لحج.. قرى ومخاليف غابرة

> عبدالقوي الأشول:

> سئل الأديب الراحل محمد الماغوط عن دافعه للكتابة في سن مبكرة فقال كان عمري عشر سنوات عندما كنت في القرية شاهدت رجلاً يركب حصاناً أسود وعندما كان يضرب الحصان بالسوط كان يصيب الناس من حوله.

فحتى وقت قريب لم نكن بحاجة لهذا العدد من الجمعيات التي تدافع عن الحقوق كما لم نكن بحاجة للكتابة بهذا المستوى من الجدية إلا أن ما يحيط بواقع المرء يفرض عليه في أحيان كثيرة شدة الاقتراب من هذا الواقع والدلو بدلوه فيه على أمل أن تسهم مثل هذه الكتابة في التعبير عن من يشعرون بوطأة المعاناة وجور السلب للحقوق والانتفاص من رغيف الخبز.. وحق المواطنة الطبيعة تحت سماء وطنهم.

ربما لا يستقيم المعنى ولا أظنه يستقيم بين متناقضات تعلن عن نفسها بصورة الملهاة والمأساة في آن بساحة وطن لا يكف إعلامه الرسمي عن التغني بحجم المنجزات العملاقة وهذا تعبير جرت العادة على المزيد من إظهاره عند كل مناسبة، لا بل قفزت اليمن وسط حيرة العالم المشددة إلى تجربتنا الفريدة من نوعها المتناهية في عدلها الحريصة على رفاهية المجتمع وسد احتياجات سكانه.. التجربة التي كانت وثباتها متوازنة وخيالية في مجال التعليم المتردي والصحة الغائبة والبطالة المنتشرة وكل هذا الترف الحياتي غير المسبوق في حياة شعب تعصف بأوضاعه أنواء شتى.

من هنا كان من البديهي أن تتلازم صروح هذه النهضة ومشاريعها العملاقة بهذا القدر من صراخ وعويل الموجوعين ومن تجاوز خيال السلطة حقيقة واقعهم المر.. فكانت جمعيات المدافعين عن الحقوق سبيلاً لدرء ذلك عن أعناقهم التي يطوقها قانون عقل المنتشي بما أعده كمالاً مطلقاً في مثالب مننه وعطاياه على العامة.

ونخشى أن تدفع قسوة الواقع كافة الشرائح الاجتماعية لإعلان مزيد من الجمعيات التي يمكنهم التعبير من خلالها عما أصابهم من جور.

في حما قرى لحج أفاق الأهالي على سياجات عملاقة حول مراعي وربوع قرى عاشوا عليها منذ آلاف السنين لم ينازعهم ملكيتها أحد.. ولم يطعن في صحة سجلاتهم قط.

إلا أن عملاق النفوس والنفوذ لا يكف عن توزيع محاسنه ولم يستثن هؤلاء البسطاء من حساباته.. وهي الحسابات التي استغرقت عند حدود العقار وتلك الكثبان الرملية التي كانت قبل حين مرتع مراعي هؤلاء.. ومن أجل تجاوز ما أنجز على صعيد النهب المنظم للعقار.. بات الحال يستدعي وضع استراتيجية عمل لاحقة لاجتثاث ما أصاب الناس من أضرار وتعدٍ وانتهاك لحقوقهم.

وهي حلول متعذرة لارتباط الأمر بمكنون التفكير أو هو انعكاس لحالة العقل الباطن الذي بدا مستيقظاً ومصراً على إنجاز مشاريع هيمنته على كل شبر من العقار وبأي ثمن.

عموماً قرى ومخاليف لحج ليست نبتة شيطانية أتت بغتة على فلاءات أرض بيضاء.. بقدر ما هو تاريخ وجود يمتد لآلاف الأعوام.. وصلة بالأرض والرعي.. أسجال وأعراف تحكم مخاليف تلك المناطق المتعارف على توزيعها بين عدد من قبائل لحج العريقة.. ولا ندري لماذا يكون هؤلاء استثناء من ذلك الحق وتلك (السجلات) التي يُعمل بها في مناحي البلاد كتفة لإثبات ملكية الأرض.

مع الاستغراق عند العقار وما تحيط من مشكلات وتداخلات تبدو كثبان تتعثر عند رمالها مسيرة المنجزات العملاقة، وعناوين للفوضى تضاف بمجملها إلى ما تكشف جراء منجز تسريح العسكريين والمدنيين وكل من قطعت أرزاقهم عنوة ما يدعو الطرف الآخر للوقوف كثيراً تجاه ما أنجز مخلصوه ولا يدري بأي الأولويات يبدأ لأن الزمن المستغرق عند حدود العقار كان مديداً.. فأي خيارات صعبة تلك التي يتم وضعها تجاه هؤلاء البسطأ فإما أن يكونوا مع الوحدة بإقرارهم بسلب ممتلكاتهم والاعتداء على حقوقهم أو ضد الوحدة حين يتمسكون بحقوقهم. ثم إن المدافعين عن الوحدة بضراوة ممن تجمعت لديهم أملاك ومكاسب العقار المقترن لديهم بمعنى الإخلاص أو معنى وحدة حتى الموت مدافعون زائفون.

فلماذا لا ترتبط الوحدة بالعدل والمساواة وإحقاق الحقوق والمواطنة المتساوية وتعاضد الجميع نحو بناء نهضة الوطن وتقدمه.. عندئذ لا نخشى على الوحدة ومنجزها العظيم وتكون وحدة مع الحياة والأمن والاستقرار للجميع.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى