هدية الزمن..

> فضل النقيب:

> تمحى الرسوم، وتبلى القصور، في دوران العصور، إلا الكلمات، بين دفتي كتاب مسطور، فإنها كلما تعتقت في خوابي الزمن، خالطها مزاج من السرور كأنها من الحور الخالدات. هذا الإحساس خامرني وأنا أقلب صفحات كتاب «هدية الزمن في أخبار ملوك لحج وعدن» للأمير أحمد فضل بن علي محسن العبدلي الشهير بـ« القومندان» في طبعته الثانية 1400هـ - 1980م عن دار العودة في بيروت، وكانت الطبعة الأولى كما هو مسجل قد صدرت عام 1351هـ أي قبل الثانية بـ 49 عاماً وفي حياة صاحبها كما أظن إذ إنه كان من الفراسة والثقة بنفاسة كتابه ومحبة قرائه بل وتعطشهم لهذا السِّفر المتعوب عليه والصادر عن ثقة ذي حجية واطلاع وممارسة، أن أشار في المقدمة بعد الاعتذارات البالغة التهذيب عن أي قصور إلى أنه «إن مد الله لنا في العمر واطلعنا على ما فيه زيادة فائدة فسنضيفها إلى هذا الكتاب إن شاء الله عند الطبعة الثانية».

الكتاب سياحة شاملة مقطرة من عيون المراجع ولوامع الشواهد وتراجم الحكام والحكماء والشعراء والفقهاء ومن عبروا أو سكنوا في «المخلاف اللحجي» أرضاً وقبائلَ وأنساباً وسلماً وحرباً وقرى ومصانعَ وقلاعاً وقصوراً وحصوناً وأسواراً وتجارة وزراعة بلغة سلسة لا تتحيف ولا تُثقل ولا تسف، والكاتب الذي أدّبه الشعر السلسبيل فأحسن تأديبه ورققه الغناء الرقراق فأرهف أساليبه لا يستكين إلى النقل كشأن حاطب الليل وإنما يحاكم القائل بعد أداء الأمانة بتوصيل ما قال وينتقل بقارئه من فنن إلى فنن شأن أي كاتب مجيد، وهذا هو السهل الممتنع قد يغري الأحمق المقلد فلا يناله سوى غباره وفقاً لأبي الطيب المتنبي الذي ابتلي بالأدعياء فجازاهم شر الجزاء:

إذا شاء أن يلهو بلحية أحمق

أراه غباري ثم قال له الحقِ

وقد حدد القومندان «المخلاف اللحجي» بأنه أقصى جنوب اليمن وعدن- أبين هي أقصاه في لجة البحر جنوباً، وقد حيرته نسبة عدن إلى أبين مع أن العرب يقولون إن الأسماء لا تعلل إلا أنه حاول وللمجتهد نصيب من الحسنة وإن أخطأ، فإذا كانت عدن في دلتا «الوادي الكبير» كما ذكر فإن ساحلها الممتد من أبين إلى صيرة هو الجناح البحري في موازاة الجناح البري، وهل تحلّق المدن الاستراتيجية العظمى إلا بجناحين، وقد استشهد ببيتين جميلين من الشعر كانا الحجة القاطعة لأستاذنا عمر الجاوي على نظرة القومندان للوطن اليمني الكبير حينما أثار بعض المتنطعين في نشوة الأيدلوجيات العابرة الغبار حول قول القومندان:

غني يا هادي نشيد أهل الوطن

عني صوت الدان

ما علينا من غنا صنعا اليمن

غصن من عقيان

فهذا كان في إطار الفن والغناء والتنافس وليس في إطار السياسة والأيدلوجيا والتمرحل الثوري، أما البيتان المشار إليهما واللذان لم يمثلا للمؤلف أية حساسية سواء كمواطن أم كأمير أم كصاحب مدرسة في الشعر الغنائي والتلحين فهما:

تقول عيسي وقد وافيتُ مبتهلاً

لحجاً وبانت لنا الأعلام من عدنِ

أمنتهى الأرض يا هذا تريد بنا

فقلت كلا ولكن منتهى اليمن

وفي «هدية الزمن في أخبار ملوك لحج وعدن» لُقى ونفائس وعرائس وطنافس وأشعار وأزهار وأخبار وأسرار وحكايات وشكايات لعلي أختار لكم بعضها في قابل الأيام على أمل أن تطَّلعوا بأنفسكم على كامل المحتويات.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى