من صدفة (الخوف) تخرج (لآلئ) الشجاعة

> علي صالح محمد:

> منذ 7/7 الجديد وليس القديم ازدانت الصحف الرسمية والأهلية والحزبية بعناوين مثيرة متعددة وكثيرة جامعها الأساس الحركة السلمية للمتقاعدين العسكريين والأمنيين والمدنيين بالمحافظات الجنوبية، لكن المثير للدهشة هو أن أغلب العناوين اتسمت بالخوف مما يجري ليتداعى إلى نقدها- كل حسب هواه- عديد من الكتاب والأحزاب وبعض قيادات السلطة حد التهديد والوعيد باعتبار أن ما يجري يعد خروجاً عن الثوابت (الخطوط الحمراء) وكأن في ذلك خروجاً عن الدين والمقدسات الإلهية.

وبصيغة غير مسبوقة يتسم موقف هؤلاء بالرعب ويتضح أن الخوف يتملكهم ويسكنهم أكثر بمئات المرات من الخوف المسكون في نفوس الناس جراء إجراءات القمع والجرع والتجويع، فلماذا كل هذا الخوف يا ترى من حركة سلمية تنشد حقوقاً مهدورة بفعل وضع سياسي نشأ عن حرب باطلة وغادرة أسست لوضع باطل وما نتج عنها حتى اللحظة يعتبر في حكم الباطل شئنا أم أبينا؟ ولماذا الخوف يا ترى من جمعيات أعلنت عن نفسها تحت مسميات مدنية رفيعة كالمتقاعدين أو العاطلين الشباب الذين سيتشكلون تباعاً بفعل واقع معاناتهم الجديدة ولعلهم اللغم الاجتماعي الأخطر شئنا أم أبينا؟ لماذا الخوف يا ترى من لغه التسامح والتصالح والحوار أم أنها في عرف من يحكم لغة دونية؟ ويجب على أصحابها أن يرتفعوا إلى لغة النظام في التعامل كما حصل مع الأبكم المسكين في استاد أبين لكرة القدم، أو مع حملة القلم وأساتذة التنوير أو مع النساء الرائدات، وغير ذلك من الممارسات الدامية التي لا تنشد سوى زرع المزيد من الآلام والتمزق والمحن الجديدة لهذا الإنسان الصابر على هذه الأرض الحزينة التي يتغنى القائمون على إدارتها بمعجزات الإنجازات العظمى فيها ليظهروا كعميان فرحين بما قبضته أو لامسته أيديهم فكيف لو أنهم شاهدوا ما حققه الآخرون من جيراننا فقط، الأكيد أنهم سيخرون صرعى، أما لو عملوا عشرة بالمائة مما يجري حولنا فالمؤكد أنهم لن يتركونا ننام من كثرة المنّ علينا بما أنجز.

ومع كل ذلك لابد أن نعترف أن ما تحقق في المحافظات الشمالية وبالذات في بعض المدن بالقياس إلى ما كان عليه الوضع قبل عشرين عاماً يعتبر إنجازاً كبيراً، بما في ذلك ما حققته الوحدة الميمونة من وضع نموذجي لمن كان في حكم المشرد من داره أو المبعد أو المحكوم عليه بالإعدام ليعود إلى موطنه ووظيفته معززاً مكرماً ينعم بمنجز التعددية والديمقراطية.

وبالمقابل علينا أن نعترف أن ما حصل في الجنوب هو تراجع كبير بالقياس إلى ما شهدته هذه المناطق في ظل الاحتلال (البغيض) أو الحكم الشمولي (البائد) الذي قاد إلى الوحدة المباركة التي أتت عليها حرب 1994 لتدفن ثوابتها المقدسة ولتؤسس لمرحلة صراع جديدة ينتج عنها وضع نشاز مستمر يئن منه كل الجنوب كما تئن منه فئات عديدة في مناطق الشمال، وهو الأمر الذي لن يبرأ منه أحد إلا في حال استعاد من أقدم عليها وعيه ليعيد الوضع إلى نصابه وهو الأمر المستبعد لأن حرب 1994 لم تكن خطيئة كما يقول البعض بل وسيلة لتحقيق غايات أخرى. والحل هو أن يخرج الكل من شرنقة الخوف إلى فضاء الشجاعة لمواجهة الواقع بكل حقائقه بعيداً عن المكابرة والعناد أو المن المتسم بالجهل، وبعيداً عن الخوف من خوف السلطة ذاته وعلى قاعدة التقدير والاعتبار وعدم الاستخفاف أو التحقير بالآخر والاستفادة من الدروس والعبر، ما لم فلا حزن يدوم ولا سرور، وعلى نفسها جنت براقش.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى