أول عدني يعدمه الإنجليز كان من حافة العجائز ضحية دسيسة

> فاروق لقمان:

> أشرت في مقال سابق مقتطف من مذكرات الوالد محمد علي لقمان رحمه الله، التي عثرت على بعضها، إلى احتلال الأتراك بقيادة سعيد باشا سلطنة لحج بعد اجتياح المحميات الأخرى وقبلها اليمن المتوكلية. ورغم الدفاع العبدلي المجيد سقطت لحج ونهبت الشيخ عثمان وهُزم الجيش البريطاني-الهندي وانتظر في كريتر والتواهي والمعلا وحجيف وليس معه سوى بارجتين لقصف القوات التركية إذا ما تقدمت إلى مرمى مدفعيتهما.

ولو تقدم سعيد باشا لاحتل عدن وربما تغيرت المنطقة حتى إذا قصفتها المدافع من بعد. لكن كما يذكر الوالد كانت لدى الدولتين حسابات أخرى جعلت بريطانيا تسلم الشيخ عثمان وقبلها لحج وأقنعت الأتراك بالوقوف عند دار سعد أو دار الأمير مع أنه كان في مقدورهم التقدم إلى كريتر بعد خورمكسر التي كانت خالية من التحصينات سوى أربعة جنود في مركز (باب السلَب) كما كنا نسميه تحت جبل حديد حيث كانت تقع مدرسة الأمراء المشرفة على مخازن الذخيرة. والسلَب هنا لا تعني السرقة والنهب لأنها تُنطق بفتح اللام وتشير إلى الغنائم. ويعود سبب التسمية إلى أن البريطانيين كانوا ينزعون الأسلحة من الإخوة القادمين من الأرياف قبل دخول عدن ثم يعيدونها لهم عند خروجهم من حدودها.

ونواصل الحكاية مع الوالد رحمه الله من ذكرياته عن عام 1915: «نهبت الشيخ عثمان عام 1915 وتشتت سكانها، ولم يتقدم الجيش التركي لاحتلالها، واكتفى القائد الذكي سعيد باشا بأمر حامية صغيرة بالبقاء في دار الأمير ومن هناك أدرك أن إخلاء الشيخ عثمان من أهلها وتعريضها للنهب كان خطوة في سبيل الدفاع عن عدن ولم تكن في عدن حامية غير بعض الجنود الهنود وبارجتين بريطانيتين أُرسيتا بالقرب من حجيف استعداداً لنسف الغزاة إذا فكروا في احتلال عدن.

وكانت خور مكسر صحراء خاوية خالية ليس فيها أحد. وأذكر أنني لما عدت من الشيخ عثمان ليلة نهبها لم يكن عند باب السلَب غير أربعة جنود معهم مدفع رشاش وكان لـ(باب السلَب) بابان كبيران يغلقان عند الحاجة ولم تكن هناك طريق إلى عدن سوى خور مكسر وباب السلَب وجبل حديد بعد تعدي خندق الزنجبيلي الواقع وراء محطة شل عند نهاية الطريق البحرية اليوم وهو خندق عريض وطوله قرابة نصف ميل من قرب سينما ريجال إلى قرب محطة شل الجديدة.

ولو تمكن الجيش التركي من غزو عدن لوجد فيها مرتعاً خصيباً، والأغرب من هذا أن الأتراك لم يحاولوا احتلال الشيخ سعيد وعرقلة سير البواخر البريطانية في باب المندب ولم يعمل الإنجليز بصورة جدية على إخراج سعيد باشا وجيشه من لحج وقد قيل آنئذ أن الإنجليز كانوا يحبذون بقاء الأتراك حيث هم ليمنعوهم من نجدة الحملة التركية على قنال السويس.

وفي تلك الأيام العصيبة وفوضى المواصلات بين عدن والشيخ عثمان انقطع عن عدن ماء الشرب وشعر الناس بضيق شديد واشتغلت الكنداسات (ماء البمبة) بتزويد الناس بالماء (بالبطاقات) وتجمهر الشعب حول مراكز التموين في محطة عربات الخيل في الميدان حيث بنيت بعد ذلك عمارة السيد محمد حمود .

وكان المفروض أن تكون داراً سينمائية وفي السيلة أمام قسم شرطة عدن وغيرهما من المراكز وكانت الصفيحة تباع بنصف روبية للشرب فقط أما للاغتسال فكان الناس يستعملون ماء الآبار المالحة. وانعدم الخضار والفاكهة وأخذت تنشط السوق السوداء وارتفعت أسعار اللحم.

وتضاعف نشاط المراقبة على المراسلات في إدارة البريد وعثر المراقب على خطاب مرسل إلى سعيد باشا بواسطة إدارة البريد وفيه خرائط لقلاع عدن ومداخلها العسكرية ممضي باسم ياسين عبدالغفور واجانا كما قيل في ذلك الحين، وألقى البوليس العسكري الإنجليزي القبض على ذلك الشاب العدني اللطيف المعشر الأنيق الوسيم الوديع وكان يسكن في حافة العجائز وكنت أعرفه شخصياً، وعرض عليه الخط وما حواه فأنكر وقال إن الخط مزور عليه وطلبت الإدارة العسكرية وأعضاء المحكمة العرفية بعض الناس لمقابلة خط المتهم بالخط المقبوض عليه وقال أحد الشهود أن الخط مختلف اختلافاً بيناً وأنه لا يمكن أن يكون أرسله بواسطة البريد.

ولكن المحكمة العسكرية أرادت أن تضع مثلاً قاسياً للناس وترعبهم فأخذت أضعف البينات وأمرت برميه بالرصاص في جبل حديد بالقرب من البغدة الصغيرة عند بناية ظل العدنيون يعتقدون بوجود روح القتيل فيها زمناً طويلاً، وقد حزن على مصرعه الجم الغفير من الناس إذ وجدوا أنه ذهب ضحية دسيسة بينه وبين خصومه.»

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى