حزب المعاناة الوطني

> صالح حسين الفردي:

> في زحام البحث اليومي عن بارقة أمل تشير إلى قادم أجمل، تزداد الوعود المنمقة قسوة وألماً وتصبح أداة ماحقة للجموع الضامرة المنشغلة عن التفكير في المجهول، فاليوم مثقل بالجراح، لم يعد فيه متسع لغد، أي غد، فالمأساة تخطت حدود العقل، وتجاوزت حواجز الاحتمال، وليس هناك من جديد إلا الأشد مرارة وقسوة وبؤساً.

في ظل هذه الظروف الكالحة، المعممة بالسواد، يبدو أن جميع الأحزاب الوطنية (مشتركة وتابعة ومتبوعة) قد تجاوزها الأنين والآلام القاصمة لحياة المواطن من صباحه الباكر وحتى نومه الشارد في همّ اليوم الذي يليه، ومن هنا بدأ يظهر التكتل الوطني للمعاناة معلناً عن خيبته الكبيرة في كل مفكري السياسة وزعماء الأحزاب الذين يراهم- حزب المعاناة- بالعين المجردة وهم يرفلون في بهرج الحياة الفانية عازلين أنفسهم عن نبض الشارع المتسارع الدقات اللاهث بقوة من جور العوز والمرض والمصير القاتم المجهول، في حين تبقى هذه النخب الحزبية تنظر في اللاواقع وترصد اللامعقول، وتقول اللامفهوم، فاتسعت الهوة السحيقة بينهم ومواطنيهم، وتراجع الدور النخبوي الحزبي، وتشتت التأثير، ولم يعد هناك من داع لكل هذه الخيبات الحزبية التي توارت وأصبحت تمارس دورها (دكاكيني) أو من (منازلهم) وهي تظن أن الجموع تسبح بحمدها وتجدد ولاءها، غافلة عن الجس الحقيقي لصوتهم ومعاناتهم ومأساتهم اليومية التي تتشظى يوماً بعد يوم معلنة عن تراجع مخيف في ما يسد رمق الحياة، فالبطالة في تزايد، والأمية تنتشر كالنار في الهشيم، والعملة تنحدر، والأسعار ترتفع على طريقة (جنون البقر) وفواتير الخدمات حدث ولا حرج، والمضحك المبكي أن يتنطع، يوماً، أحد القيادات الحزبية المعارضة في مدينة المكلا، ساخراً من جباية الحكومة (لكسر الريال) في فواتير الكهرباء والماء والهاتف، والضرائب، والرسوم، مدعياً وقوفهم بشدة أمام هذا الغبن الذي يصيب المواطن إثر اضطراره إلى جبر الكسر عند التسديد، فهل هذا معقول؟ لا تعليق! وقضايا الأرض المنهوبة قضية ما تحملها ملف، والعدالة المعقوفة بادية لكل عين بصيرة وقلب سليم، والقائمة تطول، ولكن لم تستطع أحزاب اللعبة السياسية- المعارضة منها- أن تدير هذه اللعبة وفق قواعد الهمّ اليومي واستشراف المستقبل، وظلت تنظر أسفل قدميها، وبمنظور مصلحي خاص، فكانت هذه الهوة التي تردت فيها هذه الأحزاب، والغريب أن الكثير من قيادات العمل الحزبي حين تكسر حدة الالتزام الحزبي وتشارك الجموع همها ورفضها لتكثيف المعاناة تعود إلى توهجها وتأثيرها الكبير، والقرائن كثيرة لا حصر لها.

من هنا كان لزاماً على هذه الأحزاب- مشتركة وتابعة ومتبوعة- أن تعيد النظر في طرائق أدائها وطبيعة دورها إن هي أرادت البقاء، وإلا فإن حزب المعاناة الوطني قد سلك طريقه، ومن الصعب عودته إلى (دكاكينها) الفارغة من أي جديد ومفيد.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى