أخرجوا الأمن السياسي من الجامعات

> أبوبكر السقاف:

> حرم تسعون طالبا من امتحانات نهاية الفصل الدراسي الثاني 2007/2006م بقرار من مجلس الكلية السادسة المنعقد في 2006/4/9 وذلك لرفضهم المشاركة في المهرجان الشبابي المقام ضمن احتفالات 22 مايو 2007، ختم الكلية وتوقيع العميد الدكتور عبدالحكيم المنصوب- الشارع 2007/7/7.

ويشرح العميد قرار مجلس الكلية «تم تحذير الطلاب إن لم يشاركوا في الاحتفالات فسيتم فصلهم لأن عدم المشاركة مخالفات صارخة وتخلف عن أداء واجب وطني». هذا اعتداء بوليسي على الطلاب، لا علاقة للواجب ولا للوطن بالأمر، ومثل هذه الأنشطة الدعائية من حق الطالب والطالبة المشاركة فيها باقتناع غير مفروض عليه أو أن لا يشارك فيها، وحشر الكلمات الكبيرة:

الوطن والواجب... إلخ للدفاع عن تصرفات صغيرة طبع قار في سلوك رجال الأمن، وهو مجاف لأبسط قواعد التربية وأساليب التدريس. والمضحك المبكي أن يصل إخراج المسرحية الأمنية إلى تهديد رئيس الجامعة بالاستقالة في حال عدم معاقبة الطلاب الذين تخلوا عن أداء واجب وطني.

ووصف المخالفات بأنها صارخة دليل على تدنٍّ في فهم دلالات الكلمات في اللغة العربية. كما أن وصف جامعة إب بأنها جامعة (البوابات الثلاث) دليل آخر على عدم معرفة بلغة البلاد الرسمية، فالأصوب (الأبواب الثلاثة) لأن (بوّابة) صفة للمؤنث ويقال للرجل (بوّاب)، وهذا خطأ شائع.

وأقترح على ممثل (هود) فيصل الحميدي أن يبادر برفع قضية مستعجلة لإبطال قرار ظالم يعيد للطلاب حقهم في دخول الامتحانات.

وأما السر الخطير الذي كشف عنه رئيس الجامعة الذي يمكن أن يضاف إلى قائمة المشروعات في إب ليصبح العدد (3645) فهو أن الرئيس منح الطلاب الجامعيين المشاركين في الاحتفالات 30 درجة مكافأة وحدوية!! وبذلك تقتحم إنجازات الوحدة مجال التعليم العالي.

وهذا يذكرني بالرئيس لوكا شيكو (روسيا البيضاء) الذي أصر قبل أعوام على أن يضع امتحان الشهادة الثانوية، فقد كان مدرسا قبل أن يصبح رئيسا، وفي التاريخ الحديث للعراق الشقيق الذي يقاوم إعادة استعماره أذكر تحمس الراحل عبدالكريم قاسم للطلاب الذي تمثل في نقل الطلاب والطالبات من فصل دراسي ومن مستوى إلى آخر بقرار، ودون امتحانات، ووصف للسخرية منه بـ«التزحيف».

إلحاق العلم والتعليم بالأمن السياسي أفدح ضرر يصيب أي مجتمع، لأنه يقوض المستقبل والحاضر معا ويترك آثارا عميقة في الوعي الجمعي، وفي الخلفية الاجتماعية والسياسية، واستقلال الجامعة بما هي تجميع للقدرات والمواهب الفكرية والعلمية أمر حاسم في تطور أي بلد يريد أن يلتحق بالتحديث ولا أقول الحداثة، واختزال وظيفة الجامعة في القمع عمل تجنب القيام به عتاة الديكتاتوريين في الدول التي عانت من التوتاليتارية (الشمولية) لأنها دول حديثة تقوم على الترشيد وعقلانية الإدارة وجعل العلم قوة إنتاجية، وهذه كانت حال أنظمة هتلر وستالين وفرانكو وسالازار. أما دولنا السلطانية فإنها تسلطية لا تعرف الفكر الحديث ولا الترشيد ولا العقلانية إلا في إطار توظيف الأدوات في التجسس والتعذيب وحماية (ولي الأمر).

ولذا يميز علم الاجتماع بين الدولة التسلطية (السلطانية) والدولة التوتاليتارية، والأولى استمرار لما قبل الرأسمالية بكل الدلالات في مجالات الإنتاج والعلم والإدارة، والثانية دولة برجوازية حديثة، ولذا توصف تجربة الاتحاد السوفيتي بأنها رأسمالية دولة وليست اشتراكية. لا يمكن تصور ستالين أو هتلر يمنح درجات نازية أو ماركسية لينينية للطلاب والطالبات .فعلاقتهما بالمواطنين/المواطنات ليست شخصية وتتم عبر جهاز دولة ضخم.

إن ثلاثين درجة في أي مقرر دراسي تمنح أغبى الطلاب والطالبات فرصة للنجاح دون جهد، كما أنها تغرس قيمة هدامة في عقل ووجدان الشباب مفادها أن الطاعة والتزلف وسيلتان للنجاح لا الدراسة والدأب. ويصبح التعويل على (الفهلوة) والاتكالية ملمحاً في شخصية الشباب.

لا تقوم للعلم والتربية والتعليم قائمة إلا إذا أصبحت الجامعة حرما علميا كما ينص الدستور في حديثه عن دور العلم والعبادة، ولذا فإن من أولى الأولويات في العمل النقابي لأعضاء هيئة التدريس في جامعات الدولة كافة (الحكومية كلمة غير مناسبة) المطالبة بتعديل قانون الجامعات 1990 لينص على انتخاب رئيس الجامعة والعمداء ورؤساء الأقسام وإخراج الأمن من الجامعات.. حتى تكون مدى للحرية وفضاء للفكر والإبداع والإنتاج.

وهذه بداية متواضعة لمشروع نهضة عنوانه الحرية والديمقراطية والعقل الذي لا يخاف. وأية ديمقراطية ناشئة أو وليدة تحرم أساتذة الجامعات، وهم في كل تطور صحي وسوي لب المجتمعات الفكرية والمدنية والسياسية، حيث اللقب العلمي يرمز إلى سمو العلم ومقامه الرفيع، أما عندما تكون الجامعات مجالات تدريب رجال الأمن على قمع الأساتذة والطالبات والطلاب فإن «فتنة الدال لا تحجب الجهل» (عزمي بشارة) كما هو الحال في الجامعات العربية وفي مقدماتها جامعات الدولة في اليمن السعيد، حيث يوظف الدال لخدمة المدينة الجاهلة وظلامها وظلمها. ولذا كثر الدكاترة وقل بل ضمر التنوير في المجتمعات العربية، حيث العلم يغتال على أيدي مدعيه وعسس السلطان.

حرمان أساتذة الجامعة من المبدأ الديمقراطي المعروف صوت لكل مواطن يفصح عن ازدراء عميق لهذا الحق المؤسس، وأما أهل العلم فيصدق فيهم قول الجرجاني:

ولو أن أهل العلم صانوه صانهم *** ولو عظموه في النفوس لعظما

وحرية الطلاب والطالبات جزء لا يتجزأ من حرية الأساتذة، فهم جميعا الجامعة عندما يستطيع الأساتذة أن يقولوا بكل اعتداد نحن الجامعة، و(فتنة الدال) لا مكان لها في أي وسط علمي حقيقي.

كما أن العلم لا يحتاج إلى أية سلطة خارجية فهو قيمة في ذاته ولذاته.

تحقيق هذه الآمال يتوقف على اجتياز أعضاء هيئة التدريس حاجز الخوف وخوض معركة الاعتراف بهم، ودفاع الطالبات والطلاب عن حقوقهم بانتزاعها من مخالب الأمن والإدارة التي يسيرها. عندئذ فقط يمكن أن نقول هذه جامعاتنا.

2007/7/12م

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى