لجنة (بيكر - هملتون) .. ولجنة (باصرة - هلال)!

> أحمد عمر بن فريد:

> رفعت لجنة (بيكر - هملتون) الأمريكية التي بعثت لتقصي (الحقائق) في العراق تقريرها الصادق حول مختلف الظروف والعوامل السياسية (الداخلية والخارجية) وكذلك العوامل الدينية والثقافية والاجتماعية التي شكلت عناصر فاعلة في إنتاج الفوضى الأمنية في العراق وحالة عدم الاستقرار السياسي في البلد، والتي جعلت هذا البلد العربي العريق يسبح يومياً في برك ساخنة من دماء أبنائه الأبرياء.

في نهاية التقرير قدمت اللجنة توصياتها للرئيس بوش فيما يجب على إدارته اتباعه واتخاذه من قرارات سياسية شجاعة في العراق المحتل، جاء في مقدمتها حتمية النظر بواقعية شديدة إلى البنية السياسية والعسكرية والأمنية لحزب البعث العربي الحاكم سابقا، وتجذرها في مختلف مفاصل الدولة العراقية السابقة، وأوصت بعدم تجاهلها أو إنكارها باعتبارها جزءاً رئيسياً من المجتمع العراقي، كما ندد التقرير بقرار (حل الجيش العراقي) السابق وعدم التعامل مع عناصره القيادية والتحتية إلا بمنظار (التخوين) والعداء.

إلا أن التقرير الصادق الذي أثار جدلاً واسعاً في الرأي العام العالمي على مستوى الساسة ووسائل الإعلام وفي أوساط النخب المثقفة، لم يرق للرئيس بوش ولا لإدارته، إذ أعلنت الإدارة الأمريكية حينها صراحة أنها غير متفقة بالضرورة مع (جميع) ما جاء في التقرير، وأنها تبعاً لذلك غير ملزمة بتنفيذ (جميع) ما جاء فيه من توصيات رأى فيها معدّوه أنها مفيدة وناجعة وضرورية لخلق أجواء سياسية مستقرة في العراق.

وفي هذه المرحلة، التي يشهد فيها (الجنوب) احتقاناً سياسياً واضحاً في مختلف محافظاته، بعث الرئيس علي عبدالله صالح بلجنة خاصة، برئاسة الدكتور صالح باصرة وعضوية الأستاذ عبدالقادر هلال والشيخ التقي يحيى قحطان وآخرين لم نقابلهم، بغرض تقصي حقيقة ما يحدث في الجنوب ورفع تقرير عن ذلك الحال، مع التوصيات التي تراها هذه اللجنة ضرورية على خلفية الواقع وظروفه وعوامله السياسية والأمنية والإدارية التي تنتجه .. وهنا تأتي مهمة اللجنة مضاعفة وشاقة وعسيرة، على أساس ما تحمله في عنقها وفي ذمتها من أمانة وطنية تاريخية وكبيرة ينبغي لها تحملها بما يتناسب وحجم المهمة وجسامة الحدث وملابساته وظروفه الوطنية المعقدة، وما قد يترتب عليه مستقبلاً.

من جانبنا نحن .. عبرنا لهذه اللجنة عما نعتقده ونراه واقعاً سياسياً في الجنوب لا ينبغي تجاهله أو الاستخفاف به، أو تسميته بمسميات أخرى لا تنطبق عليه، ومن منطلق المصداقية والشعور بحجم الحدث وخطورته وتداعياته، كنا صادقين في الحديث عن (لب وجوهر) الاحتقانات في الجنوب، باعتبارها احتقانات ناتجة عن وضع سياسي مختل ما بين طرفي الوحدة اليمنية (الشمال والجنوب) .. بسبب اتفاقية هزيلة في الأساس ومفرطة في الحقوق من جهة، وبسبب الحرب التي جاءت لتكمل الباقي من جهة أخرى .. وذكرنا بإمكانية تلخيص أسباب هذا الاحتقان في ما نسميه نحن بـ (القضية الجنوبية) وهي قضية سياسية الأصل والولادة والمنشأ.. مع علمنا وإدراكنا أن مثل هذه المسميات والمصطلحات، غالباً ما تخلق نوعاً من (التحسس السياسي) لدى البعض من الواقعيين، ونوعاً من (النفور والرفض) لدى آخرين ممن لا يرون الأمور والقضايا الوطنية إلا وفقاً لمقاييسهم الخاصة ومفاهيمهم الضيقة للوحدة وللوطن.

وفي كل الأحوال .. فإن أعضاء اللجنة وحدهم يعلمون حقيقة مهمتهم التي جاؤوا على أساسها ومن أجلها، فإن كانت مهمتهم تتركز في الأصل على عمل كل ما من شأنه (تنفيس) هذه الاحتقانات ومعالجة هذه الجزئية الصغيرة الناتجة عن هذا الوضع السياسي المختل أو تلك، من خلال تقديم (المسكنات) و (المهدئات) .. فإنها قد تنجح في فك هذا الاحتقان مرحلياً فقط، بينما ستبقى (المسببات) موجودة في المناخ العام، مع استمرار مقدرتها على خلق احتقانات أخرى مماثلة في مرحلة أو أخرى مستقبلاً.. إن ما نود الإشارة والتأكيد عليه.. أن هناك مؤسسات مدنية وعسكرية وأمنية في الجنوب، تضم في هياكلها عشرات الآلاف من المواطنين، قد تم التعامل معها وفقاً للأسلوب الذي تعاملت به الإدارة الأمريكية وحلفاؤها العراقيون مع المؤسسات المدنية والعسكرية والأمنية العراقية عقب دخولها العراق .. أي عبر (الحل والتسريح) وعبر لغة التخوين والطرد من المواطنة، كما أن تلك الكارثة الوطنية التي أنتجت الحرب في بلادنا قد أوجدت عناصر عسكرية (متنفذة) في الجنوب تعاملت مع الأرض كفضاء مستباح.. يجب استباحته، ومع الإنسان في الجنوب (كعائق بشري) يجب إبعاده من الطريق كعنصر مضاد للاستباحة.

ختاماً.. نأمل أن نتمكن من الاطلاع على تقرير (باصرة - هلال) كما تمكنا من الاطلاع على تقرير (بيكر - هملتون).

[email protected]

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى