مشكلة الأراضي وحكمة الإنجليز في دلتا أبين

> د.محمد حسين حلبوب:

> تؤكد وثيقة «الإطار العام لرؤية اليمن الاستراتيجية 2025م» الصادرة عام 2000م، أن «التوجهات الاستراتيجية» للخروج من اشكالية الكثافة السكانية «وبالأخص في الهضبة الوسطى»، تنطلق نحو تهيئة الظروف لانتقالهم إلى «المدن والمناطق الساحلية الممتدة على طول السواحل اليمنية التي تربو على 2500كم، من ميدي في الشمال إلى حوف (المهرة) في الشرق» - مابين الاقواس المزدوجة اقتباس من وثيقة الاستراتيجية.

وفي نفس الإطار كان أهم مشاريع الخطة الخمسية الثانية (للفترة -2000 2005م)، هو تنفيذ مشروع الطريق الساحلي الاستراتيجي الممتد من ميدي إلى حوف (المهرة) في الشرق، وكذلك الطريق الصحراوي الاستراتيجي (مأرب- سيئون) وهذان الطريقان يهيئان الظروف لاعادة توزيع السكان في اليمن بتشجيع انتقالهم إلى المدن والمناطق الساحلية.

ويعتبر «مشروع توزيع الاراضي السكنية والزراعية على الشباب» و«البرنامج الخاص بتوفير أراض ومساكن لذوي الدخل المحدود» من اهم المشاريع الاستراتيجية التي تتضمنها الخطة الخمسية الثالثة (للفترة -2006 2010م).

وفي يوم الثلاثاء الموافق لتاريخ 16 يناير 2007م أقر مجلس الوزراء «الدراسة الخاصة بتوزيع الأراضي السكنية والزراعية للشباب، والبرنامج الخاص بتوفير أراض ومساكن لذوي الدخل المحدود». «وتبلغ التكلفة التقديرية للمشروع السكني الزراعي الذي سيتم تنفيده على مدى خمسة أعوام حوالي سبعة مليارات ومائتين وثمانية وثمانين مليون ريال، ويشمل انشاء ثلاثمائة وتسعة وخمسين وحدة سكنية كل وحدة تتكون من اربعة عشر مسكناً مع ملحقاتها إلى جانب إنشاء مزارع انتاجية في نطاق كل وحدة وعلى مساحة خمسة وسبعين فداناً» . (للمزيد من التفاصيل راجع موقع صحيفة «الثورة» على الانترنت بتاريخ 17 يناير2007م).

وفي نفس الاجتماع أقر مجلس الوزراء البدء في تنفيذ المرحلة الاولى من المشروع في ثمان محافظات هي «الحديدة وحضرموت وأبين ولحج والجوف ومأرب وشبوة وحجة». (المصدر السابق).

وفي يوم الاثنين الموافق لتاريخ 23 يوليو 2007م «تم بمدينة المكلا محافظة حضرموت استعراض التصور الخاص بالدراسات النهائية لتحديد الاراضي الزراعية وتنقيتها من الاشكالات وفحص صلاحية التربة فيها تمهيداً لتوزيعها على الشباب والأسر الفقيرة للتخفيف من الفقر»(الثورة نت بتاريخ 2007/7/24م).

واشار محافظ حضرموت إلى «ان المحافظة قد هيأت 600 فدان من الأراضي الزراعية في مديرية حريضة للتوزيع على الشباب». (المصدر السابق).

وفي هذا الإطار فإننا نرى أنه من الواجب علينا أن نلفت انتباه أصحاب القرار وجميع من يهمه الأمر إلى أمرين هامين:

الأمر الأول: ضرورة وأولوية حل المشكلات المتراكمة حول الأراضي التي لم يتم حلها بعد، وأهمها:

-1 مشكلة ملاك الأراضي المؤممة الذين لم يستعيدوا أملاكهم حتى الآن.

-2مشكلة المنتفعين بالارض الذين سحبت منهم دون تعويض خاصة في أبين ولحج وشبوة وحضرموت.

-3 مشكلة أصحاب قطع الأراضي السكنية، المكرر صرفها لعدد من الأشخاص خاصة في لحج وعدن.

-4 مشكلة أصحاب قطع الأراضي السكنية، التي صرفت في أراضي أملاك خاصة.

-5 مشكلة ملاك العقارات السكنية المؤممة الذين لم يتم تعويضهم حتى الآن.

-6 مشكلة الأراضي التي تم استخدامها للمصلحة العامة ولم يتم تعويض أصحابها.

-7 مشكلة المستثمرين الذين صرفت لهم مصلحة أراضي وعقارات الدولة أراضي استثمارية في أملاك خاصة (أملاك العقارب، والبان، والعزيبة والمصعبين وغيرهم).

وتأتي ضرورة أولوية حل المشكلات أعلاه انطلاقاً من أن أي توزيع جديد للأراضي الزراعية أو السكنية، قد يزيد من تعقيد المشكلات السابقة، لا بل انه قد يخلق مشكلات أكثر تعقيداً، حيث:

- أن أي توزيع جديد للأراضي سوف يقلل فرص حل المشكلات السابقة.

- سينظر المتضررون السابقون إلى الأمر وكأنه موقف متعمد من الدولة تجاههم وسوف تتأكد أكثر وأكثر مقولة الأخ نجيب اليابلي بأن السلطة في موضوع الأراضي «تتناول حبوب منع الحل».

- أن ضمان النزاهة والشفافية في أوامر توزيع الأراضي مستحيل في ظل واقع تفشي الفساد في أجهزة الدولة .

الأمر الثاني: ضرورة استلهام (الحكمة) من (الانجليز) في تجربتهم الرائدة في مشروع استصلاح الأراضي البور في دلتا (أبين) في خمسينات القرن الماضي، ذلك المشروع الذي سماه الانجليز (لجنة أبين - Abin board)، وتحول بعد الاستقلال إلى (هيئة تطوير دلتا أبين).

فعلى الرغم من أن مشروع (أبين بورد) يقع على حدود سلطنتي (يافع بني قاصد) و(الفضلي) وهما في صراع مزمن على الحدود بينهما وعلى تقاسم مياه وادي بنا، بالإضافة إلى الصراعات المستمرة بين القبائل والعشائر على الأراضي والمياه، وفي ظل واقع سياسي واجتماعي وثقافي أكثر تعقيداً بما لا يقاس بالمقارنة مع وضعنا الحالي الا أن الآليات التنفيذية (المبدعة) التي تم تطبيقها في مشروع (أبين بورد) استطاعت ضمان تحقيق مصالح جميع الأطراف مما خلق بيئة مناسبة لنجاح المشروع وتحققت إنجازات اقتصادية واجتماعية وثقافية كبيرة بكل المقاييس ومن أبرز ما تحقق التالي:

-1 استصلاح 50 ألف هكتار من الأراضي البور مما حول دلتا أبين إلى أهم مناطق اليمن في انتاج كثير من المحاصيل الزراعية وأهمها محصول القطن طويل التيلة.

-2 معالجة مشكلة البطالة والتخفيف من حدة الفقر حيث خلق المشروع أكثر من 8 آلاف فرصة عمل بشكل مباشر، ومثلها تقريباً بشكل غير مباشر.

-3زيادة إيرادات السلطة (سلطنتي يافع والفضلي) بحصولها على 10 % من إيرادات بيع القطن و10 %من الارباح الموزعة على الفلاحين.

-4 حل مشكلة العلاقة بين الملاك والرعية (المستثمرين أو المستأجرين للأرض) من خلال جعل الطرفين ملاكاً للارض بنسب 20 % للمالك (أصحاب المساحات الكبيرة) و 80 % للرعوي (المستثمر أو المستأجر للأرض).

-6 (إعادة توزيع السكان) حيث انتقل ساكنو الجبال للعيش في دلتا أبين الساحلية.

-7 تعزيز (الوحدة الوطنية) والسلم الاجتماعي فبنتيجة المشروع نشأت أربع مدن جديدة هي زنجبار وجعار والحصن وباتيس، انتقل إليها السكان للعمل والسكن من معظم مناطق اليمن (شماله وجنوبه) وحتى من بعض دول شرق افريقيا.

وبالمناسبة فإن مشروع (ابين بورد) لم يكلف الإدارة البريطانية سوى قرض قيمته مليون ونصف جنية استرليني تم استعادته خلال فترة قصيرة.

أخيراً : إذا كان اعتقادنا صحيحا بأن السلطة تسعى إلى تحقيق نفس الأهداف تقريباً التي تحققت كنتيجة لنجاح مشروع (ابين بورد) فإن الواجب يفرض عليها أن تستفيد من تلك الآليات التي تم استخدامها في ذلك المشروع العظيم.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى