتي لكافة مكونات الدولة، وضمان مبدأ الاستمرارية في الإصلاح والبناء التكاملي بين أعلى وأسفل النظام.

ثانياً: الفلسفة المسبقة لنوعية وأهداف النتائج المطلوبة:

عندما ترسخ لدى المستوى القيادي الأعلى في النظام، فلسفة قائمة على ضرورة تحقيق نتائج معينة بأي شكل من الأشكال، جزئياً وليس بالضرورة كليا، ظاهرياً وليس بالضرورة جوهرياً، تنشأ داخل النظام أنظمة غير رسمية تحيد عن الهدف العام، وتتوجه نحو أهداف خاصة، بغرض الظهور أمام قيادة النظام بمظهر الناجح الذي استطاع تحقيق العملية الإصلاحية، وتلجأ تلك الأنظمة غير الرسمية إلى وسائل غير إصلاحية في العمل، تقييم العمل، والمتابعة، وغير إصلاحية أيضاً في الإجراءات، وتكون المحصلة استمرار تفاقم المشكلة والمزيد من التراكم الذي يجعل من الإصلاح في المستقبل أمراً شديد الصعوبة.

ومن أبرز الأمثلة المعبرة عن هذا المنهج، عمليات التبادل غير المنتج التي تفرزها علاقات تلك الأنظمة غير الرسمية وتتم في المستوى الأعلى للنظام، كتحول وزراء إلى محافظين والعكس، مديرين إلى سفراء والعكس... إلخ،بحيث تكون القيمة الكلية للعملية معدومة.

ثالثاً: الإصلاح بالتمني:

وهو من مظاهر منهج استعجال النتائج، وتأخير الإصلاحات الحقيقية، حيث تترك العملية لجملة من المعطيات التي في أغلبها خارجية، فنلاحظ أنه بمجرد أن يتم توقيع اتفاق لمشروع ما، أو خطة ما، حتى تظهر إلى السطح مؤشرات ونتائج كبيرة غير محققة على أرض الواقع، ويتم التعامل معها كأمر واقع سيأتي لا محالة، ونحن هنا لسنا من أنصار التشاؤم أو إحباط الآمال، لكن العملية ينبغي أن ينظر إليها بمفهوم ومنظور أوسع، ولسنا معقدين، بل هي العملية معقدة، ومعقدة جداً في اليمن تحديداً، ويجب أن يرتقي فهمنا لها إلى الدرجة التي تجعلنا نستفيد من تلك الرؤى والأهداف والمشاريع المستقبلية.

ومن الأمثلة المعبرة عن هذا المنهج:

-1 اعتبار انضمام اليمن إلى مجلس التعاون الخليجي مسألة وقت فقط، وبذل جهود لتسريع الاندماج باعتباره الخطوة الأولية للإصلاح، بينما الأفضل أن نعيد صياغة المسألة فكلما أسرعنا في الإصلاح قربنا من النتيجة المتمثلة في الانضمام إلى المجلس.

-2 ومن الأمثلة الأخرى التي تعبر عن ذات المنهج، الاعتماد على المساعدات الخارجية واعتبار الوعود المقدمة بشأنها أمرا واقعا لا يتطلب شروطا وجهودا محلية للاستفادة منها.

-3 الارتكان إلى بعض التوقعات المستقبلية المبنية على الأهمية الاستراتيجية لليمن في المنطقة، أو ظهور بعض الثروات المادية كالغاز والنفط وغيرها من أمثلة ربط الإصلاح بتحقيق بعض النتائج في المستقبل. وأخيراً يجب القول إن الإصلاح ليس مجرد شعار، أو كلمة وليدة الصدفة، بل هو حقيقة يمليها الخلل الحالي، والعملية الإصلاحية لن تتم ما لم يؤمن بها النظام كله، إيماناً حقيقياً وموضوعياً، متجرداً من كل المظاهر السلبية سابقة الذكر، ومتسلحاً باتفاق ضمني شامل مع كل مكونات النظام (الدولة) محققاً عملية إصلاحية جوهرية تفرز النتائج الحقيقية ضمن جهد مستمر لا تحكمه تمنيات آنية ونتائج مسبقة الصنع.