في رحيل رجل اتفقنا على حبه

> علي سالم اليزيدي:

> ينتحب الجسد فينا لحظة الصدمة حين تذهب عنا الأماني والرجال الصانعون لها لتمتد دون حدود، لأنهم لا ينظرون من خلالها وبها إلى ما فوق شخوصهم وكل أنماط الذاتية، وهو الرفض والصدق معاً، فأماني وأحلام الرجال الصادقين لا تمت بصلة للمصالح وشهوة الذات، إنهم هؤلاء المحبون لأهلهم وديارهم وتراب الوطن، وأمام النبأ الذي جاءنا على عجل برحيل المغفور له الراحل طيب الصيت فرج بن غانم يصبح هذا النحيب فجيعة تعصف بنا وتهز كل ما فينا، ولكن هذه مشيئة الأقدار وإرادة المولى عز وجل والحمد لله.

في صمت رحل فرج بن غانم رجل الدولة وأحد بناة هذا الوطن، هذا الصمت الذي ظل مرافقاً له طوال سنوات، وهي الميزة التي جعلت من هذه الشخصية الوطنية وصاحب المناصب الرفيعة، فارساً لا ينهزم، بل يقف في الميدان يحمل الشرف الرفيع والمقام اللائق والمواجهة لا تنتقصها لا النزاهة ولا الحقيقة، ولم يكن مثل هذا الأمر سهلاً عليه وله، إذ بقدر ما كان يتصف بالإعلان المباشر للنزعة الوطنية المتفانية إدراكاً بما اتفقت وأملت عليه أخلاقيات المنصب والموقع، رافقت هذا أيضاً بوزن كبير ومؤثر مكانته وطريقة صياغة علاقاته، وجاء هذا تجسيداً واضحاً في إدارته وتوليه عدة مناصب وزارية حساسة بلوغاً إلى رئاسة الوزراء وما بعدها.

نعم، لم يكن هذا الفارس الرفيع، وصاحب الشرف الرفيع راهناً ما بين المواقف، وهنا لا نعني بأنه وضع الموقف بثمن المزايدة والارتهان ما بين الخيوط المتشابكة، منطق الفهم وثقافة الأستاذ فرج بن غانم جاءت كالميزان في زمن اختلت فيه الموازين، وسادت لديه رؤية الوطن الطاغية في ذاته لا في التفسير النفعي بين هذا وذلك، رجل فلسفة حكم وإدارة اقتربت من حياة الناس، وأعلنت الانحياز إلى مساحة الوطن ولا تعترف بالتوازنات ولكنها اعترفت بشعبية الفعل والأداء، ولهذا جاء فكره في حياته اتفاقاً يفيض بانهمار تتسع له الأبواب الواسعة ولا ترضاه العقول الضيقة وما تحمل من ثقافة النفع التي ارتطمت بجدار الشرف الرفيع للراحل الكبير فرج بن غانم.

نحن نخسر حقاً أمام رحيل هذه الهامة الوطنية الكبيرة رحمه الله، وأود هنا أن أسجل كيف رأينا الناس في مدينة المكلا وما انتابهم حين جاء هذا النبأ، ولا شك أن كل المواطنين الخيرين قد أحبوا فرج بن غانم، في صنعاء وعدن وشبوة وتعز والغيظة، ناهيك عن الغيل وحورة وزملاء الراحل في المدرسة الوسطى بغيل باوزير وكل رجال السياسة وشخصيات الوطن، وما انتاب كل هؤلاء من حزن بليغ برحيل فقيد الوطن والزعيم السياسي ورجل الدولة وأحد الذي اتفقنا عليهم دون الخلاف، وهذا يجعله بحجم الوطن حقاً.

رحل ابن الغيل ورجل الصمت والشجاعة والمواقف التي لم تسقط، بل حفظها الناس وبها أحبوا فرج بن غانم، ويا لهذا الحب الذي ربما لم يفكر به لشخصه، رحمه الله وغفر له، والحمد لله.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى