مشاهد طفت على شوارع صنعاء .. عمل وشحاذة في الجولات .. وحديث عن الحياة لساعات

> «الأيام» كفى الهاشلي:

>
شحاذة وطفليها تحت المطر مساء
شحاذة وطفليها تحت المطر مساء
صنعاء .. العاصمة التي على جنباتها صور وأشكال عديدة من المعاناة لن تعرفها إلا إذا دخلت في صلب الحياة الاجتماعية والاقتصادية لها,ومع ذلك فاحت روائح بعضها لدرجة شمها من الوهلة الأولى لزيارتك لها.. حياة صعبة أخرجت الأطفال والنساء والرجال إلى الشوارع بحثاً عن لقمة العيش في ظل مجتمع استفحل الغنى فيه عند بعض الفئات وأحنى الفقر ظهور فئات أخرى وخرجت الطيور من أعشاشها بحثاً عن غذاء اليوم ومستقبل الغد .

لوحة مزجت بين العمل والشحاذة وعمالة الأطفال ولم ترسخها بالطبع ولكننا شاهدناها فنقلناها بحذافيرها من داخل صنعاء ومن قلب شوارعها المفتوحة .من الجانب الخلفي لأحد الشوارع في التحرير يذهلك المنظر ويحزنك وفي الوقت نفسه يخجلك جداً أن يجلس كهل وفي حضنه محرك الحياة في صنعاء (القات) وليس للاستمتاع بروعة الجو والتخزين ولكنه يجلس للشحاذة، فمن هذا الشارع يمر الأجانب والزائرون في طريقهم لصنعاء القديمة وهي فرصة شحاذة جيدة بالنسبة له وسيئة بالنسبة لعاصمة اليمن واليمنيين عامة .

ويبدو أن الشحاذة مهنة العصر في بلدنا اليمن ربما يكون الفقر السبب الرئيس ولكن الامتناع هو السبب الأهم، فالطفل أحمد النجار وجدناه في حديقة السبعين وهو يتنقل بين أربع حدائق في صنعاء يمد يده طالباًً المال، استوقفناه وسألناه لماذا تشحذ فأجاب: أمي تطلب عمل ذلك ولست وحدي أنا وإخوتي واليوم قام باص الأحداث بالقبض على أخي الكبير .

> كم سيمكت أخوك عندهم ؟

- سيخرج اليوم لأن أمي ستدفع خمسة ألف ريال لهم مقابل إخراجه والتعهد بعدم عودته مجدداً للشحاذة .

> وهل سيعود ؟

- نعم يستطيع أن يكون أكثر من 5000ريال شهرياً بدلاً من الحجز .

> كم تكسب في اليوم ؟

800- ريال أو ألف ريال وقد يزيد أحياناً ونعطيها لأمي .

> ماذا تعمل بها أمك؟

- تحتفظ بها وبعضه تسلم منه الإيجار 3000 ريال أما الطعام فأمي تطلبه من المطاعم .

> لو أخدناك لمكان تدرس فيه وتأكل وتنام هل تقبل؟

- أنا أقبل ذلك وستجدوني أنتظركم هنا ولكن هل سأكسب مالاً أم لا؟

تركنا أحمد وقد فهمنا الفكرة المغروسة بداخله وليس ذنبه ولكنه ذنب المجتمع الذي ألهته الدنيا فتناسى هذه الشريحة .

طفل آخر اعترض طريقنا يطلب المال ولكننا قلبنا في حياته شيئاً وراحت أنظارنا إلى امرأة تجلس في زاوية أحد الفنادق في حضنها مولود صغير وبجانبها طفلة ذات 9 سنوات لم تحرك ساكناً، من أعلى الفندق طاردتها بمشاهدتي كل سبع أو عشر دقائق وتعجبت لصبرها ولمصير طفليها اللذين بقيا معها لأكثر من ثلاث ساعات بينما مللت فتركتهم وأويت للفراش.

كهل يمضغ القات ويشحذ
كهل يمضغ القات ويشحذ
في الصباح تجولنا في بعض شوارع صنعاء ووجدناها تختلف عن المساء فالنساء ينافسن الرجال في العمل، وأي عمل، إنه بيع السلع الزهيدة الثمن مثل مناديل الورق ينتظرن فرصة وقوف السيارات في الجولات وما أطول الانتظار فيها ويعرضن ما بأيديهن، صورت إحداهن وهي تتنقل بين السيارات وعند مشاهدتها فلاش الكاميرا عاتبتني عتاب الأم لابنتها وهي تردد عبارات ما فهمته منها هو أنها لا تشحذ بل تكسب لقمة العيش بعرقها فلماذا الإساءة لها، أو لأنها محت صورة بشعة للنساء الشحاذات، أعدت الصورة وقمت بحذفها احتراماً لمشاعرها ومدت يدها لنا بعلبة مناديل لكن أبا سلمان (سائق السيارة) رفض أخذها دون مقابل .

ومع سير السيارات ترمقها عيون كل الباعة منتظرة لحظة الوقوف وبينما السيارات مارة جلس أحد الشبان يرتب ما بين يديه استعداداً لوقوف السيارات لبيع الصحف والمجلات.. تدهشك زحمة كل تلك النساء والأطفال والشباب والرجال وتشهد أن الليمون وأكياس الزينة والمناديل والصحف.. كلها وسائل تهدف لإيجاد حياة كريمة لهؤلاء الناس في صنعاء ولأن العمالة لها أسبابها فإن هؤلاء الفتية زجت بهم الحياة الصعبة والفقر البشع إلى الشوارع لبيع السلع البسيطة، والبعض لأنه لا يمتلك العزيمة وحب العمل والاجتهاد فقد طرق باب الشحاذة ليفتح جيب كل عابر سبيل .

مع الأخ عبد العزيز العقاب مدير مركز ريدان لتنمية ثقافة الطفل والمجتمع، تحدثنا قليلاً ولكن الحظ حالفنا ونحن بين يديه فقد أطلعنا على دراسة حديثة قام بها مؤخراً ، أخذنا منها ما يخدم الاستطلاع وهو ما يخص الأطفال تحديداً ثم الشباب .

فبالنسبة للأطفال فهم يواجهون عنفاً مزدوجاً يتمثل في العمل تحت السن القانونية وفي ظروف لا تتناسب والكبار فضلاً عن الأطفال والحرمان من التعليم والعاطفة الأسرية وقتل روح الإبداع لديهم حيث تنحصر آمالهم في طبيعة عملهم فقط وهم يتعرضون للإصابة ولإدمان القات، وللمرض.

وفي دراسة نفذتها وحدة مكافحة عمل الأطفال بوزارة الشؤون الاجتماعية والعمل والتي شملت عينة من الأطفال العاملين في الزراعة في ثلاث محافظات: صنعاء، البيضاء، ذمار اتضح أن %45 من الأطفال مصابون بالتهابات جلدية و%30 بالتهاب صديدي يصيب العيون مع احتمال تعرضهم للعمى و%20 مصابون بأمراض معوية اضافة للإصابات الأخرى كالربو وأمراض الجهاز التنفسي، وهؤلاء الأطفال يقومون برش المبيدات الزراعية وخاصة القات الذي تزيد نسبة السموم في مبيداته اكثر من المزروعات الأخرى .

القات بسمة الأطفال البريئة فنجدهم يعملون في حقوله أو يمضغونه وهم مازالوا دون الخامسة عشرة مثلهم مثل الكبار ولعلهم أكثر بحكم إقبالهم عليه دون وعي .

مع الشباب في صنعاء

منير محمد سعيد الذبحاني يعمل في فندق الشميري بلازا منذ 12 عاماً تحدث لنا عن الوضع الاجتماعي في صنعاء قائلاً :«الفقر والغلاء هما اللذان يدفعان بالشباب والأطفال للعمل فلا أظن أن أحداً منهم مستعد ليتعب نفسه في العمل لأنها عادة تعود عليها إنما هو لقمة العيش وصعوبة الحياة فالأطفال يتركون مدارسهم لماذا لأنهم يريدون أن يوفروا لقمة العيش لهم ولأسرهم والحياة صعبة .

وكذلك الشباب وأعطيك مثالاً فالطباخ الذي يعمل عندنا في الفندق بعد عمله الشاق لا يرتاح من عناء اليوم ولكنه يذهب للعمل بمكان آخر فهو السبيل لتحسين المعيشة هذه حياة الناس في صنعاء».

عصام عبدالحكيم، يعمل في الفندق نفسه ولكن بالمطعم سألناه: متى بدأت العمل؟ فقال: منذ سنة وشهر وأنا من تعز والعمل هنا الحمد لله.

وعن الراتب الذي يتقاضاه قال: لا بأس به .

كنا نتحدث عن زحمة صنعاء والفوضى التي تستبيحها ونحلق بأنظارنا من نوافد الفندق نحو صنعاء القديمة وهي المقارنة بين الهدوء والضوضاء.. تبسم عصام وشاركني وجهة النظر في رقي منطقة حدة مقارنة بالمناطق الأخرى في صنعاء .

اشخاص يفترشن الارض في التحرير
اشخاص يفترشن الارض في التحرير
وقفات على وضع الشباب

من الدراسة التي قدمها لنا عبد العزيز العقاب وجدنا أرقاماً أذهلتنا وجعلتنا نحمد الله على وضع شباب عدن فهناك %60 مدمنون مضغ القات بشراهة غير لائقة و%27 يعانون أمراضاً نفسية متنوعة، و%17 من أبناء الطبقة الوسطى يحملون الأسلحة النارية بشكل مخيف و%25 يمارسون وبإدمان معاكسة الفتيات والنساء في الطرقات والمتنزهات والحدائق والمواصلات العامة (الباصات) .

تصف لنا سميرة حسن، إحدى المعلمات في المدارس الخاصة بصنعاء الوضع الاجتماعي قائلة:«صنعاء تختلف عن عدن بكثير على الرغم من وجود مراكز ومتنزهات وصالات أفضل من عدن إلا أنه يعاب بها فقدان روح الحياة الاجتماعية فالكل بمعزل عن الآخر ناهيك عن الحياة بين طبقتين الأولى غنية والأخرى فقيرة جداً.

ولك أن تتصور ما يحدث في الأعراس فقط حيث يتم تأجير صالات بـ400 أو 600 ألف ريال ومثلها وأكثر للمهر».. فقلت في نفسي هذا في عدن مهر عروسين ونقول الحمد لله على وضعنا في عدن وعاداتنا وتقاليدنا غير المجحفة بحق الشباب.

أما نادية سلام، من فتيات تعز وترعرعت في السعودية وهي خريجة دبلوم سكارتارية وموظفة الاستعلامات في فندق الشميري بلازا فقد أكدت أن الناس في صنعاء مازالوا لم يتحرروا من بعض العادات والتقاليد وخاصة فيما يخص الفتيات وعملهن وتحديداً في الفنادق وتحكي عن طبيعة عملها بأنها جيدة وتتفاءل بأن الأمل في المستقبل موجود.

هي الحياة في صنعاء إما انفتاح للفتيات في أعلى المستويات أو قيود مجحفة، والوسطية نادرة جداً بحسب مشاهدتنا المتنزهات وجلوسنا مع الفتيات ورؤيتهن في المراكز والأعمال التجارية، هذه هي الحياة في صنعاء زحمة وعمل وشحاذة وعمالة أطفال وجولات شباب وعادات وبذخ وفقر مدقع.. وهذا جزء مما طفا على سطح شوارع صنعاء أما ما خفي فلا نعلم عنه شيئاً وقد يكون أعظم .

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى