سرد موجز للمستشفيات والمستوصفات في مدينة عدن منذ الاستيطان البريطاني للمدينة وحتى نيل الاستقلال

> «الأيام» د.علي محمد سعيد الأكحلي:

> توطئة: قمت بإعداد هذه المقالة قبل فترة وجيزة ولم يتسنّ لي إرسالها إلى العزيز تمام باشراحيل لظروف خاصة. وقد سبقني الأستاذ نجمي عبدالمجيد قبل أيام بنشر مقالة عن الخدمات الصحية في اتحاد الجنوب العربي في صحيفة «الأيام» العدد 5167 الصادر في 2007/8/9م. وتأتي هذه المقالة إسهاماً مني في حركة التوثيق للأحداث والأوضاع التي كانت تسود عدن لحقبة ما قبل الاستقلال والتي فتحت صحيفة «الأيام» صفحاتها لتدوينها. الجدير بالإشارة أن المعلومات المذكورة في هذه المقالة جاءت بشكل أساسي مما لصقت في ذاكرة الكاتب أو تلك التي سمعها من والده في الثمانينيات من القرن الماضي، وبالتالي قد يشوبها نقص الدقة المطلوبة أو بعض الأخطاء في تحديد السنوات أو أسماء المواقع، مع أن بعض المعلومات قد تم استقاؤها من مواقع الكترونية منشورة على الإنترنت. ولقد قمت بتقسيم إنشاء وإقامة المستشفيات والمستوصفات في مدينة عدن خلال فترتين بحسب وضع عدن السياسي أولاً كمستوطنة من عام 1839م وحتى عام 1937م، ثم كمستعمرة من عام 1937م وحتى عام الاستقلال 1967م. (1)

الفترة الأولى (1839م - 1937م)

-1 قام الإنجليز بتشييد أول منشأة طبية في مدينة كريتر في عام 1860م على هضبة صغيرة شبه جبلية عند مدخل الشارع الذي يؤدي إلى صهاريج الطويلة سمي بالمستشفى الأهلي (Civil Hospital). وتذكر وثائق تلك المرحلة أن أهالي عدن ساهموا (مالياً) في بناء هذا المستشفى. كان المستشفى يدار من قبل أطباء بريطانيين وهنود وممرضين/ممرضات من نفس الجنسيات، مع توظيف بعض اليمنيين في أعمال روتينية للمستشفى. وقد تم تدريب قلة من اليمنيين على ممارسة التمريض وفحوصات المختبر في المستشفى في حقبة الثلاثينيات وما بعدها. كان هذا المستشفى يقدم خدماته إلى رجال الخدمة (موظفي الحكومة) من اليمنيين وعائلاتهم، إضافة إلى المواطنين الآخرين في العيادات الخارجية، مع منحهم الأدوية اللازمة. كانت هناك عنابر رقود تتسع لحوالي 80 سريرا وفيه صيدلية ومختبر. كما كان هناك جناح خاص للأمراض الصدرية (حوالي 20 سريرا). قدم هذا المستشفى خدماته طيلة 100 سنة تقريباً وقد أقفل في منتصف الخمسينيات بعد سحب معظم كوادره العاملة إلى مستشفى الملكة اليزابيث الذي تم افتتاحه في عام 1954م. بني على أنقاض هذا المستشفى مقر شرطة كريتر حالياً.

-2 بعد حوالي 26 سنة من افتتاح المستشفى الأهلي في مدينة كريتر، قام الاسكتلندي السيد كيث فالكونر وبمساعدة من الكنيسة الاسكتلندية في شهر ديسمبر من عام 1886، بتأسيس مستشفى صغير في مدينة الشيخ عثمان سمي بمستشفى بعثة فالكونر وكان يتسع لـ 80 سريرا (2). وقد لعب هذا المستشفى دوراً هاماً في مساعدة المواطنين على مساحة كبيرة من جنوب اليمن ولفترة سبعين عاماً متواصلاً (حتى منتصف الخمسينات) حيث قام بالتطبيب وصرف الأدوية مجاناً، بل وقامت البعثة بتعليم بعض شباب المحميات خارج مدينة عدن حقن الإبر وصرف الأدوية. كما قام هذا المستشفى بمعاينة وعلاج بعض المرضى من العبيد (slaves) الذين كانوا يستجلبون من إثيوبيا والصومال ويتم إنزالهم كترانزيت في الجزيرة المقابلة لمطار عدن (سميت بجزيرة العبيد، ثم لاحقاً بجزيرة العمال). كان المستشفى يدار بطاقم إنجليزي مكون من طبيبين وممرضين وصيدلي وفني مختبر، التحق به في أواسط/أواخر الثلاثينات الطبيب اليمني أحمد عفارة وزوجته.

-3 أمام مطارعدن وعلى أرضية معسكر سيداسر (Sidaser Line) تم إنشاء مستشفى عام من طابق واحد على شكل هناجر خشبية كبيرة سمي بمستشفى سيداسر(مدخله من جانب مؤسسة الخضار في خورمكسر) خصص لخدمة أفراد الجيش البريطاني وعائلاتهم فقط، وفي وقت لاحق أضيف إلى الخدمة اليمنيون المنتسبون للقوة الأمنية مع عائلاتهم، حيث كان المستشفى يدار من قبل طاقم بريطاني صرف. عدد الأسرة حوالي 70 سريرا. كان للمستشفى عيادات خارجية مع صيدلية ومختبر. كما كان فيه قسم خاص بالنساء والولادة بعدد 30 سريرا تقريباً. وقد حولت القوات البريطانية جزءا من هذا المستشفى كمعتقل للسجناء السياسيين من اليمنيين بعد قيام ثورة 14 اكتوبر 1963م. سمي هذا المستشفى بعد الاستقلال (مستشفى الشهيد عبود). وبسبب نقص الكوادر الطبية لتشغيل قسم الرقود والعمليات الجراحية بعد الاستقلال، فقد تم إقفاله مع الإبقاء على عنبر الرقود في قسم النساء والولادة. كما استمرت العيادات الخارجية تعمل حتى يومنا هذا وتقوم بتحويل الحالات التي تستدعي العمليات إلى مستشفى باصهيب في التواهي.

-4 تم اختيار موقع في أعلى جبل هيل المطل على منطقة فتح لإنشاء مستشفى سمي بمستشفى القوات الجوية الملكية (Royal Air Force) وهو ما كان يعرف لدى المواطنين بمستشفى الآر. إف (RF Hospital) وكان يقدم خدماته إلى رجال الخدمة البريطانيين وعائلاتهم والسياح والأهالي المغتربين في المدينة من هنود وأجناس أخرى. كانت هناك عيادات خارجية وعنابر رقود تتسع لعدد 180 سريرا وفيه صيدلية ومختبر. سمي هذا المستشفى بعد الاستقلال بمستشفى الشهيد باصهيب وكان يتبع وزارة الدفاع (يسمى حالياً المستشفى العسكري).

إنشاء المستوصفات خلال الفترة نفسها

-1 أنشئ مستوصف صغير في منطقة البنجسار في التواهي (10 أسرّة) (Tawahi Dispensary) وكان يقع في أعلى الهضبة المقابلة للمقر القديم لإذاعة عدن، وهو بمثابة عيادة خارجية ويخدم قاطني منطقة التواهي. كما كان يقوم بالتطعيم للمسافرين من مدينة عدن أو الواصلين إليها عبر الميناء أو المطار في حالة عدم امتلاكهم لشهادة التطعيم. تم إغلاق المستوصف بعد الاستقلال بفترة. ومن جهة ثانية، تم تحديد إحدى الجزر الواقعة في منطقة التواهي (تقع ما بين حجيف وفندق الصخرة) كمحجر صحي للواصلين إلى المستعمرة عن طريق البحر، تم إغلاقه قبل الاستقلال.

-2 تم إقامة محجر صحي (10 أسرّة) في منطقة القلوعة (مبنى صغير يقع ما بين الورشة المركزية ومنازل عمال البوتريس). تم إغلاق المحجر بعد الاستقلال بفترة.

-3 في مدينة الشيخ عثمان، تم افتتاح مستوصف صغير (Dispensary)، يقع على الجهة اليسرى من سايلة الشيخ عثمان المؤدية إلى دار سعد وتم تحويله بعد فترة إلى دار توليد للنساء (20 سريرا).

-4 في مدينة الشيخ عثمان أيضاً، أنشئ مستوصف صغير (حوالي 10 أسرّة) خصص كمأوى للمصابين بمرض البرص وتم إغلاقه قبل الاستقلال.

الفترة الثانية (1937 - 1967م)

-1 تم إنشاء مستشفى خاص بالنساء والولادة في مدينة كريتر بجانب ملعب البلدية لكرة القدم (كان يسمى الكونين لدى عامة الناس باللهجة الدارجة) وكانت توجد فيه عيادات خارجية وعنابر رقود يتسع لحوالي 80 سريرا وفيه صيدلية ومختبر، سمي لاحقاً (بعد الاستقلال) بمستشفى الشعب، وكان بعض الأهالي يطلقون عليه المستشفى الصيني بسبب وجود أطباء صينيين يعملون فيه. خرج هذا المستشفى من الخدمة بعد الوحدة وحول جزء منه كمستوصف خيري والجزء الآخر كمستوصف مؤقت يتبع مستشفى عدن.

-2 بعد إدخال السلطنات والمشيخات تحت الحماية البريطانية وإنشاء تجمع لهم سمي بمحميات عدن (Aden Protectorates)، تم إنشاء جيش خاص بهذه المحميات في مدينة عدن سمى بـ (جنود الليفيز لمحميات عدن - Aden Protectorates Levies) وهو ما كان يعرف عند العامة بجيش الليوي (3). على أرضية معسكر شامبيون (Champion Line) تم إنشاء مستشفى عام ليخدم منتسبي هذا الجيش وعددهم 1.600 فرد (عام 1940م) إضافة إلى عائلاتهم، وكذا لخدمة الأعضاء السابقين في الخدمة البريطانية (إجمالي المترددين كان حوالي عشرة آلاف مواطن) وسمي بمستشفى الليوي Levies Hospital بعدد 160 سريرا، ويقع في خورمكسر شمال مطار عدن.

في عام 1948م تم إدارة هذا الجيش من قبل القوات الجوية الملكية وتم انتداب كادر إداري إنجليزي من مستشفى الآر إف RF بالتواهي ليدير هذا المستشفى. وكان يعمل في المستشفى ثلاثة أطباء أحدهم جراح إضافة إلى ممرضين اثنين وفنيي مختبر اثنين وصيدلي واحد(4). سمي هذا المستشفى بعد الاستقلال بمستشفى النصر وكان يتبع وزارة الداخلية. (يسمى حالياً مستشفى الشرطة).

-3 في أبريل من عام 1954م قامت الملكة اليزابيث الثانية بزيارة تاريخية إلى مدينة عدن وقامت بافتتاح مصافي شركة بي. بي البريطانية (BP Refinery) في مدينة عدن الصغرى (البريقة)، كما قامت بافتتاح مستشفى حديث في منطقة خورمكسر سمي مستشفى الملكة اليزابيث (Queen Elizabeth II Hospital) و كان يعتبر حينها من أكبر وأفضل المستشفيات في منطقة الجزيرة والخليج. وقد شمل عنابر رقود تتسع لـ 500 سرير مع صيدلية لتحضير وصرف أدوية ومختبر كبير، وألحق به عيادات خارجية، إضافة إلى عيادتين للأسنان وقسم خاص بمرضى السل (حوالي 30 سريرا). سمي هذا المستشفى بعد الاستقلال بـ «مستشفى الجمهورية» وما زال يعمل حتى يومنا هذا.

-4 في عام 1956 تم افتتاح مستشفى في مدينة البريقة تابع لشركة المصافي البريطانية (مستشفى بي. بي)، حيث قام بخدمة موظفي المصفاة وعائلاتهم إضافة إلى المواطنين القاطنين في مدينة البريقة ونواحيها. وقد ألحق به عيادات خارجية وعنابر رقود تتسع لـ 80 سريرا مع صيدلية لتحضير وصرف أدوية ومختبر، إضافة إلى قسم خاص بالأطفال (20 سريرا). تم توسعته بعد الوحدة ومازال يعمل حتى الآن.

إنشاء المستوصفات خلال الفترة نفسها

-1 في منطقة البريقة تم إنشاء مستوصف صغير (حوالي 6 أسرّة) لخدمة مواطنيها (مستوصف البلدية).

-2 في مدينة الشيخ عثمان تم إنشاء مستوصف صغير (على الجهة اليمنى من الشارع المؤدي إلى بستان الكمسري)، حوّل بعد فترة إلى مستوصف خاص بالمرضى النفسيين بعنبر رقود (حوالي 20 سريرا) ودرج الأهالي على تسميته بمستشفى المجانين. تم توسعة هذا المستشفى بعد الوحدة ويسمى حالياً بمستشفى الأمراض النفسية والعقلية.

-3 تم افتتاح مستوصف صغير في مدينة المعلا، خلف البريد (10 أسرة)، ومازال يعمل حتى الآن.

-4 تم افتتاح مستوصف صغير - دار أمومة - في مدينة كريتر (10 أسرة).

-5 تم أيضاً افتتاح مستوصف آخر - دار أمومة - في مدينة المنصورة (10 أسرة) بجانب شرطة المنصورة.

أما مدينة القلوعة (الروضة) فلم تحظ بمستوصف خاص بها لأنها مدينة أنشئت حديثاً (منتصف الخمسينات)، وتعود مواطنوها الذهاب إلى مستوصف البنجسار في التواهي أو مستوصف المعلا. كما لم ينشأ أي مستشفى في مدينة المعلا، سواء قبل الاستقلال أو بعده وحتى يومنا هذا، ليخدم منطقتي الروضة والمعلا رغم كثافة السكان فيهما. كما لم يتم إنشاء مستشفى في مدينة المنصورة، وكان مواطنوها يذهبون إلى مستشفى عفارة في الشيخ عثمان أو إلى مستشفى الملكة اليزابيث في خور مكسر للمعاينة والعلاج.

و كخلاصة لهذا الموضوع، فإن عدد المستشفيات التي أنشئت في مدينة عدن منذ استعمارها وحتى منتصف الخمسينات قد بلغ 8 مستشفيات بعدد أسرة 1.330 سريرا، لينقص العدد إلى 6 مستشفيات في عام الاستقلال 1967م بعدد أسرة حوالي 1.170 سريرا (بعد إقفال المستشفى الأهلي بكريتر ومستشفى بعثة فالكونر في الشيخ عثمان). هذا العام يصادف مرور 40 عاماً على استقلال جنوب اليمن، وكمقارنة للوضع، يوجد حالياً في مدينة عدن 5 مستشفيات تتبع وزارة الصحة بعدد 1.580 سريرا(5). يضاف إليها 3 مستشفيات لا تتبع الوزارة (العسكري والشرطوي والمصافي) بعدد 470 سريرا أي أن إجمالي الأسرة هو 2.050 سريرا تقريباً(6)، وبالتالي فإن الزيادة الكلية للأسرة عما كان عليه الحال في عام الاستقلال تكون 880 سريرا فقط. وإذا أخذنا في الاعتبار أن مستشفى عدن مقفل حالياً بسبب الصيانة وخرج جزء كبير من مستشفى الوحدة للأمومة من الجاهزية إضافة إلى أن هناك نسبة من الأسرة في كل مستشفى تعتبر خارج الجاهزية فهذا يعني أن عدد الأسرة النشطة في المستشفيات الحكومية قد يكون حالياً هو نفس العدد الذي كان عليه عند الاستقلال! وإذا ما عرفنا أن مستشفيات عدن تأخذ على عاتقها عبء خدمة كثير من مواطني محافظات لحج والضالع وجزء من محافظة أبين إضافة إلى خدمة مواطني محافظة عدن نفسها، فالسؤال هو: هل يعقل أن تستمر أوضاع المستشفيات في مدينة عدن على حالها ؟

سؤال موجه إلى المجلس المحلي بعدن وإلى القائمين على شئون الصحة فيها.

هوامش:

(1) أصبح اسمها «ولاية عدن» بعد دمجها ضمن «اتحاد ولايات الجنوب العربي» في 18 يناير 1963م. (2) تعود أهالي الشيخ عثمان على تسميته بمستشفى عفارة بعد انخراط الدكتور أحمد عفارة بالعمل فيه عام 1937م.(3) كلمة Levies هي جمع للكلمة الإنجليزية Levee. والليفيز هم كتائب جنود يستخدمون لتقديم التحية عند مراسيم الاستقبال والمناسبات. (4) مذكرات الصيدلي البريطاني Ian Taylor الذي عمل في هذا المستشفى خلال الخمسينات.(5) إحصاءات 2005م من الموقع الالكتروني لوزارة الصحة العامة والسكان - وهو آخر إحصاء متوفر في الموقع.

(6) لم يدخل في هذا الرقم عدد أسرة 7 مستشفيات تتبع القطاع الخاص والبالغة حوالي 250 سريراً.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى