تقلبات المدن..

> فضل النقيب:

> كتبت الأسبوع الماضي عن وكلاء المغتربين اليمنيين في عدن، وكانوا من شواهد ازدهار المدينة ونمو تجارتها واستقطابها للتحويلات المالية في فترة الانتعاش عقب الحرب العالمية الثانية وحتى الاستقلال في عام 1967، حيث تلاشت هذه المهنة لأسباب موضوعية وذاتية لا مجال هنا لتفصيلها.

الشاهد أن المدن كالأفراد تتقلب بها الأحوال من طور إلى طور وإذا لم يدرك القائمون عليها أسباب ازدهارها فلن يدركوا أسباب انهيارها، وهم في ذلك كالوريث الذي لم يتعب في اكتساب الثروة وتنميتها وتأمين مصادرها، يصرف منها كما يشاء دون أن يضيف وما هي إلا سنوات كلمح البصر تمر حتى يجد نفسه على «الحديدة» يتكفف الناس فلا يجد منهم غير الازدراء لأنه أُعطي ملكاً فلم يُحسن سياسته.

ومنذ دالت دولة «المبردنين»- وكلاء المغتربين ولدت ونمت أجيال عديدة لم تعد لها علاقة بالمدينة القديمة ووشائجها، وما أسفرت عنه من بنية ثقافية وفنية يستمعون إليها أغاني رائجة وأشعاراً رائقة وقصصاً كأنما من «ألف ليلة وليلة»، وكان في أساس كل ذلك الازدهار الاقتصادي النسبي، والحياة المدنية المحكومة بالقانون، والتسهيلات التجارية والنقدية والملاحية لاجتذاب الشركات العالمية وخطوط الطيران والبواخر مع تشجيع التعدد وتعايش الثقافات وطرق العيش، وكل هذه العلائق تنمو بالتدريج وتوجد التراكم المطلوب للنمو فبعد التجارة ومن حصيلتها أخذت الصناعة تبزغ في مشاريع مبشرة بدأت بالمشروبات الغازية ثم الورش الصناعية للسوق المحلية وللجوار القريب، ثم أخذ العمران بالاتساع ترافقه مشاريع البنية الأساسية، وكل ذلك بأيد محلية اكتسبت المهارة والحرفية. وكنت قبل شهرين أتحدث في مقيل إلى العم علي محمد سعيد رئيس مجلس إدارة مجموعة السعيد البيت التجاري والصناعي الأول في اليمن، فحدثني عن قطيع الغنم الذي اشتراه مع عمه هائل من الحجرية في حدود ألف روبية هندية، وباعه في الشيخ عثمان بمكسب 200 روبية افتتحا بها بقالة في المعلا، ومع الجد والمثابرة والإخلاص نما ذلك القطيع القليل العدد ليصبح هذه الإمبراطورية التي يعمل لديها حوالي 25 ألف عامل ماهر ومسئولين ومدراء ومهندسين من ذوي الكفاءات العالية، والجميع يتقاسمون العيش تحت مظلة واحدة، وكلما زاد دخل المجموعة زادت دخولهم.

هكذا كانت تجربة عدن، وبيت هائل هم من استلهمها وعمّمها على اليمن، وأتذكر أن والدي كان يرسلني إلى إحد «البانيانات» مقابل مقهى فارع في شارع مسجد العسقلاني وكان يقوم بإعداد المراسلات وتعبئة استمارات البنوك والتأمين من أجل استيراد بعض البضائع وكانوا قلة في الخمسينات من يستطيعون القيام بعمل هذا «البانيان» والآن تتوفر الكفاءات فيما هو أخطر وأعقد من ذلك ولكن سوق العمل مليء بالأنقاض والمعوقات التي تحد من الحركة ولن ينزاح ذلك إلا بفهم روح التنمية وأهمية تطبيق القوانين والقضاء على تجارة البلطجة وصناعة الفهلوة.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى