حضرموت وقصص الرحالة الأوروبيين .. مابين الأساطير والسياسة والاستكشاف

> «الأيام» علي سالم اليزيدي:

> في 1904م كتب ديفيد جورج هوقارث قصته الرائعة حول اكتشاف شبه الجزيرة العربية وأسماها (اختراق شبه الجزيرة العربية) وتحتوي على سجل أمين عن تطور معرفة الغربيين بالجزيرة العربية، وقال: مازالت أجزاء كثيرة من شبه الجزيرة العربية معزولة عن أعين الغربيين. وعبر أيضا عن أمله في اختراقها من الأوروبين من دون شك، وقال هوفارث هنا عن اكتشاف الأراضي الحدودية الجنوبية إن حضرموت أكثر جزء مهم في تلك الأراضي. وكتب أيضا يقول: إن الاهتمام بحضرموت يجب أن لا يتراجع. رغم أن حضرموت تعيش حروبا قبلية مزقت الناس ومنعت السكان من استغلال أرضهم وجعلت البلاد مغلقة امام الزوار الاجانب.

ومع تدفق الرحالة إلى حضرموت ظهر أبرز الرحالة المقتدرون منهم فون فريدي وهيرش وبينت وزوجته، وتم الاطلاع على الساحل والتعرجات للطرق إلى المكلا والشحر إلى حضرموت الداخل، ثم الرحالة عبدالله فيلبي وكذا فان درميولين ورحلته الاستكشافية، وهناك المؤرخة والرحالة البريطانية فريا ستارك وآخرون نرحل معهم حول خفايا وأسرار ومقاصد استهدفت حضرموت وخلقت علاقة سارت مع الزمن.. كيف ذلك؟ وإلى أين؟ لنقرأ.

في كتاب السلطان علي بن صلاح القعيطي (نصف قرن من الصراع السياسي في حضرموت) تأليف د. محمد سعيد القدال وعبدالعزيز علي القعيطي، إصدار دار الساقي ببيروت، ومن خلال مقتطفات شيقة نقترب من الرحالة البريطانية فريا ستارك وما ذكره الكتاب حيث بين كيف كتبت تقول: قال لي السلطان علي بن صلاح ان طريق بئر علي من الساحل إلى شبام أقصر من طريق دوعن، ومن المؤكد أنه كان أحد الطرق القديمة، ولعل هناك طريقا آخر من وادي عمد إلى الشحر. وفريا ستارك زارت حضرموت في الثلاثينات ولها اهتمامات بحضرموت ونشرت عددا من الكتب عن رحلاتها وانصب اهتمامها علىالطرق التجارية القديمة.

المدينة التي أخذها الجن .. أين تقع؟

ولتتبع الاسطورة مكان لدى الرحالة الذين جالوا في حضرموت، هناك من بحث عن الربع الخالي وأسراره، وهناك من اراد معرفة مكان بئر برهوت. وتناولت فريا ستارك مع علي بن صلاح موضوعا تاريخيا آخر، قالت: سألت السلطان عن الموضوع الحساس الخاص بمدينة وبار المهجورة التي أخذها الجن من قوم عاد وثمود عندما دمروها.

وقال عنها ابن الفضل والهمداني إنها اخصب بقاع الارض ولا يمكن الوصول اليها بسبب العواصف الرملية العنيفة، ويسكنها النسناس، وهو حيوان وضيع برجل ويد وعين واحدة، ويقول المثل «ذهب الناس وبقي النسناس» ويقال إن جمال المهرة الشهيرة من سلالة جن وبار، فقال عنها السلطان إن كل شخص في حضرموت يعتقد أنها تقع بين حضرموت وعمان. وأضافت: لقد حذرني من صحراء صيهد التي تهب فيها الرياح وحيث تسود الغربان.

الرحالة البريطاني فيلبي في حضرموت.. لماذا؟

اسمه هاري بريد جر فيلبي (-1885 1960م) متعدد مواهب، فهو رحالة ومهتم بالآثار وكاتب ودبلوماسي، وتثير شخصيته جدلا واسعا، ومن اشهر الرحالة البريطانيين الذين جابوا الجزيرة العربية، عمل اولا موظفا في الادارة البريطانية في الهند وذهب إلى جزيرة العرب لاول مرة عام 1917م، ثم استقال من الحكومة البريطانية واعتنق الاسلام وسمى نفسه عبدالله، والتحق بخدمة الملك عبدالعزيز آل سعود واصبح مستشارا له. وكان ثاني رحالة يخترق الجزيرة العربية من اقصاها إلى اقصاها وأول من وضع خريطة الربع الخالي، قام برحلة إلى حضرموت لدراسة الآثار بدأها من نجران إلى شبوة ثم إلى وادي حضرموت قاصدا القطن، مقر علي بن صلاح القعيطي، وعاد إلى المكلا. ألف عددا من الكتب منها (قلب الجزيرة العربية، الربع الخالي، مرتفعات الجزيرة العربية، بنات سبأ، العربية السعودية) ويقول عنه فان درميولين: «عندما يتكلم عن الجزيرة العربية فإن كلمته تنتشر بعيدا» لم يكن محبوبا لدى الادارة البريطانية في عدن، لانه كان باعتقادهم ان نواياه تتعارض معهم في المنطقة.

كان فيلبي يسعى وراء زيارته لحضرموت إلى تحقيق اهداف محددة، أن يجس النبض حول حدود دول المنطقة، والتعرف على القبائل الحدودية، ويعمل على فتح الطريق البري بين حضرموت والسعودية وقدم للناس في شبام صورة عن الطريق، وحامت حوله الشكوك، قال عنه انجرامس في محاضرة القاها في سنغافورة، رغم ان فيلبي بريطاني مثله إلا أنه انسان غير طيب وهو يحمل اطماع آخرين في حضرموت.

وللنفط مكان في استكشاف حضرموت في الحكاية

حاول كثيرون من الرحالة النصارى الوصول إلى قبر النبي هود وبئر برهوت عقدا من الزمان، حسب ما ذكر القدال في ترجمته لكتاب (حضرموت إزاحة النقاب عن بعض غموضها)، ومن قصص عام 1918م تقرير كتبه ضابطان بريطانيان قاما برحلة إلى حضرموت ولم تنشر نتائج الرحلة، ولكن احدهما كتب مذكرات عن حضرموت واسمه وارنر، وكانت ملحقا لمقالة كتبها كوكران في المجلة الجغرافية 1931م، حيث ذهب وارنر في مهمة دبلوماسية إلى شبام ولم يتعدها وقام سرب من سلاح الطيران الملكي برحلة استكشافية بقيادة كوكران الذي اخذ انطباعا عن المنطقة من الجو، فشاهد قبر هود وقام بتصويره ولكن لم يتمكن من العثور على بئر برهوت.وقامت الحكومة المصرية بناء على طلب من حكومة الشحر والمكلا بتكليف المستر ليتيل للقيام بمسح جغرافي وجيولوجي للمنطقة غرب المكلا حتى وادي حجر بهدف العثور على ثروات معدنية، وتمخض هذا البحث عن كتاب (جغرافيا وجيولوجيا المكلا) الذي نشرته المطبعة الحكومية في القاهرة عام 1925م، وهو اول خطوة لمحاولات الحكام الحضارم لاستخراج الثروة المعدنية والنفط منذ وقت مبكر وفشل اظهاره من شركة إلى شركة حتى أواخر الثمانينات، وهذا له حديث ومقال آخر متكامل.

كما وضع الرحالة دانيال فان درميولين وزميله فون فيسمان اساسا متينا للتعرف على حضرموت بدقة، إذ استطاع درميولين أن يخترق حضرموت وأن يجعل هذا النجاح خدمة للعلم، وتمكنا (الرحالة والمصور) من التعرف على المدن وكسب شخصيات ذات نفوذ، والأهم لهم هو الكشف النهائي عن بئر برهوت، إذ من العصي البحث عن اسرار بئر برهوت، ذلك المكان الملعون الذي يعتبر مقرا مؤقتا لأرواح الكفرة وتنبعث منه غازات سامة وينتاب المرء الرعب والهلع عند الاقتراب من المكان.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى