نازك الملائكة حياتها ومؤلفاتها

> «الأيام» أمين ميسري:

> في شهر يونيو وتحديداً في يوم الأربعاء 20 يونيو 2007م رحلت الشاعرة العربية الكبيرة نازك الملائكة، عن عمر ناهز الرابعة والثمانين عاماً بعد رحلة طويلة من العطاء الشعري والفكري دام قرابة أكثر من خمسين عاماً.

ففي مجال الدواوين الشعرية أصدرت ديوانها الأول:«عاشقة الليل» عام 1947م، ثم ديوانها الثاني: «شظايا ورماد» عام 1949م، والثالث «قرارة الموجه» عام 1957م، ثم الرابع «شجرة القمرة» عام 1968م، والخامس: «مأساة الحياة وأغنية للإنسان» عام 1970م، وفي 1977م صدر ديوانها السادس «يغيّر ألوانه البحر»، ثم الديوان السابع «للصلاة والثورة» عام 1978م.

وفي مجال الدراسات الأدبية والنقدية بشقيها التنظيري والتطبيقي: «قضايا الشعر المعاصر» عام 1962، و«محاضرات في شعر علي محمود طه» عام 1965م، و«سيكولوجية الشعر» و«التجزيئية في المجتمع العربي» وغيرها.

ولدت نازك الملائكة عام 1923م في بغداد، وتخرجت في دار المعلمين العالية عام 1944م، وكلية التربية فيما بعد، وحصلت على ليسانس اللغة العربية، وكانت رسالتها بعنوان «مدارس النحو»، ثم سافرت إلى الولايات المتحدة الأمريكية، وأكملت دراستها العالية في جامعة «وسكونسن» فحصلت على الماجستير في الأدب المقارن. (1)

في عام 1947م نشرت أول قصيدة بالطريقة الحديثة «الكوليرا» واعتبرت حينها أول قصيدة ريادية خالية من أسلوب نظام الشطرين، وذاع صيتها-على الرغم من اختلافنا معها -حتى أطلقت صيحتها الثانية «ومن العراق بل من بغداد نفسها زحفت هذه الحركة وامتدت حتى غمرت الوطن العربي كله».

لقد انصب جهود نازك الملائكة في دراستها الأدبية والنقدية على اهتمامها الأكبر واللا محدود بالعروض العربي، وحاولت جاهدة إيجاد صيغ جديدة وإضافة، واكتشاف تفاعيل لا عهد للعرب بها، وقد حاولت هذا بالفعل ليس فقط من خلال استقرائها للشعر العربي، بل من خلال تطبيقها وتجريبها على شعرها. ولعل أهم وأرفع كتبها النقدية في هذا المجال يأتي كتابها المهم «قضايا الشعر المعاصر» الصادر عام 1962م الذي حاولت فيه أن تقنن عروضاً جديداً للشعر الحر. وعند صدور هذا الكتاب أحدث ضجة كبرى بين أوساط الأدباء والنقاد والمثقفين، وقد اختلفت أنا شخصياً مع بعض فصول هذا الكتاب في مقال نشر في مجلة «الكلمة» عدد يوليو 1991م. على أن الحق يقال إن أهم فصل من فصول كتابها «قضايا الشعر المعاصر» كان فصل «فاعل في حشو الخبب»، وهي إضافة الشاعرة تفعيلة جديدة لم ترد في عروض الخليل بن أحمد، ونسجل للشاعرة ريادتها، واكتشافها لهذه التفعيلة الجديدة، وقد نظمت عليها العديد من قصائدها. كما نظم من بعدها بعض الشعراء.

تقول في قصيدتها «لعنة الزمن»:

كان المغرب لونَ ذبيح

والأفق كآبة مجروح

والأشباح الغامضة اللون تجوس الظلمة في الآفاقْ

والنهر ظنون سوداءُ

والريح مراوحُ نكراءُ

والضفة أرضٌ جرداءُ

تمضغها الظلمةُ في استغراقْ

كانت خطوات الظلمة ترطم جو الشاطئ في استغراقْ

والصمت يفكر في الأحداق

كنا نتبع نعش الضوء

ونراقب خطوَ اللاشي (2)

لقد كان هم نازك من هذا الكتاب إيجاد ضوابط ثابتة للشعر الحر، وإغلاق الباب أمام أولئك المتشاعرين الذين لا يفهمون شيئاً في العروض العربي، والذين حاولوا أيضاً عن طريق الفهم المغلوط والملتبس في خواء تفكيرهم ووعيهم لتلك التسمية التي سمي بها الشعر الحر، «فالشاعرة قد دارت أكثر ما دارت في دائرة العروض العربي، وكان لها اجتهادها- بل وإبداعها- داخل هذه الدائرة، وقد كان اجتهادها يمكن أن يوصلها إلى نظرية في العروض لو أنها تعاملت مع المناهج الإحصائية ليمكن الكشف عن العلاقة بين النمط السكوني، وإيقاع الكلام المتوثب.

كما يقول الدكتور عبده بدوي. (3) لقد مضت نازك الملائكة على هذا النهج في كتاباتها النقدية التي لم تخرج عن إطار دائرة العروض العربي، فمع كل ديوان شعري تصدره نراها تفتتحه بجملة من الآراء والمقولات، فإذا كان هناك إضافات تجديدية لتفاعيل جديدة للعروض العربي، نراها شارحة ومحللة كل الطرق والأفكار التي اهتدت إليها، واذا كان هناك أخطاء في آرائها، فإنها تعود وتعتذر عنها مع بيان صوابها.

ففي مقدمة ديوانها «شجرة القمر» تقول:«يلاحظ أن في هذا الديوان سبع قصائد من الشعر الحر وقد يعجب بعض القراء من قلة هذا العدد بالنسبة لقصائد الديوان لأنهم ألفوا أن يروا طائفة من الشعراء وقد تركوا الأوزان الشطرية العربية تركاً قاطعاً وكأنهم أعداء لها وراحوا يقتصرون على نظم الشعر الحر وحده في تعصب وعناد. وأحب أن أذكر القارئ في هذه التقدمة أنني لم أدع يوماً إلى الاقتصار على الشعر الحر، وأبرز دليل على هذا ديواناي السابقان، أما (شظايا ورماد) الصادر سنة 1949م وهو الذي دعوت في مقدمته إلى الشعر الحر دعوة متحمسة، فلم تكن فيه إلا عشر قصائد حرة بينما كانت القصائد الأخرى جميعاً تنتمي إلى الأوزان الشطرية. وأما (قراره الموجة) ديواني الصادر سنة 1957م فقد اقتصر على تسع قصائد من الشعر الحر. ولا أذكر قط أنني اقتصرت على الشعر الحر في أية فترة من حياتي . وسبب هذا أنني أولاً أحب الشعر العربي ولا أطيق أن يبتعد عصرنا عن أوزانه العذبة الجميلة. ثم أن الشعر الحر كما بينت في كتابي - قضايا الشعر المعاصر- يملك عيوباً واضحة أبرزها الرتابة والتدفق والمدى المحدود، وقد ظهرت هذه العيوب في أغلب شعر شعراء هذا اللون. وهذا حاصل أيضاً في الشطرين فإن له مزايا وله عيوب».(4)

وعلى الرغم من أهمية هذه المقدمات التي تكتبها في دواوينها والتي بلاشك تقدم خدمة جليلة بالنسبة للقارئ ومادة سهلة بالنسبة للناقد، فإنها في الوقت نفسه- أي هذه المقدمات- تحد أو تقلل من دور النقد في دراسة شعرها، مع إعطاء فرصة لبعض النقاد والمتطفلين الذين سيكررون ما قالته، دون أن يضيفوا شيئاً ما.

إن المراس والخبرة والتجربة جعلتها - أيضاً - تكتشف تفاعيل جديدة على عروض الخليل بن أحمد، ففي ديوانها «يغير ألوانه البحر» فقد اهتدت - كما يقول الدكتور عبده بدوي في كتابه «قضايا حول الشعر»: «إلى بحر جديد من بحور الشعر الصافي، مع أن وزنه العروضي «مستفعلن فاعلن فعولن» وهو ما يطلق عليه العروضيون اسم «مخلع البسيط» إلا أنها لاحظت أن من الممكن تقسيم هذا البحر إلى تفعيلتين: مستفعلاتن/مستفعلاتن.

أي بإضافة سبب خفيف على مستفعلن، وقد طبقت نازك ذلك على قصيدتها «نجمة الدم» حيث تقول:

رسمت في الصمت وجهَهُ، كان صمتُه زنبق الحديقةْ

كان غنائي، وبعده، مولد المتاهات

في دروب الضحى العميقةْ

وحبنا كان شُرفة الغيم والرياح

والصحو ليل أمطرنا لحظة وراح

عدنا عيوناً بلا حقيقة

صارت ثرياتُنا الجراح

وشرع بستاننا يبيح النسيان والرقص

حين تذوي الرُّبى الشقيقةْ

وعند جيراننا شظايا، عيون قتلى،

وحدّ نصلٍ يغوص في جبهة الصباح

وحرش بيروت نجمه في دمٍ غريقة» (5)

«إن شاعرية نازك الملائكة - على امتداد مسيرة نصف القرن - تظل شاهد التحول والمغامرة، ووعي التغيير وضرورة التجديد، وتبقى مساءلة دائمة تطرحها الشاعرة على ذاتها ديواناً بعد ديوان، وقصيدة بعد قصيدة، وأفقاً بعد أفق، ودرساً للأجيال الشعرية الراهنة والقادمة، في معنى الشعرية الأصيلة، ومعنى تجاوزها المستمر لذاتها اكتشافاً ومساءلة» (6)

ومع هذا كله سيظل تاريخ الشعر العربي الحديث يذكر لنازك الملائكة ريادتها وتجديدها، خاصة في إضافتها على عروض الخليل بن أحمد الفراهيدي.

المراجع

1) ديوان نازك الملائكة، الأعمال الشعرية الكاملة، المجلد الأول، دار العودة، بيروت، الطبقة الثانية 1981م.

وانظر كتاب د. عبده بدوي «قضايا حول الشعر» ، الكويت «ذات السلاسل» 1986م، ص 135.

2) ديوان نازك الملائكة، الأعمال الشعرية الكاملة، المجلد الثاني ص 241-240.

3) د. عبده بدوي «قضايا حول الشعر»، ص 149-148.

4) نازك الملائكة، الأعمال الشعرية الكاملة، المجلد الثاني ص 418-417.

5) د. عبده بدوي «قضايا حول الشعر»، ص 143-142.

6) فاروق شوشة كتاب «جمال العربية» كتاب العربي الصادر في دولة الكويت 2003م ص (40).

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى