جنوب وجنود

> عبدالقوي الأشول:

> هنأت السلطة نفسها هذه المرة بالقضاء- حسب وصفها -على مخطط كان يستهدف الوحدة وسكينة المجتمع، مبدية الثناء على يقظة أجهزة الأمن بما أظهرت من تفان في إجهاض مسيرة سلمية اعتزم قطاع من المسرحين من أعمالهم والمحالين للتقاعد القسري إثر حرب صيف 94م القيام بها تعبيراً منهم عما بلغته أحوالهم من سوء وتجاهل.. وهو التعبير السلمي الذي لاقى تعاطفاً منقطع النظير من قبل كافة شرائح المجتمع.. خصوصا وقد أظهرت أجهزة السلطة نيتها المسبقة في قمع تلك التظاهرات بالقوة الأمر الذي حول شوارع مدينة عدن ومنافذها إلى ترسانة حربية متحركة وحواجز إسمنتية وساحة استعراض للقوة -أي جنوب وجنود- استكمالا للمشهد الديمقراطي المزعوم.

معالجة بدت معها السلطة في وضع لا يحسد عليه إذ أسهمت بتلك الأفعال في الدفع بالمطالبين بحقوقهم إلى مزيد من الإصرار على مواصلة هذا النهج السلمي المعبرين عنه باعتصاماتهم ومسيراتهم السلمية بغض النظر عن ردود الفعل الهستيرية التي سيجابهون بها مدركين أن ثلاثة عشر عاماً مضت على نكبتهم (أعني نكبة عموم منتسبي ما كان يعرف بالجهاز الأمني والعسكري والمدني لجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية) هي مدة تجاوز معها معنى الصبر على ما أصابهم.. في حين تنعدم في أفق السلطة حسابات الحل والمراجعة لسلسلة أخطاء ومظالم ما زالت ترتكب بحق هؤلاء. فهل قررت السلطة جعلهم خصماً؟

ذلك ما عكسته استنفاراتها الأمنية وحججها التي وصفت هؤلاء بالخارجين عن القانون، وبسعي من ممثليها في المحافظات عمدت إلى جمع الاستنكارات والتضامن معها ضد من عدوا عناصر تحركها إرادات خارجية!

رغم أن ما حدث كان ينبغي له أن يخلق حالة مراجعة لدى أجهزة السلطة لأداء عناصرها ومحاسبة كل من أسهم في تأزم الأوضاع على هذا النحو من منظور أن الخطر على الوحدة لم يكن المظلومون مصدره بقدر ما هو نتاح ثلاثة عشر عاماً من النهب والاستئثار وكافة أنماط السلوك الاستعلائي وكل ما عرفناه من فساد غير مسبوق أدى حتماً إلى نذر التداعيات التي تعلن عن نفسها في أفق الحياة على أكثر من صعيد.

فإذا كان الحل بالمواجهة واستنفار أجهزة الأمن والعسكر تجاه التعبير السلمي عن المظالم هو نهج وخيار السلطة في الحل فلا شك أن الأمور ستغدو على المدى القريب خارج نطاق السيطرة بحكم طبيعة أحوال المجتمع التي لا تحتمل مثل هذه الأزمات التي تديرها بنفس نمط حرب صيف 1994م رغم أن أبجديات الحرب- هذا إذا اعتبرنا مثل تلك التظاهرات أعمالاً عدائية- تقول أعط لخصمك سلماً يستطيع النزول عليه، وذلك خيار يبدو مستبعداً، بمعنى آخر الزج بأجهزة العسكر لمجابهة وقمع التظاهرات السلمية يدفع باتجاه خط اللاعودة لإحساس الطرف المظلوم بعدم جدوى صبره وتحمله.

في حين يمثل اختزال المظالم بالمتقاعدين العسكريين أمراً ينطوي على قدر من تجاهل حقيقة المظالم الواسعة المقترنة بمسيرة وسلسلة أخطاء الأعوام المنصرمة وتصفية ما كان من مرافق ومؤسسات بأصولها الثابتة والتي من نتائجها المؤسفة الفشل على الصعيد التنموي.. الجانب الأكثر تضرراً من كل ما جرى ويجري. وما نخشاه أن تذهب الأمور نحو مزيد من الصعوبات إذا ما غاب تحكيم العقل والمنطق في التعاطي مع المشكلات القائمة والاعتراف بأنها كانت نتاجاً لغض الطرف عن المرضي عنهم ممن استباحوا الوطن والوحدة، والمدفوعين تحت الشعور بالخوف المتعاظم على مصالحهم وما تكوّن لديهم من ثراء خلال السنوات الماضية إلى انتهاج الدفع باتجاه الحلول القمعية علها تخرس الدوي الجماهيري المعبر عن نفاد الصبر على كل ما يجري.

تمادٍ واستكبار وربما إحساس زائف بالقوة.. عوامل تكمن فيها معاني الخوف على الوحدة.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى