أبناؤنا .. والمعاناة

> علي صالح محمد:

> قبل أيام التقيت بأحد الاصدقاء الذي جمعتنا الأقدار ببعضنا في أكثر من صورة خلال أربعة عقود من الزمان، إذ صادف أن تزاملنا في العمل في منتصف السبعينات من القرن الماضي أولاً، وثانياً أصبح بعد أعوام نسيباً ليجمعنا اليوم أربعة من الاحفاد الجميلين،لنلتقي ثالثاً منذ عام 1994 م كضحايا صراع، مغضوب عليهم لننضم عنوة إلى قافلة (حزب خليك في البيت)، ومع هذا وذاك فإن صديقي ونسيبي هذا لم يستسلم للحال المفروض بل تجده مصارعاً عنيداً من أجل البقاء كأعزاء على هذه الأرض التي يراد أن نكون عليها مذلين مهانين، وكان من ثمرة هذا الصمود والصبر أن تخرج أكبر ابنائه ليصبح طبيباً منذ ثلاثة أعوام، وبهذا المنجز الجميل اعتقدت أن صديقي قد حقق بعض آماله وأحلامه المنشودة لكن حين التقيته لنتحدث عن أولادنا والمصير كانت المرارة ترقص بتباهٍ على شفتيه وتسبق كل كلماته وهو يتحدث عن ابنه الطبيب الذي تحول حاله من حلم جميل إلى كابوس شديد يؤرقه، وحين سألته عما جرى ونحن الفرحون بهذا المنجز الكبير- بعد أن أصبح أغلب ابنائنا في عداد المهاجرين في بلاد الله الواسعة أو الغرباء في وطنهم - أجابني بأن الابن العزيز منذ تخرجه لم يحصل على عمل .. فقاطعته منبهاً إلى أنه حسب علمي هناك العديد ممن تخرجوا من كلية الطب منذ عام الفين ولم يتم توظيفهم حتى الآن ويعملون كمتطوعين، أجابني أنه يدرك ذلك ومأساته ليس في التوظيف ولكن في حال ابنه الذي وصل اليه، موضحاً أن هذا الدكتور الوسيم البهي الطلعة المتفائل المبتسم الحيوي، المتزوج والمخلف ثلاثة من الأبناء، يعاني اليوم من حالة الاكتئاب، لم أصدق ذلك وأدهشني ما سمعت لأنني أعرف هذا الشاب الطبيب كنموذج مميز في خلقه وتعامله، ولم استغرب ما آل إليه حاله كأحد ضحايا الوضع المأزوم والمشحون بالفساد القائم الذي أصبح يمس كل حياتنا، لكن ما عذبني هو أن يصبح أحد الذين يعانون، وهو الطبيب الذي ينتظر منه أن يشفي الجراح ويداوي الآلام، أليست هذه إحدى صور المأساة القائمة ؟

أن نكون نحن الآباء قد (متنا ..قاعدين) قبلنا .. وصابرين على ما فرض علينا لحين تنفرج، وأن يكون أبناؤنا ضمن قافلة المحرومين من الوظيفة بعد أن حرموا من التأهيل العالي وتم تأهيلهم على نفقتنا الخاصة وكأننا أغراب في الدار قبلنا على مضض .. لكن أن يصبح أبناؤنا بعد ذلك مرضى أو يعانون جراء هذه السياسات التمييزية .. أو سمها ما شئت .... هنا نتوقف ونقول لذوي الشأن كفى .. عليكم أن تراجعوا سياساتكم تجاه حقوق الإنسان المعيشية وخاصة في التعليم والعمل، إذ أن للصبر حدوداً ولكل شيء مدى، والشر مدحون طال الزمان أم قصر .

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى